درس خارج اصول استاد اشرفی

91/02/13

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: دراسة‌ الإحتمالات

لا ريب في أن ما ورد في الأخبار من أهل البيت عليهم السلام حجة‌ إلهية‌ علينا و يكون مصادر الإستنباط للأحكام الشرعية إلا أنه وردت مخصصات و مقيدات كثيرة للعمومات و الإطلاقات القرآنية و النبوية في ألسنة الأئمة المتأخرين عليهم السلام فهل يمكن أن تنسخ تلك المتأخرات ما قدمها أو تكون لها مخصصات و مقيدات ؟

فإحتمل المحقق النائيني ثلاث إحتمالات

الأول: أن يكون المتأخر ناسخا للحكم المتقدم فصارت الدليل المتأخر حجة .

الثاني: أن تكون المقيدات و المخصصات المتأخرات متصلات سابقا بالعمومات والإطلاقات النبوية كما إدعی النائيني إحتمال صحة هذا القول مدعيا أن الغالب بيان هذه المقيدات أو المخصصات للإطلاقات و العمومات في روايات العامة؛ ثم صارت مختفية لتقطيع الروايات أو تسامح الناقلين أو التقية و ما أشبه ذلك من الأعذار و إن رد الشيخ هذ الإحتمال بكثرة إهتمام الرواة‌ و أصحاب الحديث بحفظ الحديث بألفاظها و معانيها .

الثالث: أن تكون الأحكام المتقدمة‌ وظائف عملية‌ كالأحكام الظاهرية فتبينت الأحكام الواقعية بالأدلة المتأخرة؛ مثلا قال الشارع سابقا كل شيء لك حلال أو قال كل شيء طاهر تسهيلا للعباد ثم بين الحكم الواقعي في ظرفه و لم يكن هذا الأمر غير متعارف

دراسة الإحتمالات

أما الإحتمال الأول: إنه يمكن نسخ الدليل المتقدم بالدليل المتأخر إلا أنه قلما إتفق في شريعة الإسلام نسخ الأحكام مضافا إلی قوة إحتمال التخصيص لكثرة وقوعه بحيث قالوا ما من عام إلا و قد خص عليه؛ فيقدم الحمل علی التخصيص .

و يورد عليه بأن غلبة التخصيص لا توجب القرينية و الجمع إنما يكون عرفيا إذا عرض علی أهل المحاورة فاتخذ أحدهما قرينة علی صرف الآخر عن ظاهره و لذا غير الآخوند أسلوب الإستدلال به و قال بأن كثرة التخصيص توجب أقوائية‌ ظهور الخاص في التخصيص من ظهور العام في العمومية و إصالة العموم .

هذا ولكنه مبتن علی قبول أقوائية‌ الخاص حجة حتی في المخصصات المتقدمة المنفصلة عن عمومات المتأخرة .

أما إحتمال تقدم النسخ مستندا بمضي زمن العمل بالخاص و كونها معمولا به برهة من الزمن و كون العام ناسخا بعد وقت الحاجة؛ يقوي بالنظر إلی أن هذا الإحتمال يوجب عدم رفع اليد عن إصالة‌ العموم إذ مقتضی مخصصية‌ الخاص رفع اليد عن إصالة‌ الظهور الناشية من دلالة العام علی العموم بالوضع و لايمكن التصرف في أصالة‌ العموم بإستصحاب الحكم الخاص إذ أصالة العموم دليل إجتهادي متقدم علی الأصل و هو الاستصحاب .

و بعبارة أخری: إن القول بتقدم الخاص من باب التخصيص يستلزم القول بإستمرار الحكم الخاص حتی بعد صدور العام بينما أن بقاء الحكم الخاص إلی‌ زمن ورود العام مستند إلی الإستصحاب مثلا إذا ورد من إمير المؤمنين عليه السلام «الفقاع حرام» و من الباقر عليه السلام «الماء المتخذ من غير العنب حلال» يكون بقاء حكم الخاص منوطا بإستمراره إلی ‌زمن صدور العام بالإستصحاب و بما أن الاستصحاب أصل يقدم عليه أصالة العموم المستند إلی الدلالة الوضعية فيقدم إحتمال النسخ علی‌ التخصيص .

