91/06/21
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع البحث: دراسة إحتمالات وجوب الأخذ بالإجتهاد أو التقليد أو الإحتياط
قلنا إن السيد صاحب العروة قال في بداية العروة أنه «يجب علي المكلف أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا» و وقع الكلام في ماهية هذا الوجوب و أنه عقلي أو تعبدي أو مقدمي أو طريقي و قوينا القول بكونه وجوبا عقليا .
توضيح ذلك
إن الوجوب العقلي هو ما يستقل العقل بالأمر به كوجوب إطاعة الله تعالی فعليه يكون الأمر بإطاعة الله في قوله تعالی «و أطيعوا الله و إطيعوا الرسول و أولی الأمر منكم» أمرا إرشاديا .
أما الوجوب التعبدي هو أمر مولوي صرف بما أنه مولی و بما أننا عباد كوجوب الصلاة و الصيام و هكذا في جانب المنهيات فلا دخل له بحكم العقل بل الإمتثال يكون بحكم العقل للزوم إطاعة المولی المنعم .
أما الوجوب المقدمي و هو وجوب المقدمات الذي قد يتعلق به الأمر كالأمر بالوضوء و الغسل و التيمم للصلاة و قد لايتعلق به أمر كوجوب التستر و طهارة الثياب و قد يعبر عن هذا النوع من الوجوب بالوجوب الغيري .
أما الوجوب الطريقي هو ما يوجب تنجيز التكليف و الواقع بالنسبة إلی المكلف نظير قوله (عليه السلام) «عمري و إبنه ثقتان فما أديا عني فعني يؤديان فاسمع لهما و أطعهما» و قوله عليه السلام «عليك بهذا الجالس» مشيرا إلی زرارة بن أعين و قوله عليه السلام «عليك بزكريا بن آدم فإنه قد سمع روايات أبي» فهذا النوع من الأمر لايستقل في الوجوب بل يكون وجوبه طريقا إلی إدراك الواقع و تنجيز التكليف و مؤدی قول الثقات .
دراسة الإحتمالاتأما الحق فهو كون الوجوب عقليا لإستقلال العقل بلزوم تحصيل المؤمن من العقاب و شكر المنعم المتعال و لزوم تحصيل فراغ الذمة من عهدة التكليف و النجاة من المؤاخذة يوم القيامة .
بعبارة أخری: أن العلم الإجمالي بوجود عدة دستورات في الإسلام يقتضی بذل الوسع في فراغ الذمة عن عهدتها ليؤمن العقاب و العذاب و تحصيل المؤمن إنما هو بأحد الأمور الأربعه أما تحصيل العلم بها و إما بالإجتهاد و إما بالتقليد و إما بالإحتياط .
لا يخفي أن الجاهل الذي ليس له علما إجماليا بوجود الأحكام يقتضي تحصيل المؤمن من العقاب لا يصح له الرجوع إلی البرائة قبل الفحص و اليأس عن الظفر بالدليل و كما قلنا مرارا أن تحصيل المؤمن بالأخذ بأحد الطرق الإربعة من العلم و الإجتهاد و التقليد و الإحتياط .
أما الوجوب النفسي فإنه و إن قال به بعض العلماء كالمقدس الأردبيلي (ره) تمسكا ببعض الآيات و الروايات كقوله تعالی «فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون» و قوله تعالی «فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» و ما ورد في تفسير قوله تعالی «فلله الحجة البالغة» و أن المراد منه أن العبد لما أجاب في السؤال عن «هلا عملت» يقول «ما علمت» يقال له «هلا تعلمت» ولكن الحق أن الوجوب في مثل آية السؤال و الرجوع إلی أهل الذكر علی فرض إطلاقه و عدم إختصاصه بالسؤال في الإعتقادات كما إدعی بعض بأنه في مقام إرجاع العوام من اليهود و النصاري إلی أهل الذكر من علمائهم؛ فأنها ستكون مثل آية النفر في بيان أن الغاية من التعليم هو التحذير عن مخالفة الله تعالی و لذا عبر المحقق الأردبيلي في موضع بأن وجوبه نفسي تهيئي .
و أما ما قاله المحقق الإصفهاني (ره) من وجود مصلحة ملزمه في التعليم كالصلاة و الصوم فإنه لا يوافقه البرهان و الدليل القطعي فيشكل كون الوجوب نفسيا .
هذا مضافا إلی أن العمل بالإحتياط لا يحتاج إلی التعليم إذ الإحتياط ليس إلا مجرد العمل بالمحتملات فيخرج عن دائرة لزوم السؤال و التعليم و التفقة .
و لو سلمنا كلام المحقق الإصفهاني فإنه يختص بالإجتهاد و التقليد .أما الوجوب الغيري و المقدمي فإنه مختص بالمقدمات الوجودية للعمل كنصب السلم للصعود علی السطح فإن العقل يحكم بلزوم تحصيل مثل هذه المقدمات و هكذا تحصيل الطهارة للصلاة و الإحرام للطواف و الغسل قبل طلوع الفجر لصيام شهر رمضان مما يتوقف وجود ذي المقدمة علی الإتيان بها بينما أن الإجتهاد والتقليد و الإحتياط ليس شيئ منها مقدمة وجودية لإمتثال الواجبات و المحرمات إذ يصح تصور ترك فعل الحرام من دون العلم به و هكذا العمل بالواجب من دون العلم به إذ بعض من يرتكب الزنا لا يعلم بحرمته و هكذا من يرد السلام لا يعلم أحيانا بوجوب الرد و من يفي بعهده لا بعلم وجوب الوفاء به .
نعم قد يحتاج العمل ببعض الواجبات و التكاليف صحيحا بالعلم به و لكنه قليل موردا .
هذا مضافا إلیأن العمل بالإحتياط لا يحتاج إلی العلم به إذ قد يتوقف الإحتياط علیالتكرار كمن صلی إلی أربع جهات ليدرك الصلاة إلی القبلة و من يأت بالتسبيحات ثلاث مرات في ركعتي الثالثة و الرابعة من دون أن يإتي بصلاة أخری بتسبيح واحد .
و الحق بطلان القول بوجوب المقدمات إذ التلازم بين المقدمة و ذيها إنما هو في حكم العقل بالإمتثال .
أما الوجوب الطريقي و العمل بالعمل بالطريق لإدراك الواقع ليدرك أثر الحجية و هو التنجيز في صورة المطابقة مع الواقع و التعذير في صورة المخالفة؛ فإنه أيضا غير متصور في الإحتياط إذ العمل المحتاط به لا يوجب تنجيز العمل و لا تعذيره إذ الصلاة بإربع جهات عند الشك في جهة القبلة لايتحقق معه إلا تحصيل الواقع .
و سيقع الكلام فی وجود الطریقی فی الإجتهاد و التقليد أن شاء الله تعالي
و الحمد لله