درس خارج اصول استاد اشرفی

91/12/13

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: في الإكتفاء بالإمتثال الظني

قد ذکرنا أن المکلف لو عمل عن غیر تقلید بعض عمره ثم إلتفت إلي لزوم التقليد عن الأعلم فرجع إلیه فعلم أن بعض أعماله لم‌یکن مطابقا لفتواه فتردد؛ مثلا فی أن الذي فات منه من الصلوات الصحيحة لأجل جهله بجزئية السورة أو شرطية الطمأنينة‌ فأتي ببعضها بدونهما هل کان مثلا مأة صلاة أو مأتين؛ ففي هذه الصورة‌ ثلاثة أقوال:

أولها: الإكتفاء بالأقل إستنادا إلي أنه القدر المتيقن من الفائتة منها فتجري برائة الذمة من الزائد عليه .

و ثانيهما: لزوم الإتيان بالأكثر إستنادا إلي قاعدة الإشتغال المقتضي لتحصيل اليقين بفراغ الذمة عن عهدة التكليف .

و ثالثهما: الإكتفاء بتحصيل الظن بفراغ الذمة بعدما لم‌يمكنه تحصيل اليقين و هذا هو المشهور من الأقوال و قد ذكروا له برهانين .

البرهان الأول: إن مقتضي حكم العقل الإمتثال اليقيني في مفروض المقام و إن شئت قل: إجراء البرائة في الزائد علي القدر المتيقن الذي هو الأقل يوجب العلم بالوقوع في مخالفة الله و هذا العلم الإجمالي يوجب أن يحكم العقل بالإحتياط الكلي فيه ولكنه منفي شرعا لإستلزامه العسر و الحرج فلابد أن يتنزل إلي الإمتثال الظني و الإتيان بما يظن معه بالفراغ

فكما يجب الفحص في بعض الموضوعات بحكم العقل و العرف فرارا من الوقوع مخالفة الله مثل النظر إلي الأفق للإطلاع علي طلوع الفجر في شهر الصيام ليمسك عن المفطرات أو محاسبة أمواله ليعلم مقدار ربحه و خمس أمواله أو زكاتها و غيرها مما كان إجراء البرائة بمجرد الشك في التكليف موجبا للوقوع في مخالفة الله تعالي كذلك يجب الإتيان بما يظن معه بفراغ الذمة إذا لم‌يمكنه الفحص عن مقدار الصلوات الباطلة .

و أورد عليه بأن المراد من مخالفة الله إن كان مخالفة المقلد فدونه خرط القتاة إذ أنّي له العلم بمخالفته بعد ما قضي القدر المتيقن من الصلوات فلايعقل الجمع بين القول بإتيان القدر المتيقن و العلم بالوقوع في مخالفة الله بإجراء البرائة فيما سواه و لابأس بحصول العلم الإجمالي بالمخالفة بعد العمل بالتكاليف بعد مدة كمن يعلم مثلا بأن بعض معاملاته في السنة الماضية كانت ربوية إذ الإحتياط فيما خرج عن محل الإبتلاء غير لازم .

و إن كان المراد من المخالفة هو أن المجتهد يطمئن بأن المكلف يقع في المخالفة بالعمل بالبرائة فيما سوي القدر المتيقن أحيانا، فهو غير مضر في المقام إذ وظيفة المجتهد هو بيان حكم الله في المشكوك و لو علم بأن بعض المقلدين يبتلون بخلاف الواقع بإجراء البرائة عند الشك في التكليف إذ هو لايسوغ رفع اليد عن التكليف الظاهري .

بل لو علم المجتهد بوقوع المقلد في المخالفة بإجراء أصل ناف للتكليف أيضا لاتتوجه إليه مسئولية كما إذا رأي إبنه يعامل مع الثوب النجس معاملة الطاهر بمقتضي أصالة الطهارة إذ لايجب إعلام الموضوع علي المجتهد .

و لو سلمنا أن إجراء البرائة في الزائد يوجب العلم الإجمالي بالمخالفة فإنه لايكفي الإمتثال الظني حينئذ بل يجب الإحتياط الكلي؛ إذ العسر و الحرج لاينفيان وجوب الإحتياط نوعا بل يرفعانه شخصا؛ كما ينفي قاعدة لا ضرر، الحكم عن شخص المكلف لا نوعه فلو فرضنا أن الصوم مثلا يضر أكثر أهل البلد فهل يرفع هذا الضرر وجوب الصوم عن جُلِّهم ؟! و كذلك إذا شك في مثال الصلاة بأن الفائت منه عشرة كان أو عشرين فهل قضاء العشرين مستلزم للعسر و الحرج ؟ كلا .

أما ما ذكر من أن ترك الفحص موجب للوقوع في مخالفة الله؛ ففيه أنه وقع الكلام في مدي لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية إذ وردت بعض الروايات في النهي عن الفحص عن بعض الموضوعات كالفحص عن عدة المتعة أو الفحص عن وقوع الدم علي الثياب و غيرها من الموارد و بعض آخر تدل علي لزوم الفحص و يحكم بوجوب القضاء و الإعادة عند تركه؛ كما نري في الروايات الأمر بالفحص عن طلوع الفجر و غروب الشمس في شهر رمضان .

قد حكم المحقق النائيني بلزوم الفحص فيما إذا يظهر الموضوع بأدني تأمل و فحص؛ لكونها منصرفا عن أدلة الشكوك التي هي موضوعات للأصول النافية و هو الإنصاف إذ لو قلنا بعدم لزوم الفحص بمجرد حصول الشك قلما يتفق من لم‌يترك التكاليف الشرعية كالخمس و الزكات و غيرها بدعوي الشك في تحقق الموضوع و عدم لزوم الفحص؛ فلايمكن الحكم بالبرائة فيما إذا إرتفع الشك بمجرد لحاظ .

و الحمد لله