درس خارج اصول استاد اشرفی

91/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: في نفي الثالث بالمتعارضين

ذكرنا أن مقتضی التعارض بين الدليلين هو التساقط عند جماعة و عدم الإعتناء بالمدلولين المطابقييين مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في ترجيح أحدهما علی الآخر .

ثم إنه يقع الكلام في أن المتعارضين هل يثبت بهما نفي الإحتمال الثالث و هو الإباحة مثلا عند تعارض دليل وجوب غسل الجمعة و دليل إستحبابه أم لا ؟

نقول إنه لاإشكال في نفي الإحتمال الثالث إذا علمنا بموافقة أحد الدليلين للواقع لعلمنا حينئذ بنفيه و إنما الكلام فيما إحتملنا عدم مطابقة شيء منهما للواقع فهل يمكننا القول بإثبات الحجية علی نفي الإحتمال الثالث ؟

فنقول قال صاحب الكفاية بإثباته فيما إذا لم نعلم بموافقة ‌أحدهما للواقع أيضا و هكذا المحقق النائيني و هو المستفاد من كلام الشيخ في الرسائل و إستدل الأول علی ذلك بأن المفروض أن كل منهما محتمل الصدق و الكذب و مقتضی التعارض كذب أحدهما قطعا بلاتعيين فلايعتنی بمدلوله المطابقي للعلم بكذبه و كذا بالنسبة إلی ‌المدلول الإلتزامي له و حيث أن الدليل الآخر لم نعلم بكذبه فلا محذور في شمول دليل الحجية له في شيء من مدلوليه المطابقي و الإلتزامي لكن حيث أن الخبر المحتمل للصدق المشمول لدليل الحجية غير معلوم بعنوانه بل قابل للإنطباق علی كل منهما فلا يمكن الأخذ به و أما بالنسبة إلی نفي الحكم الثالث لا معارض في البين و لا مانع من حجية ذلك عليه و إن كان مشتبها عندنا بحسب الخارج و بالجملة بالنسبة إلی نفي الإحتمال الثالث و هو نفي الإباحة لايوجد معارض فيكون ما كان حجة واقعا في مدلوله المطابقي حجة في مدلوله الإلتزامي بلا معارض فيثبت به نفي الإحتمال الثالث .

و إستشكل عليه سيدنا الأستاذ الخوئي بأن حجية‌ أحدهما و هو محتمل الصدق و الكذب و شموله تحت «صدق العادل» و إن كان بنفسه صحيح إلا أن الجهل به تعيينا و عدم المصداق للفرد الغير المعين يوجب عدم حجيته رأسا و أن دليل حجية قول العادل لايشمل الفرد الوهمي الذي لامصداق له في الخارج بل يشمل الأفرد الخارجية فقط لكونها مصاديق للقضايا الحقيقية فلا يكون المدلول الإلتزامي أيضا حجة فلا يثبت به نفي القول الثالث فليس ما أخبر بوجوب الغسل حجة في مدلوليه و لا ما أخبر بندبه حجة فيهما و لامصداق للفرد الغير المعين لأنه أمر إنتزاعي بلا مصداق خارجي .

أقول: قد تقدم الإشكال في كلام الأستاذ(قدس سره).

و قرب المحقق النائيني دلالة المتعارضين علی نفي الثالث بأن دليل الحجية في نفسه شامل لكل ما أخبر به العادل من مدلوله المطابقي و الإلتزامي لدلالته عليهما و بما أن المدلول المطابقي تساقط بالتعارض فيهما لايكون حجة إلا أن المدلول الإلتزامي بقي بلامعارض و لامحذور لشمول دليل الحجية له و هو نفي الثالث .

و بعبارة أخری: لاشك في تلازم مدلول المطابقي و الإلتزامي ثبوتا و إثباتا يعني أن دليل وجوب غسل الجمعة ينفي الإباحة عنه في عالم الواقع و الدلالة إلا أنه لا تلازم بينهما في مقام الحجية فيمكن أن يكون المدلول الإلتزامي حجة‌ فيما إذا سقط المدلول المطابقي عن الحجية .

و بهذا ظهر الفرق بين تقريب الآخوند و المحقق النائيني حيث أن الآخوند قال بحجية أحدهما بحسب الواقع و به ينفي الإحتمال الثالث و المحقق قال بحكاية المتعارضين عن المدلولين الإلتزاميين مع عدم المانع من شمول دليل الحجية له .

ولكن الأستاذ أورد علي شيخه نقضا وحلا بما سيأتي و ملخصه وجود التلازم بين المدلولين المطابقي و الإلتزامي في مقام الحجية كما هو ثابت بينهما في عالم الثبوت و الإثبات إذ لو لم يكن كذلك يلزم منه فقه جديد لكثرة‌ موارد النقض فنذكر بعضها علی ما حكی عنه المصباح .

منها: ما لو كانت دار تحت يد زيد وادعاها عمرو وبكر، فقامت بينة على كونها لعمرو، و بينة أخرى على كونها لبكر، فبعد تساقطهما في مدلولهما المطابقي للمعارضة، هل يمكن الاخذ بهما في مدلولهما الالتزامي ، و الحكم بعدم كون الدار لزيد، و أنها مجهول المالك ؟

و منها: ما لو أخبر شاهد واحد بكون الدار في المثال المذكور لعمرو، و أخبر شاهد آخر بكونها لبكر، فلا حجية لاحد منهما في مدلوله المطابقي - مع قطع النظر عن المعارضة - لتوقف حجية الشاهد الواحد على انضمام اليمين؛ فهل يمكن الاخذ بمدلولهما الالتزامي و الحكم بعدم كون الدار لزيد، لكونهما موافقين فيه، فلا حاجة إلى انضمام اليمين ؟

و منها: ما لو أخبرت بينة على كون الدار لعمرو و إعترف عمرو بعدم كونها له، فتسقط البينة عن الحجية، لكون الاقرار مقدما عليها، كما أنها مقدمة على اليد، فبعد سقوط البينة عن الحجية في المدلول المطابقي للاعتراف، هل يمكن الاخذ بمدلولها الالتزامي، و هو عدم كون الدار لزيد مع كونها تحت يده؟

و منها: ما لو قامت بينة على وقوع قطرة من البول على ثوب مثلا، و علمنا بكذب البينة و عدم وقوع البول على الثوب، ولكن احتملنا نجاسة الثوب بشئ آخر، كوقوع الدم عليه مثلا، فهل يمكن الحكم بنجاسة الثوب لأجل البينة المذكورة ؟ باعتبار أن الاخبار عن وقوع البول على الثوب إخبار عن نجاسته، لكونها لازمة لوقوع البول عليه و بعد سقوط البينة عن الحجية في الملزوم للعلم بالخلاف، لا مانع من الرجوع إليها بالنسبة إلى اللازم إلى غير ذلك من الموارد التي لا يلتزم بأخذ اللازم فيها فقيه أو متفقه .

و لكن بعض النقض غير وارد عندنا .

و الحمد لله