ولكن المحقق النائيني أورد عليه بأن بقاء الحكم الخاص غير مستند إلی الاستصحاب أو الإطلاق و مقدمات الحكمة‌؛ بل الأحكام إستمرارها مستند إلی روايات متظافرة وردت في الشريعة تدل علی أن حلال محمد صلی الله عليه و آله حلال إلی يوم القيامة و حرامه حرام إلی يوم القيامة و يكون معنی ذلك تخصيص العام المتقدم بالخاص المتأخر .

ثم ذكر النائيني و قرب إحتمال التخصيص للخاص المتقدم و قال بأن التخصيص لم‌ينشأ من مقدمات الحكمة و لكن العموم ناش منها إذ أدواة العموم كلفظ «كل» و «أيما» و إن تدل علی العموم إلا أن المدار في العموم علی مدخول الأداة فعندما قال المولی «أكرم كل عالم» يدل لفظ «كل» علی عمومية مدخوله فإن كان المراد منه مطلق العالم فاسقا كان أم عادلا يشملهم و إلا يشمل بقدر دلالة المدخول المتوقفة‌ علی‌ جريان مقدمات الحكمة‌ فيه فإذا كان المولی في مقام البيان و لم‌يقيد كلامه بشيء نكشف من هذا الإطلاق في مقام الإثبات إطلاقه في مقام الثبوت ونقول يدل «كل» علی عمومية‌ مدخوله؛ فإذا قال أميرالمؤمنين عليه السلام «الفقاع حرام» و قال الباقر عليه السلام «كل ماء إتخذ من الشعير أو من العنب فهو حلال» لا يدل «كل» علی حليت كل ماء متخذ من العنب و الشعير بما لها من الألوان و التغير و عدمه و الإسكار و عدمه مثلا فلابد من ملاحظة مقدمات الحكمة في مدخول «كل» و من المعلوم أن الخاص المتقدم صالح لمنع العام المتأخر عن العموم لكونه بيانا فلايكون العام المتأخر ناسخا بل يخصص بالخاص .

و الظاهر أن المحقق النائيني أخذ هذا التقريب مما أفاده الآخوند في مبحث العموم و الخصوص .

ولكن المحقق النائيني رفض هذا الذي قال به الآخوند في مبحث العام و الخاص و قالوا بأن ألفاظ العموم بنفسها تدل شمول الحكم لجميع ألافراد بلا حاجة إلی جريان مقدمات الحكمة .

ثم إن سيدنا الأستاذ جاء ببيان آخر لتقدم التخصيص علی النسخ فقال التحقيق أن يقال إن بعض الأمور يعد من المسلمات أو بمنزلة المسلمات و لكن العلماء حاولوا أن يستدلوا له بأمور و ما نحن فيه من هذا القبيل و لايمكن أن يقال إن ما جاء في لسان الأئمة‌ ينسخ عمومات و كلمات رسول الأكرم صلی‌الله عليه و آله و سلم و إن كان مخالفا لها و لبعد هذا الإحتمال لم‌يفت أحد من الفقهاء به و بما أن الأئمة عليهم السلام مبينون لتلك العمومات و الأحكام و يكون حديث أحدهم حديث آبائهم الطاهرين عليهم السلام علی ما قال الباقر عليه السلام من «أن حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث رسول الله» و ما قال الرضا عليه السلام «حدثني أبي قال حدثني أبي جعفر بن محمد قال حدثني أبي محمد بن علی الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين قال حدثني أبي حسين بن علی قال حدثني أبي علي بن أبي طالب قال حدثنی رسول الله» و يكون مصدر علومهم عيبة ‌الرسول لأنهم عيبة علم الله تعالی و علم رسوله فهم بينوا ما جاء به النبي فلايكون ما بينوه أحكام جديدة‌ تنسخ المتقدمات من العمومات و الإطلاقات و النزول التدريجي للأحكام لاينافي تماميتها حين وفاة النبي الأكرم فيكون مجموع الروايات الواصلة‌ بأيدينا من الرسول و الأئمة عليهم السلام كمجموعة‌ واحدة إلا أن بعض المخصصات و المقيدات يكون متصلة‌ و بعضها يكون منفصلة‌ و يكون مراد‌ أهل البيت عليهم السلام الجدي ما يحصل من مجموع تلك الأدلة .

و الحمد لله