موضوع: في تعريف الحكومة

إن من الموارد الخارجة عن بحث تعارض المدلولین و تنافيهما؛ البحث عن التخصيص و التخصص و الحكومة و الورود و قد مر تفصيل البحث في التخصص و الورود و بما أن الحکومة فسرت بعدة التعابير المختلفة في كلمات الأعاظم فلا بأس بذكرها مختصرا و قد ذكر في المصباح جملة‌ هذه التعاريف.

أما تعريف الشيخ عن الحكومة فإنه عبارة عن كون الحاكم شارحا و مفسرا للمحكوم بحيث لولا المحكوم لكان الحاكم لغوا ولكن الآخوند لما رأی أن هذا التعبير غير شامل لموارد الحكومة عرفه بأن الدليل الحاكم هو ناظر بالدلالة اللفظية علی المحكوم .

أما المحقق النائيني فإنه وسع التعريف بأنه ليست النظارة فقط من باب الدلالة اللفظية بل و لو كان كل منهما مستقل بنفسه من حيث المفهوم و المراد .

و السر في إختلاف التعابير هو أن أدلة الأمارات حاكمة علی‌ أدلة الأصول مع أنه ليس بينهما نظارة‌ لفظية فعليه إن تعريف المحقق أوسع و أدق من تعابير العلمين السابقين و نتيجة البحث عن الحكومة هو عدم التنافي و التعارض بين الحاكم و المحكوم من حيث المفهوم العرفي .

توضيح ذلك إن الحكومة علی قسمين

القسم الأول ما أشار إليه الآخوند بأنها عبارة عن نظارة‌ الدليل الحاكم إلی المحكوم بحيث كان الحاكم قرينة علی‌ المراد من المحكوم فكما يقدم ظهور القرينة علی ذي القرينة في مثال «رأيت أسدا يرمي» و يكون الرمي قرينة‌ علی‌ أن المراد من الأسد هو رجل شجاع لا الحيوان المفترس و لايری العقلاء منافاة بينهما بين ظهور القرينة ‌و ظهور ذي القرينة كذلك يقدم ظهور الحاكم علی المحكوم و لا تعارض بينهما و لا فرق في ذلك بين ما إذا كانت القرينة و ذو القرينة في دليل واحد أو كانت القرينة منفصلة عن ذي القرينة .

و هذا القسم من الحكومة أيضاعلی قسمين إذ قد يكون الدليل الحاكم ناظرا إلی عقد الوضع في الدليل المحكوم و قد يكون ناظرا إلی عقد الحمل في دليل المحكوم .

و النظارة إلی‌ عقد الوضع قد تكون بنحو التضييق و قد تكون بنحو التوسعة مثلا إن قوله عليه السلام «لا ربا بين الوالد و الولد» يضيق دائرة الربا الذي هو الموضوع في قوله تعالی‌ «و حرم الربا» إذ يخرج من تحت الربا؛ ما وقع منه بين الوالد و الولد و المسلم و الكافر و هكذا بالنسبة إلی‌ قوله عليه السلام «لا شك لكثير الشك» الذي يضيق دائرة‌ الشك الذي هو موضوع البناء علی ‌الأكثر في قوله عليه السلام «إذا شككت فابن علی الأكثر» فيخرج شك كثير الشك من دائرة أنواع الشك فيكون دائرته أضيق مما كان .

و قد تكون النظارة بنحو التوسعة مثلا قوله عليه السلام «الطواف بالبيت صلاة» يوسع موضوع دليل المحكوم «لا صلاة إلا بطهور» و يحكم بأن الصلاة المشروطة بالطهارة تشمل الطواف أو قال المولی يحرم الخمر و قال في دليل آخر «الفقاع خمر إستصغره الناس» فأن هذا الدليل الثاني وسع موضوع حرمت شرب الخمر و معنی ذلك أن الخمر الحرام تشمل الفقاع .

أما النظارة ‌إلی ‌عقد الحمل مثل نظارة دليل نفي العسر و الحرج و نفي الضرر بالنسبة إلی أدلة وجوب الصوم و الصيام و الوضوء و الغسل فيكون معنی نفي الضرر و الحرج أن وجوب تلك الواجبات يرفع بالأدلة الحاكمة و هذا معنی ما قال الصادق عليه السلام في الجواب عن سؤال عبد الأعلی حيث سأل «أصبت فانقطع ظفري فجعلت عليه مرارا» فقال عليه السلام في الجواب عنه «يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله عزوجل ما جعل عليكم في الدين من حرج؛ إمسح علی‌ الجريرة» و هكذا بالنسبة إلی‌ الشيخ والشيخة يرفع الصيام لوجود المشقة و الحرج لهما و لذا قال الأعاظم منهم الشيخ و الآخوند بأن أدلة نفي الضرر و الحرج حاكمة علی الأدلة الأولية التي تثبت الوجوب و الحرمة مع أن النسبة بين تلك الأدلة الحاكمة و المحكومة هي عموم و خصوص من وجه و التعارض بينهما إنما يقع في مادة الإجتماع ولكن لم‌يقل أحد بأن التعارض يقع بين الغسل الحرجي و الضرري أو الصيام الحرجي و أدلة نفي الضرر و الحرج بل الجميع يقدمون تلك الأدلة الثانوية علی الأدلة الأولية .

أما القسم الثاني من الحكومة ما لا يكون بينهما النظارة‌ بحيث لو كانا متصلين أيضا لا‌يكونان بمنزلة القرينة و ذيها بل كل منهما متكفل لبيان محمول مستقلا ولكن الحاكم فكأنه يرفع موضوع الدليل المحكوم تعبدا مثلا إن المولی يقول «كل شيء لك حلال إلی أن تعرف الحرام منه بعينه» و معنی ذلك جعل قانون يحكم بحلية‌ مشكوك الحرمة و الحلية و هكذا‌ قاعدة‌ الطهارة‌ بالنسبة ‌إلی مشكوك الطهارة‌ و النجاسة‌ ثم يجعل قانونا آخر «لا يجوز التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا» فهنا لو أخبر العادل مثلا بحرمة العصير العنبي و لم‌نتيقن بمدلول خبره و نشك فيه لايمكننا طرح خبره بل يجب علينا إلغاء إحتمال الشك و الخلاف و العمل بمقتضی خبره .

و منه عدم جريان إستصحاب بقاء الحيض و حرمة ‌الوطي بعد إنقطاع الدم و قبل الغسل لو أخبر العادل بحرمة‌ الوطي إذ الشارع ألغی إحتمال الخطأ في قول العادل و حكم برفع موضوع دليل الإستصحاب تعبدا .

و بذلك ظهرت حكومة‌ الأمارات علی‌ الأصول.