درس خارج اصول استاد اشرفی

91/11/30

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: في وجوب التعلم

قد عرفت أن مقتضي القاعدة في الواجب الموقت إذا توقف فی وجوده علی مقدمة لا يمكن تحصيلها في الوقت؛ عدم لزوم الإتيان بالمقدمة فإن وجوبها مترشح من وجوب ذي المقدمة و المفروض عدم وجوبه قبل الوقت فلاتجب مقدمته و بعد الوقت لايتمكن من ذي المقدمة فلايصح الأمر بغير المقدور .

و هكذا الحال في الواجب المشروط إذا لا يقدر عليه بعد حصول الشرط لو لم‌يحصل المقدمة قبل وجود الشرط و من هنا قيل بجواز إهراق الماء قبل وقت الصلاة و إن علم بعدم إمكان تحصيله للطهارة المائية بعد الوقت .

نعم لو فرضنا ثبوت الملاك للواجب المشروط أو الموقت و عدم دخالة القدرة فيه فالعقل مستقل بعدم جواز تفويته في الوقت و إن لم يكن وجوبه قبل الوقت فعليا .

و بذلك تعرف حكم التعلم لو لم يقدر علي العمل في الوقت لو‌لم يتعلم العمل بأجزائه و شرائطه قبل الوقت كالبدوي غير العارف بالصلاة و القرائة و ساير أجزائها .

لكن الظاهر من إطلاق روايات وجوب التعلم و تحصيل العلم و ما ورد من مؤاخذة العبد علي ترك العمل إذا إستند إلي ترك التعلم؛ أن التعلم و إن لم يكن واجبا نفسيا لكن صحت مؤاخذة المكلف علي ترك العمل إذا كان مستندا إلي خصوص ترك التعلم، فلهذه المقدمة‌ خصوصية زائدة علي ساير مقدمات الواجب و عليه يجب التعلم قبل الوقت – إذا لم يتمكن من العمل بدونه – كيلا يقع في محذور ترك العمل و إستحقاق العقاب علي تركه .

و بهذا يظهر لزومه عقلا بالنسبة‌ إلي ما يحتمل إبتلائه به بعد الوقت إذا لم يتمكن من العمل الصحيح في الوقت فإن العبد بإحتمال الإبتلاء يحتمل إستحقاق العقاب علي ترك الواجب المبتلي به في الوقت أو بعد الشرط و العقل مستقل بدفع الضرر المحتمل .

و هذا معني الوجوب الطريقي الذي لا يتوقف علي فعلية التكليف و لا مجال لإجراء البرائة العقلية‌ هنا لما ذكرنا في محله من أن التكليف المحتمل إذا كان في معرض وقوف العبد عليه بحيث لو فحص لظفر به تم البيان من قبل المولي و إنتهت النوبة إلي وظيفة‌ العبد فلامجال لحكم العقل بالبرائة .

و أما البرائة الشرعية و هي قوله «رفع ما لا يعلمون» أو « الناس في سعة ما لم‌يعلموا» فإطلاق دليلها و إن إقتضي عدم وجوب التعلم و الفحص لكن إطلاق أدلة وجوب التعلم و إستحقاق العقوبة علي ترك الإمتثال إذا إستند إلي ترك التعلم، يمنع عن الأخذ بإطلاق أدلة البرائة الشرعية من دون فرق بين ما‌ إذا علم بالإبتلاء به في المستقبل .

أما بالنسبة إلي تعلم مسائل الشك و السهو فذكر السيد صاحب العروة في مسألة 28 بعد حكمه بوجوب العلم بإجزاء العبادات و شرائطها؛ «يجب تعلم مسائل الشك و السهو بالمقدار الذي هو محل الإبتلاء غالبا؛ نعم لو إطمئن من نفسه أنه لايبتلي بالشك و السهو صح و إن لم يحصل العلم بأحكامها» .

يعلم حال هذه المسألة مما سردناه فيما تقدم من أنه إذا أمكن المكلف الإتيان بالوظيفة و لو إجمالا بأن يستأنف العمل عند شكه في الأجزاء أو الشرائط أو ركعات الصلاة بحيث يطمئن بالإتيان بالعمل الصحيح فلا حاجة إلی‌ التعلم فإنه واجب طريقي و قد تقدم في الإبحاث الماضية جواز الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي و لو مع التمكن من الإمتثال التفصيلي .

نعم إذا لم يتمكن من الإحتياط لدوران الأمر بين الجزئية و المانعية مع ضيق الوقت عن تكرار العمل أو قطعه و إستينافه وجب التعلم دفعا للضرر المحتمل .

و هكذا الحال مع إحتمال إبتلائه بمثل هذه المسألة إذ قد عرفت فيما مضي ثبوت إحتمال الضرر و العقاب عندئذ .

هذا و لكن لو قلنا بمقالة المشهور من حرمة‌ قطع العبادة أو خصوص الصلاة فلا سبيل إلي إحراز الإمتثال حينئذ إلا بتعلم أحكام الشكوك و السهو كي يبتني عمله علي تلك الأحكام فيما إذا إبتلي بهما فإن قطع الصلاة و إستينافها حرام و البناء علي أحد طرفي الشك و إتمام العمل ثم الإعادة غير جائز لإحتمال أن يكون المتيقن في حقه هو البناء علي الطرف الآخر و قد قطع العمل بالبناء علي الطرف الآخر .

و بالجملة علي القول بحرمة قطع الصلاة و إبطالها يجب علي المكلف تعلم المسائل الراجعة إلي الشك و السهو لأنه لا سبيل إلي إحراز إمتثال الأمر بالصلاة مع فرض الإبتلاء بها .

و أما إذا إحتمل الإبتلاء فربما يقال بجريان إستصحاب عدم الإبتلاء بتلك المسائل بناءا علي جريان الإستصحاب في الأزمنة المستقبلة كالأزمنة الماضية و بناءا علي كون المجعول في الاستصحاب هو الطريقية و الواسطية كما هو الحال في الأمارات فإنه بعد البناء علي هذين المبنيين مضافا إلي ظهور إطلاقات أدلة وجوب التعلم في عدم مشروعية ترك العمل الواجب إذا إستند إلي ترك التعلم كما مضي البحث فيه و عليه لابد من التعلم كيلا يقع في هذا المحذور .

و الحمد لله