موضوع: خروج الورود و الحكومة و التخصيص و التخصص عن دائرة التعارض

قلنا إن التعارض هو عبارة عن تكاذب كل من الدليلين مدلول الدليل الآخر بحسب عالم الجعل و الثبوت سواء كان التنافي بنحو العام و الخاص من وجه أو التباين و سواء كان التباين بنحو التناقض أو التضاد.

و لابد من کون الدلیلين المتعارضین بأنفسهما واجدين لشرائط الحجية ككون الرواة فيهما عادلين و كان صدورهما عن غير تقية فلو كان أحدهما خارجا عن إطار الحجية لايقع بينه و بين الحجة معارضة .

و قد ذكرنا أن البحث عن الحكومة و الورود و التخصيص و التخصص خارج عن مبحث التعارض .

أما التخصيص فلأنه عبارة عما إذا أثبت دليل حكما لموضوع و نفی دليل آخر الحكم عن موضوع آخر مثلا يقول أحد الدليلن «أكرم كل عالم» و دليل آخر «لاتكرم الجاهل» فكما يظهر منهما لاتنافي بين الدليلن أصلا لخروج الدليل الثاني عن تحت موضوع الدليل الأول تكوينا فلاتناقض و لا تضاد بينهما فلايتعارضان .

أما الورود فلأنه عبارة عن الخروج الموضوعي أيضا إلا أنه محتاج إلی التعبد في الحجية كالأمارة بالنسبة‌ إلی ‌الأصول العقلية الثلاثة و هي البرائة العقلية المستندة إلی‌ قبح العقاب بلا بيان و الإشتغال أو الإحتياط العقلي المستند إلی لزوم دفع الضرر المحتمل و تحصيل المؤمن من العقاب و التخييرالمستند إلی عدم المرجح عند مواجهة الدليل الآمر و الدلیل الناهي فلو قامت أمارة ظنية علی شيء فبضميمة التعبد «صدق العادل» تثبت الموضوع؛ فلاتجري فيه الأصول العقلية لإرتفاع موضوعاتها و هي عدم البيان و الضرر المحتمل و عدم المرجح .

تبصرة

إن في التعبد شيئان؛ أصل التعبد و ثبوت المتعبد به مثلا لو أخبر عادل بحرمة العصير العنبي نتعبد أولا بحجية خبر العادل بالوجدان لثبوت حجية خبر العادل بالتواتر و القطع بثبوته و ثانيا نتعبد بحرمة العصير العنبي و لولا التعبد بقول العادل لرفضنا القول بحرمته و إثبات حجية الأدلة الظنية لايمكن إلا بالقطع أو الوجدان و إلا يلزم التسلسل أو الدور فعليه يثبت أصل الحجية بالوجدان و مؤدی الحجة بالتعبد فالورود بحاجة إلی التعبد ثم بالقطع و الوجدان يصير خبر العادل حجة و بيانا و مع البيان يرتفع ما يكون موضوعه عدم البيان و ما يكون موضوعه عدم المؤمن من العقاب و ما يكون موضوعه التساوي و عدم الرجحان .

و بالجملة إن الفرق بين التخصص و الورود هو بالتعبد الملحوظ في الورود دون التخصص و بعد لحاظ التعبد يكون خروجه عن موضوع الدليل الأول بالوجدان كالتخصص و عليه لا تعارض بين الوارد و المورود .

تذكرة

إن التخيير العقلي هو منبعث من اللابدية من الفعل أو الترك عندما دار الأمر بين الوجوب و الحرمة‌ و لم‌يوجد مرجح في المقام فحينئذ يحكم العقل بالتخيير ولكن الأستاذ الخوئي كان قائلا بأن التخيير العقلي أيضا يرجع إلی البرائة إذ الإلزام بالفعل أو الترك فاقد للبيان فيكون داخلا في موضوع البرائة العقلية فيمكن إجراء البرائة و قبح العقاب من البيان من الإلزام بالفعل أو الترك و بما أنه لا مانع من إجراء الأصل لو لم‌تستلزم مخالفة عملية فتجري البرائة في طرفي التخيير العقلي فحينئذ لو قام دليل علی وجوب فعل؛ يرتفع موضوع البرائة من الوجوب و يقدم الأمارة علی التخيير العقلي و الأصول العملية بالورود و خارجا عن مبحث التعارض .

أما الحكومة فلأنها عبارة عن كون الدليل شارحا للدليل الآخر و الشرح و التفسير علی‌ أقسام فتارة‌ يكون التفسير إسميا علی ما قاله الشيخ في الرسائل كما فسر الإمام عليه السلام الأيام بذوات أهل البيت عليهم السلام في قوله عليه السلام «لاتعادوا الأيام فتعاديكم» حيث قال «نحن الأيام لا تعادينا» .

و أخری يكون بنحو النظارة‌ و يكون الحاكم ناظرا إلی‌ المحكوم كما ينظر قوله عليه السلام «لاربا بين الوالد و الولد» إلی قوله تعالی «حرم الربا» بحيث لو‌لم‌يكن الدليل المحكوم يكون الدليل الحاكم لغوا .

و النظارة علی قسمين إذ قد ينظر الحالكم إلی‌ عقد الوضع في المحكوم و قد ينظر إلی عقد الحمل فيه و الأول كالمثال المذكور و كقوله عليه السلام «لا شك لكثير الشكك»عقد الحمل بالنسبة إلی‌ قوله عليه السلام «إذا شككت فابن علی‌ الأكثر» و الثاني كقوله تعالی‌ »ما جعل عليكم في الدين من حرج» بالنسبة إلی‌ جميع ما وضع في الإسلام من حكم الوضوء و الغسل و الصلاة و غيرها فكلما لزم من العمل بتلك الأحكام حرجا ينفاه الشارع فيكون دليل نفي الحرج ناظرا إلی‌ أحكام الموضوعات و هكذا دليل نفي الضرر يكون ناظرا إلی‌ عقد الحمل في موضوعات الأحكام .

و بالجملة تفسير الحكومة بأنه لو لم‌يكن الدليل المحكوم لكان الدليل الحاكم لغوا لايصح دائما إذ قد يكون الحاكم و لا يكون المحكوم لغوا و يكون شأن الحاكم النظارة إلی المحكوم كحجية دليل الأمارة بالنسبة‌ إلی الأصول الشرعية الذي يكون الموضوع فيها الشك «إذا شككت في الطهارة و النجاسة‌ فهو طاهر»؛ «كل شيء نظيف حتی تعلم أنه قذر»؛ «كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال» فموضوع هذه الأصول شك يرتفع بدليل الحجية وجدانا بحكم ثبوت المتعبد به.