درس خارج اصول استاد اشرفی

91/09/26

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: فی إشتراط الحیاة فی المفتی

ذهب العامة‌ إلی عدم إشتراط الحياة في المفتي و کان ذلک بعد القرن الخامس الهجری لما إنحصروا التقليد في الأربع من أئمتهم و هم أبو حنيفة و مالك بن أنس و أحمد بن حنبل و شافعي و کان سبب حصرهم أنهم لما رأوا أن الإجتهاد المبنی علی القیاس و الإستحسات العقلیة و سد الذرائع و المصالح المرسلة و غيرها من الطرق المأخوذة عندهم للفتوي، صار سبب تشتت كثير و إختلاف عظيم في الآراء و أوجب مشاكل عديدة في مختلف مجالاتهم بحيث صار أحكام الدين كملعبة لدي بعضهم و لم يكن هذا النوع من الإجتهاد ذا إطار معين يمكن التعويل عليه؛ حاولوا حصره لكي يسلموا من آفاته و لو لم يفعلوا ما فعلوه لم يبق من دينهم إلا ما بقي من دين اليهود و النصاري .

ولکن لما کان الإجتهاد لدی الشیعة الإمامیة ذا إطار سديد و مبتن علي قواعد متينة و أصول وثيقة و تفريع الفروع من الأصول التی یستبطها الفقیه من مصادر التشريع الكتاب و السنة حسب ما تعلمها من أهل البيت(عليهم السلام)، من قواعد الإستنباط الصحيح؛ لم تواجه ما واجهه العامة و هذا هو الأسلوب القيم الذي حافظوا عليها علماء الشیعة من بداية تطور الفقه و الإجتهاد في صدر الإسلام إلي زمان صاحب الجواهر و بعده إلي زماننا هذا و أكد الإمام الخميني و سائر العلماء و الفقهاء علي لزوم تبعیة الإجتهاد الجواهري و فقهه فهو بعينه أسلوب الماضین من العلماء في الإستنباط و بما أن العقلاء فی کل مکان و زمان یعتقدون بلزوم الرجوع إلی علماء ذاک العصر الأحياء بحیث صارت هذه السیرة كالجبليات و الفطريات للبشر؛ إشترطوا الفقهاء، الحياة في الرجوع إلی الخبرة و منها المجتهدون فمنعوا التقلید الإبتدائی عن المیت .

نعم ذهب بعض إلی جوازه فی إستمرار التقلید و سیأتی البحث فیه .

أما الأخباریون فی زماننا هذا فاختاروا جواز الرجوع إلی المیت و التقلید عن الشیخ أحمد الأحسائی و صاحب الحدائق إستنادا إلی التوقیع الشریف «فارجعوا إلی رواة أحاديثنا» فليس الحياة عندهم شرط في قبول قول الراوي فكما يجوز أخذ الرواية من الكليني الذي كان يعيش قبل ألف سنة فكذلك يجوز التقليد عن سائر الرواة الأموات .

أما بين الأصولييين فقد إنفرد المحقق القمي حسب ما نسب إليه الأستاذ الخوئي بالقول بجواز التقليد عن إبن أبي عقيل في جامع الشتات في مسألتين فقال في الجواب عن السؤال عن جواز التقليد من إبن أبي عقيل: أقوي جوازه و قال فی موضع آخر: الأحوط الرجوع إلي المجتهد الحی و بقرینة سبق الفتوي يكون الأحوط إستحبابيا .

و كلام المحقق القمي مبتن علي مبني إنسداد باب العلم و العلمي و جواز الأخذ بالظن في الأحكام و كفايته فعليه لو ظن المقلد بشيء في الأحكام يجوز له العمل به و لا يجب عليه الرجوع إلي المجتهد الحي.

و أورد الأستاذ علي قول المحقق إشكالين مبناءا و بناءا .

أما الأول فلأن مبني الإنسداد مبتن علي أصلين مردودين .

الأصل الأول: إختصاص إستكشاف المراد من الظهورات بالمشافهين في مجلس التخاطب .

و فيه أن الأخذ بالظهورات من الألفاظ أمر يتفق عليه عقلاء العالم و تكون سيرة قطعية بينهم و لقد أمضاه الشارع قطعا و مجرد إحتمال وجود قرائن حالية أو مقالية خفيت علي غير المشافهين، لا يصلح لرفع اليد عن الظهورات .

الأصل الثاني: عدم حجية قول الثقة كما إدعي السيد المرتضي و إبن إدريس الإجماع عليه و فيه ما تري .

فعليه حجية الظهورات و خبر الثقة أصلان موضوعيان في المقام و لا ينبغي الريب فيهما .

أما الإشكال البنائي: فهو باطل بالطريق الأولي إذ ليس المراد من الظن علي مبني الإنسداد ما يحصل للعامي بل المراد هو الظن الذي يحصل للمجتهد بما هو مجتهد إذ العامي ليست له الإحاطة بأقول الفقهاء حتي يحصل له الظن بأقوال بعضهم دون البعض و إن علم إجمالا بوجود الإختلاف بين الفقهاء في عدة من المسائل الشرعية .

مضافا إلي أن الإعتقاد بأعلمية إبن أبي عقيل من بين أعلام الشيعة كالشيخ الطوسي و المحقق و العلامة و غيرهم(قدس الله أسرار جميعهم) من الأعاظم أمر غريب .

نعم يمكن إدعاء حصول الظن من قول المشهور .

أما دعوي الأخباري بلزوم التقليد عن الرواة دون المجتهدين ؛ فهو مبني علي حمل الروايات الذامة الناهية عن العمل بالإجتهادات؛ علي مطلق الإجتهاد و الإستنباط؛ مع أن الحق، حملها علي الإجتهاد الرائج لدي العامة من الأخذ بالطرق الغير المعتبرة و الإعتماد علي مطلق الظن الحاصل من أي طريق كالقياسات و الإستحسانات العقلية و غيرها التي توجب هدم الدين و بناءا عليه أن النهي الوارد في تلك الروايات لا يشمل الإجتهاد المصطلح لدي الشيعة .

هذا مضافا إلي أن دأب الشيعة من رجوعهم إلي أمثال كتب بني فضال أو غيرهم من الرواة، و الأمر الوارد في التوقيع الشريف إلي الرجوع إلي الرواة؛ لم يكونا من باب أنهم كانوا رواة فقط، بل من باب أنهم أهل الخبرة و النظر و الفقاهة و هذا هو المعني الذي تساعده الروايات من التوقيع و غيرها مثل ما ورد في بعض الروايات «و نظر في حلالنا و حرامنا» و غيرها و هو المفهوم من الآيات الآمرة بالسؤال عن أهل الذكر و النفر للتفقه؛ فما ذهب إليه الأخباري من سوء الفهم و قلة النظر في الروايات و الآيات .

أما الإشكال البنائي عليه فهو نفس ما ذكرناه آنفا فلا نعيد .

و الحمد لله تعالي .