درس خارج اصول استاد اشرفی

90/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: وجه تقدم دليل الخاص علی دليل العام

ظهر مما ذکرنا وجه تقدم الدلیل الحاکم علی المحكوم و هو أن الدليل المحكوم إنما هو بصدد ثبوت المحمول للموضوع لا بصدد بيان وجود الموضوع و عدمه مثلا يقول المحكوم « حرم الربا» أی‌ يثبت الحرمة للربا علی فرض وجوده و هكذا «أحل الله البيع» يثبت الحلية للبيع أي كلما وجد بيع يحمل عليه الحلية و یکون ممضاة شرعا و لكنهما ليسا بصدد بيان ما يحقق فيه الموضوع ثم إنه إذا ورد دليل و قال «لا ربا بين الوالد و الولد» ينفي موضوع الربا فيما إذا وقعت الزيادة‌ بين الوالد و الولد أو قال «المعاطاة بيع» يثبت موضوع البيع للمعاطاة و من المعلوم أن الدليل الثاني يقدم علی الدليل الأول إذ الدليل الحاكم يثبت الموضوع في مثل «المعاطاة بيع» أو ينفي الموضوع في مثل «لا ربا بين الوالد و الولد» و لا منافاة بین الدلیلین أبدا إذ دليل «و حرم الربا» يثبت الحرمة للربا علی‌ تقدير وجود الموضوع فقط ولكن الدليل الحاكم ينفي موضوع الربا و رجوع الدليل الحاكم أيضا إلی‌ نفی الحرمة ولكنه لامنافاة بينه و بين حرمة الربا كما إذا قال المولی «‌أكرم كل عالم» و قال ثانيا «آخر زيد ليس بعالم» و بما أن الدليل المحكوم قضية قانونية‌ ترجع إلی قضية‌ شرطية يكون المقدم فيها وجود الموضوع و التالي ثبوت المحمول فترجع قوله تعالی «و حرم الربا» إلی أن‌ «إذا تحقق الربا فهو حرام» و لا منافاة‌ بين هذه القضية و قضية‌ »‌لا ربا بين الولد و الولد» و معنی ذلك أن الديل الحاكم نفی‌ الحكم بلسان نفي الموضوع أو يثبت الحكم بلسان إثبات الموضوع في مثل «الصلاة بالبيت طواف».

فعليه لا منافاة و لا تعارض بين الحاكم و المحكوم أبدا و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الدليلن معتبرين سندا و مثلين دلالة أو كان الحاكم أضعف سندا أو دلالة إذ الأقوائية إنما تفيد في مقام المعارضة .

يبقی الكلام في التخصيص و وجه تقدم الخاص علی‌ العام مع أنه لا منافاة بينهما فنقول هناك ثلاثة مباني

أما مبنی الشيخ الأنصاري هو أقوائية‌ ظهور الخاص علی العام دائما و سیأتی أنه کما يقدم النص علی الظاهر و الأظهر علی الظاهر لأقوائية الظهور كذلك يقدم الخاص علی العام لكون الظهور فيه أقوی .

أما مبنی صاحب الحدائق هو تقديمه من باب المرجحات فلو لم‌يكن فی الخاص مرجح لا يقدم علی‌ العام و قد يظهر من كلمات الآخوند التمايل إلی‌ هذا القول .

أما الأستاذ الخوئی فأنه يقول أن وجه التقدم هو حكومة الخاص علی العام .

توضيح ذلك إن أركان الحجية علی ثلاث بحيث لوإكتمل هذه الأركان لتمت الحجية الإلهية

أما الركن الأول هو الصدور و الثاني الظهور و الثالث الإرادة الجدية فلو إجتمع هذه الثلاثة لكان الدليل حجة عند الله

أما الصدور فلأن الدليل لابد أن يكون إما مقطوع الصدور من الشارع كما هو الحال في الآية القرآنية‌ أو الخبر المتواتر أو قامت حجة شرعية علی‌ إلغاء إحتمال الخلاف فيه كما هو الحال في الخبر الواحد الظني و إلا لايمكن الإحتجاج به .

أما الظهور فلأن الكلام لو كان مجملا أو قامت قرينة علی خلاف الظاهر لايمكن أيضا الإحتجاج به و يسمی هذا النوع من الظهور بالإستعمالي و أصالة‌ الحقيقة .

أما الإرادة الجدية فلأن المتكلم لو لم‌يكن جادا في خبره و كان هازلا مثلا أو ساخرا أو قال ما قاله تقية‌ و خوفا لم‌يكن كلامه حجة قطعا .

ثم إن الصدور يثبت بالأدلة القطعية القائمة علی حجية الخبر الواحد و یثبت الظهور و الإرادة ‌الجدية ببناء العقلاء و ذلك فيما لم‌يكن لهم القطع و اليقين بل كانوا علی شك من الظهور و الإرادة و لو قامت قرينة علي خلاف الظهور و الإرادة‌ الجدية ينصرف العقلاء بها عنهما كما إذا قامت القرينة علی أن المراد من الأسد هو رجل شجاع لا الحيوان المفترس في قوله «رأيت أسدا يرمي» فإن الرمي قرينة علی أن المراد من الأسد هو‌ خلاف معناه الحقيقي و هكذا لو قامت قرينة علی صدور الروية تقية كما يعلم ذلك من بعض ما صدر عن الإمام الصادق و الكاظم و غيرهما من الأئمة عليهم السلام مثل ما ورد في قضية وضوء علي بن يقطين و ما ورد في السؤال من داوود الرقي .

فعليه لو ورد عام «لاتعط أبيك شيئا من الزكات» الذي يدل بقرينة النكرة في سياق النفي علي عدم جواز إعطاء شيئ من الزكات إلی الأب ‌نأخذ بالظهور الإستعمالي والإرادة‌ الجدية فيه و حينئذ لو قامت قرينة منفصلة علی‌ جواز التوسعة‌علی الأب من الزكات فهذه القرينة توجب رفع اليد عن ظهور العام في العام في جهة ‌الصدور .

و لذا قال الأستاذ الخوئي إنه لا منافاة بين الخاص و العام إذ الأخذ بالظهور في العام و الإرادة الإستعمالية و الجدية المستفاد من بناء العقلاء فيه إنما هو في فرض الشك فلو قام الخاص الذي هو قرينة علی عدم إرادة الظاهر من العام لا يؤخذ بظهوره لعدم إستقرار بناء العقلاء فيه و يفهم منه عدم الإرادة ‌الجدية من عموم العام .

فعليه إن سر تقدم الخاص علی‌ العام هو حكومة دليل الخاص علی‌ دليل العام فلا منافاة بينهما .

و الحمد لله