موضوع: الفرق بين التزاحم و التعارض

بعد الفراغ من بيان معنی‌ التعارض و أقسامه يصل الدور إلی‌ بيان معنی التزاحم و الفرق بينه و بين التعارض فنقول إن التعارض هو تكاذب كل من الدليلين، مدلول الدليل الآخر الإلتزامي في مقام الجعل و الإنشاء و عالم الثبوت و هو محال بحسب الواقع خلافا للتزاحم الذي هو عبارة عن عدم إمكان الجمع بين الدليلين في مقام الإمتثال و إن أمكن الجمع في مقام الجعل و التشريع مثل ما إذا قال المولی في دليل «أنقذ الغريق» و في دليل آخر «لاتغصب» و إستلزم إمتثال إنقاذ غريق؛ التصرف في ملك الغير بلا إذنه .

و من المعلوم أن لكل من التعارض و التزاحم أصول تمتازه عن الآخر و مرجحات خاصة به.

الكلام في التزاحمالتزاحم في الملاكات

قد يراد من التزاحم ما قد يقع في الملاكات و قد يراد منه ما يقع في مقام الإمتثال و التزاحم في الملاكات هو عبارةعن تزاحم الملاكات المتعارضة في شيء واحد بحيث يوجب التنافي و التضاد بينهما كوجود الإثم و المنفعة في الخمر و الميسر «يسئلونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما» ؛ و هكذا في السواك «لو لا أن أشق علی‌ أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» الذي فيه ملاك الإيجاب و ملاك التسهيل و رفع الوجوب و بما أننا العدلية نعتقد بإنبعاث الأحكام من المصالح و المفاسد الموجودة‌ في متعلقات الأحكام أو في نفس إنشاء التكليف أحيانا كالأوامر الإمتحانية و نعتقد بالحسن و القبح العقليين و نعتقد بأن الله تبارک و تعالی لا یأمر بشیء و لا یحرمه من دون حکمة و ملاك بل و لا يبيح شيئا من دون الملاك خلافا لمن زعم عدم وجود ملاك فيه و خلافا للأشاعرة المنكرة للحسن و القبح العقليين؛ يقع الكلام في مزاحمة الملاكين أحيانا و لكنه خارج عن محل كلامنا إذ الكسر و الإنكسار بين الملاكات و المقايسة بينها إنما هو في مرحلة قبل الحكم و الإنشاء فعلی‌ الشارع دراسة الملاكات و جعل الحكم طبقا لأقوی الملاكات و فيه قيل بتشريع المراحل الثلاثة لإنشاء الحرمة للخمر و الميسر ففي المرحلة الإولی‌ نزلت «لاتقربوا الصلاة و أنتم سكاری» و في المرحلة الثانية «يسئلونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما» و في المرحلة الثالثة «إنما الخمر و الميسر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه» فجعل في المرحلة الأخيرة الحرمة لهما و بعد مقام الكسر و الإنكسار يجعل حكما واحدا .

أما المطلوب في البحث عن التزاحم إنما هو التزاحم في مقام الإمتثال كالتزاحم بين الصلاة و إزالة النجاسة عن المسجد و التزاحم بين إنقاذ هذا الغريق و ذاك مع العجز عن إنقاذهما .

فالحاصل أن الفرق بين التزاحم و التعارض

أولا بأن الموضوع في التعارض إنما هو تكليف واحد ورد فيه الروايتين المختلفتين بينما يكون الموضوع في التزاحم موضوعين مختلفين و تكليفين

و ثانيا التكاذب إنما يقع بين المتعارضين دون المتزاحمين

و ثالثا أن الحكم في المعارض المطروح ينتفي عن نفس الموضوع الأول مثلا يكون العصير العنبي أما حراما و أما حلالا و في التزاحم ينتفي عن الموضوع بإنتفاء موضوعه

و رابعا أن التعارض ينشأ من تكاذب الدليلين في مقام الجعل و الإنشاء و التزاحم ينشأ من عجز المكلف عن الإتيان بالتكليفين

فالفرق بين التزاحم و التعارض إنما هو بدرجة من الوضوح بحيث لا قدر جامع بينهما أبدا فلا يتردد الأمر بينهما لكي يقع الكلام في حكم التردد بينهما كما زعم بعض الأعاظم .

أما المحقق النائيني قال: أن الفرق بين باب التعارض و باب التزاحم هو أن التعارض إنما يكون باعتبار تنافي مدلولي الدليلين في مقام الجعل والتشريع و التزاحم إنما يكون باعتبار تنافي الحكمين في مقام الامتثال، إما لعدم القدرة على الجمع بينهما في الامتثال، كما هو الغالب في باب التزاحم و إما لقيام الدليل من الخارج على عدم وجوب الجمع بينهما، كما في بعض فروع زكاة المواشي، كما لو كان المكلف مالكا لخمس وعشرين من الإبل في ستة أشهر ثم ملك واحدا آخر من الإبل وصارت ستة وعشرين، فمقتضى أدلة الزكاة هو وجوب خمس شياه عند إنقضاء حول الخمس و العشرين و وجوب بنت مخاض عند إنقضاء حول الستة و العشرين، ولكن قام الدليل على أن المال لا يزكى في المقام الواحد مرتين، فيقع التزاحم حينئذ بين الحكمين، لأنه لابد من سقوط ستة أشهر إما من حول الخمس و العشرين و إما من حول الستة و العشرين، فإنه لولا السقوط و بقاء كل حول منهما على حاله يلزم تزكية المال في ظرف ستة أشهر مرتين، كما لا يخفى .

و فيه ما لا يخفی علی المتأمل من كون المورد من موارد التعارض بالعرض لوجود العلم الإجمالي بعدم وجود الأكثر من تكليف واحد في المقام.