درس خارج اصول استاد اشرفی

91/12/14

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: الکلام فی الإحتیاط

قبل الورود فی البحث لابد من الإلتفات إلی أن الإجتهاد لم‌یکن مختصا بزمان دون زمان؛ ضرورة بقاء الإسلام و أحكامها إلي يوم القيامة فلايمكن القول بإكتفاء ما أفتي به العلماء في الأعصار المتقدمة كما قال أهل السنة بالنسبة إلي بعض فقهائهم و إنسداد باب الإجتهاد عندهم في الأعصار اللاحقة .

و يظهر ذلك بالنظر إلي ما يحدث يوميا من المنتجات و الموضوعات المستحدثة و التطورات و الإمكانيات مما يطلب حكما شرعيا و لم‌تكن مسبوقا في عصر التشريع و الأئمة (عليهم السلام) حتي يُسأل عنها فعلي الفقهاء في كل زمان أن يفرعوا من أصول الإجتهاد أحكام الله و هذا ما صرح به النبي الأكرم (صلي الله عليه و آله و سلم) و الأئمة (عليهم السلام) في مختلف المجالات و قامت عليها سيرتهم العملية من الحث علي التعليم و التعلم و الإجتهاد و الرجوع إلي فقهاء الأصحاب و بيان أصول الإستنباط الصحيحة و العقل أيضا مستقل بلزومه حيث يري أن المجتمعات الحديثة و المتطورة تحتاج إلي قوانين جديدة و ما يتكفل إدارة المجتمع بشكل صحيح .

هذا مضافا إلي أن الإجتهاد لو إنسد بابها لضمحلت الدين و الأحكام و لذلك حثت عليه آية النفر علی التفقه فی الدین و کلام الله تعالی یجری مجری اللیل و النهار فيكون التفقه أمرا واجبا في كل عصر إلا أن وجوبه كفائي و هذا مقتضی خاتمیة الدين الإسلامي و بقائه بما له من شمول الإسلام لجميع جوانب الحيوة‌ البشرية إلي يوم القيامة‌ مع العلم بحصول التطورات في الحيوة و مقارناته مدي الأعصار المتمادية و إحتياجها إلي قوانين ينتظم بها الحيوة الإنسانية .

و من هنا تري علماء السنة – بعد بنائهم علي إنسداد باب الإجتهاد – التي إلتجأوا إلی الإستنباط في عصرنا للإجابة‌ علي المستحدثات من المسائل إلا أن إجتهادهم غير مبني علي الأصول الصحيحة و يكون غير ممنهجة خلافا للشيعة التي تعتمد علي الأصول المتقنة الصحيحة من الكتاب و السنة .

ثم إنه لو ترك المكلف الإجتهاد و التقليد فهل يجوز له الإحتياط و يكون مشروعا أم لا؟

نقل الشيخ الأنصاري في رسائله المنع من عدة‌ من الفقهاء لإعتبارهم قصد الوجه في العمل بالواجب و المندوب حيث لا يمكن الحصول عليه إلا بالإجتهاد أو التقليد فالأحوط ترك الإحتياط .

و في قبال هذه النظرية القول بالجواز و مشروعيته و تفصيل البحث: أن الإحتياط تارة يقع في المعاملات بالمعني الأعم الشاملة لباب الطهارات و النجاسات و السياسات و القضاء و ... و أخري يقع في المعاملات بالمعني الأخص الشاملة للعقود و الإيقاعات و ثالثة يقع في العبادات .

أما المعاملات بالمعني الأعم فلا إشكال في مشروعية ‌الإحتياط فيها و جوازه فإذا شك المكلف في أن المتنجس بالبول مثلا هل يطهر بالغسل مرة‌ أم يحتاج إلي غسلين فيحتاط بالغسل مرتين من دون محذور

أو يشك في لزوم التعفير في المتنجس بولوغ الكلب أو يشك في كيفية الطلاق و أنه هل يقع بصيغة الفاعل أم بالفعل الماضي و هكذا فللمكلف أن يحتاط في كل مورد يشك فيه بإتيان المحتملات .

أما المعاملات بالمعني الأخص من العقود و الإيقاعات فقد يقال بأن الإحتياط فيها مناف لقصد الجزم في الإنشاء الذي معتبر فيهما فكما لايمكن التفكيك بين الوجود و الإيجاد كذلك بين الإنشاء و المُنشأ فمن يريد الطلاق مثلا و يحتاط بإجراء الصور المتصورة فيه ففي الحقيقة يتردد في إنشائه فيرجع الأمر إلي عدم الجزم علي إيجاد الطلاق و هكذا في سائر المعاملات .

و فيه أن قصد الإنشاء و إنشاء ما في النفس من الإعتباريات جزمي لا ترديد فيه و إنما الترديد في حكم الشارع بتحقق المنشأ و إمضائه له .

بيان ذلك

ذهب المشهور إلي أن الإنشاء من قبيل الإيجاديات التكوينية إلا أنه في عالم الإعتبار و لذا لايتصف الإنشاء بالصدق و الكذب

أما سيدنا الأستاذ فقد قال بأن الإنشاء عبارة عن إبراز ما في الضمير من دون فرق بينه و بين الإخبار إلا إن ما في الضمير في الإخبار هو الحكاية و في الإنشاء إبراز الطلب و الإعتبار و هذا هو الأساس في إتصاف الأخبار بالصدق و الكذب دون الإنشاء إذ ليس فيه حكاية عن أمر واقعي محكي عنه باللفظ فعليه لما يريد المكلف البينونة ‌من زوجته أو تمليك مال بمال أو نكاح إمرءة، لايخلل الإحتياط في اللفظ بعزمه إذ هو يأتي بصيغتين مثلا للإطمينان بترتيب الأثر الشرعي فلا منافات بين العزم و الإحتياط و إنما الترديد في حصول الأثر الشرعي بأحدهما و لذا لايكتفي به بل يأتي بالثاني أيضا .

نعم لو علق الإنشاء علي أمر بأن قال مثلا بعتك الدار إن جاء إبني فإنه مناف لقصد الجزم و الإنشاء فلا‌يتحقق به العقد .

و الحمد لله