درس خارج اصول استاد اشرفی

90/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: التعادل و الترجیح

إن من أهم مباحث علم الأصول و مسائله، البحث عن التعادل و الترجيح لكونه من مباني إستنباط الأحكام الإلهية و بما أن التعارض كثيرا ما وقعت بين الأخبار- التي هي العمدة‌ في المستندات - فلابد لنا من تعيين الحجة و ما هو دخيل في إستنباط الحكم من المتعارضين عن اللادليل و اللاحجة؛ و لايتحقق هذا المهم إلا بهذا البحث و كان المناسب أن يجعل هذا البحث في تتمة البحث عن حجية خبر الواحد لا خاتمة‌ مباحث هذا العلم كما قال المحقق النائيني و من تبعه؛ إذ ظاهر ما يُطرح في الخاتمة خروجه عن دائرة مسائله و كونه إستطراديا كالبحث عن الإجتهاد و التقليد أو قاعدة التجاوز و الفراغ و إصالة الصحة .

ما معنی التعادل ؟

قال المحقق النائيني: و الأولى تبديل العنوان بالتعارض، فإن التعادل و الترجيح من الأوصاف و الحالات اللاحقة للدليلين المتعارضين، فكان الأنسب جعل العنوان للمقسم و الجامع بينهما .

و علی أي تقدير إذا كان النسبة بين الرواياتين التناقض أو التضاد و كانتا حجة بأنفسهما فهل يمكن ترجيح أحدهما علی الآخر و أخذها حجة‌ أو يكون مقتضی التعارض تساقط الدليلين و الرجوع إلی دليل آخر ؟

مقتضی عنوان الترجيح، ترجيح أحد الدليلين علی الآخر و مع فقد المرجح يكون الدليلان متعادلين أي كل منهما عدل للآخر .

ما معنی‌ التعارض ؟

التعارض هو التنافي بين مدلول الدليلين بحيث لايمكن جعلهما و إنشائهما معا كما إذا أثبت أحد الدليلين الوجوب لعمل و الآخر نفی الوجوب عنه و يكون أحدهما مثلا دالا علی وجوب غسل الجمعة و الآخر دل علی عدم وجوبه أو كانا ضدين بأن يثبت أحدهما الوجوب و الآخر الإستحباب و من المعلوم أن الموضوع الواحد لايحمل عليه إلا حكما واحدا .

و ظهر بما ذكرناه أن عدم التنافي بين الدليلين من حیث المدلول في مقام الجعل و التشريع لايوجب التعارض و إن لم‌يمكن إمتثالهما معا و ذلك مثل وجوب صلاة الظهر و العصر مع ضيق الوقت و وجوب إزالة النجاسة عن المسجد فإن عجز المكلف عن الإتيان بهما غير ناش عن مقام الجعل و التشريع .

ثم إن التضاد بين الدليلين يرجع إلی التناقض عند الأستاذ إذ مقتضی مدلول الإلتزامي لكل دليل نفي مدلول آخر عن نفس الموضوع؛ فمدلول دليل وجوب صلاة الجمعة هو وجوب هذه الصلاة بالمطابقة و نفي الندب عنه بالإلتزام، فيكون معارضا لما يدل علی‌ ندبها و كذلك العكس و لذا عرف الأستاذ التعارض بتنافي الدليلين من حیث المدلول في مقام الإنشاء و الثبوت علی‌ وجه التناقض و لا يهمنا ذلك بعد عدم ترتب ثمرة‌ عملیة عليه في الفقه .

و ظهر أيضا إعتبار وحدة الموضوع في التناقض فلا تنافي بين الدليلين من حيث المدلول الواردين في موضوعين مختلفين كما إذا قال أحد الدليلين: إن غسل الجمعة واجب و الآخر قال: الدعاء عند رؤية الهلال مستحب و به حل الشيخ التعارض و التنافي بين الأحكام الظاهرية و الواقعية‌ حيث أن موضوع الحكم الواقعي هو عمل المكلف لو خلي و طبعه و موضوع الحكم الظاهري هو العمل المجهول حكمه فموضوع حرمة العصير العنبي هو ذات العنب بنفسه و موضوع إصالة الحلية العصير العنبي المجهول حكمه .

توضيح ذلك

إن الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري عويصة‌ في مسائل علم الأصول لصعوبة الجمع بين حرمة العصير العنبي عند الله و الحكم بحليته بمقتضی الحكم الظاهري و إصالة الحلية مع أن الشيعة قائل بالتخطئة لا الإصابة و إستشكلوا علی وجه الجمع المذكور بإستحالة الإهمال في مقام الجعل فيكون الحكم مطلقا فيشمل فرض الجهل أيضا فيقع التعارض بين الحكم الواقعي و الظاهري في فرض الجهل.

ثم إن التنافي بين الدليلين قد يكون بالذات كالتنافي بين الدليل الدال علی وجوب غسل الجمعة و الدليل الدال علی ندبه و قد يكون التنافي بالعرض لعدم التنافي في نفس المدلولين و إنما يقع التنافي من جهة العلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين كالعلم الإجمالی بعدم وجوب صلاة الجمعة و الظهر يوم الجمعة معا في عصر الغيبة فيعلم منه كذب أحد الدليلين الذي يدل أحدهما علی وجوب الظهر و الآخر علی وجوب الجمعة .

و لايخفی أن التنافي إنما يقع بين الحجتين فلو تخلی أحد الدليلين عن أصول الحجية لايصدق التعارض بينهما و يكون البحث عنه خارجا عن المتعارضين و داخلا في بحث إشتباه الحجة بلا حجة .

و بعبارة أخری: أن التعارض يتصور فيما كان الدليلان واجدين لشرائط الحجية كالقرائتين من آية «يسئلونك عن المحيض قل هو أذی فأعتزلوا النساء في المحيض حتی يطهرن» أو «يتطهرن» و الغاية في أحدهما إنقطاع الدم و في الآخر الغسل فيقع التنافي بين زمان إنقطاع الدم إلی الغسل أو كان الدليلين متواترين أو متعادلين من حيث السند و الدلالة بخلاف ما إذا كان الإختلاف من حيث السند كما إذا كان السند في أحدهما صحيحا و في الآخر ضعيفا أو صدر أحدهما تقية .

و منه يظهر خروج مباحث التخصيص و التخصص و الحكومة و الورود عن مباحث التعارض .

و الحمد لله