درس خارج اصول استاد اشرفی

91/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: نظرية طريقية الأمارات و الحجج

قلنا إن العمدة في مصدر فتوي العلماء الإتكاء علي الأمارات و الحجج الشرعية كقول الثقات و العدول المتمثلة في الروايات و شرحنا في بيان كيفية إطلاق عنوان «العالم بأحكام الله» علي المطلع بتلك الأمارات، نظرية «جعل الحكم المماثل» .

و قد عرفت أنه لاشاهد علي جعل الحكم المماثل و كون مؤدي الأمارات وظيفة شرعية فعلية و لو ظاهرا فهذا دعوي خالية عن البرهان .

و بقي الكلام في نظرية «الطريقية» فنقول: إن الشارع أمضي الطريقية و الكاشفية الموجودة في الأمارات فجعلها حججا شرعية للوصول إلي أحكام الله و هذه الأمارات لدي الشارع تنطبق غالبا مع الأمارات المعتبرة لدي العقلاء حيث لاطريق أحسن منها فلابد أن يعتمدوا علي ما كشف لهم الواقع و لو بنحو الغالبي و الأكثري إذ المفروض فقدان ما يوصلهم إلي الواقع بنحو القطع و اليقين و هذا هو معني الطريقية فكما أن العقلاء يعتمدون علي هذه الطرق بما أنها كواشف عن الواقع و عن مراد المولي فإن أصاب الطريق فنعم الوفاق و إلا لم‌يكن حكم في البين أصلا. نعم العبد معذور في مخالفته و هكذا الحال في الطريق الممضاة شرعا فإن الشارع لم يخترع طريقا لإيصال العبيد إلي أحكامه غير ما هو المتعارف عند الناس بل هو أحد منهم يتكلم كما يتكلم الناس و يعتمد علي الطرق العرفية كما يعتمد الناس عليها فلا معني للقول بجعل الحكم المماثل عند عدم إصابة الطريق الواقع .

و مَثَل الظنون الخاصة و الأمارات المعتبرة، مثل العلم في إمكان الكشف عن الواقع و الخطأ أحيانا بأن يكون جهلا مركبا إذ العلم و القطع لايتغير الواقع فلو صلي الجمعة خمسين سنة يوم الجمعة ظانا بأنها حكم الله فظهر له بعد وجوب الظهر يوم الجمعة لايغير علمه السابق حكم الله الواقعي بالنسبة إليه و إن نزلت الأمارة منزلة العلم بالواقع شرعا فيكون العامل به معذورا في مخالفته الواقع و هذا معني التنجيز عند الإصابة و التعذير عند عدم الإصابة فيكون معني الطريقية تنزيل الظن الخاص منزلة العلم لا جعل المؤدي و هذا ما ذهب إليه أكثر المحققين.

و يترتب عليها

أولا: أن المتبع لهذه الطرق يصل إلي حكم الله غالبا فيصدق عليه أنه عالم و فقيه .

و ثانيا: أن التنجيز و التعذير هما أثران للحجية و إعتبار الأمارة لا أن يكونا معني الحجية .

و منه يظهر وجه بطلان النظرية الثالثة التي قال بها الآخوند و عليه تمحل لصحة التقليد – مع إعترافه بعدم جعل الحكم المماثل – بأن المجتهد و إن لم يعلم بالحكم لواقعي عند قيام الأمارة؛ لكنه عالم بمواقع الأمارة القائمة علي الحكم و إن العبد لو عمل به كان في عذر عند الله تعالي .

ولكن قد عرفت أن التنجيز و التعذير أثران لحجية الطريق لا أنهما مجعولان مستقلا؛ بل قد أورد عليه بأن لازم ذلك تخصيص القانون العقلي الغير القابل للتخصيص و هو قبح العقاب بلا بيان و قانون «لزوم دفع الضرر المحتمل» حيث أنا لو قلنا بطريقية الأمارات شرعا كان قيام الأمارة علي الحكم الإلزامي بيانا و مصححا للعقاب علي مخالفته كما أنه معذر لو قامت الأمارة علي إباحة شيء يحرم بحسب الواقع فلاموضوع للقاعدتين مع قيام الأمارة المعتبرة؛ لا أن القاعدتين خصصا بجعل التنجيز و التعذير فافهم .

هذا مع تصديق صحة إطلاق العالم و مفتي الحكم الشرعي علي العالم بمواقع قيام الأمارات (المنجزة أو المعذرة) إذ لاتنحصر صحة التقليد عمن علم بالحكم بل يصح تقليد من علم بمواقع قيام الأمارات .

و الذي يشهد لذلك إرجاع أئمة الدين إلي أمثال زرارة و محمد بن مسلم و أضرابهم فمن رأي أن معني الحجية هو التنجيز و التعذير فلازم إرجاع أئمة الدين إلي أصحابهم مع كون معني الإرجاع هو الحجية و الحجية بمعني التنجيز و التعذير، صحت الرجوع إلی العالم بمواقع التنجيز و التعذير أي مواقع قيام الأمارات.

و الحمد لله