درس خارج اصول استاد اشرفی

90/12/17

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: في تحقيق كلام الأستاذ الخميني(قدس سره) في قاعدة القرعة

إنه قد مرت آراء الأستاذ الخميني(ره) في قاعدة القرعة و بما أن تحقيق كلامه يقتضي التأمل في الروايات الواردة‌ في مختلف أبواب الفقه في هذه القاعدة نذكر بعضها لتوضيح كلامه .

منها: عن العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن أبي ليلي و بن شبرمة دخلا المسجد الحرام فأتيا محمد بن علي عليه السلام فقال لهما: بم تقضيان؟ فقالا: بكتاب الله و السنة؛‌ قال: فما لم‌تجداه في الكتاب و السنة؟ قالا نجتهد رأينا؛ قال رأيكما أنتما! فما تقولان في إمرأة و جاريتها كانتا ترضعان صبيين في بيت فسقط عليهما فماتتا و سلم الصبيان؟ قالا: القافة؛ قال: القافة يتحجم منه لهما؛ قالا: فأخبرنا؛ قال: لا؛ قال إبن رُوّاد مولی له: جعلت فداك قد بلغني أن أميرالمؤمنين عليه السلام قال ما من قوم فوضوا أمرهم إلی الله عزوجل فألقوا السهام إلا خرج سهم الأصوب فسكت .

و لايخفي أن سكوت الإمام هنا تقرير منه يدل علی جواز القرعة في المسألة .

و منها: ما عن الصادق عليه السلام: ما تنازع قوم فوضوا أمرهم إلی الله عزوجل إلا خرج سهم المحق أي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا الأمر إلی الله تعالی أليس الله تعالی يقول «فساهم فكان من المدحضين» .

هذا الحديث ورد في قضية ‌يونس عليه السلام و المراد من المدحض من لم‌يكن له برهان فيخضع للحق.

و منها: صحيحة منصور بن حازم سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه السلام عن مسألة فقال تخرج في القرعة ثم قال فأي قضية‌ أعدل .

و منها: عن عبد الله بن أبي عبد الله قال أبو عبد الله عليه السلام: كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان يقتسمان بشهود عِدّتُهم سواء و عدالتهم سواء أُقرَع بينهما علی‌ أيهما تصير اليمين .

و منها: عن الصادق عليه السلام في رجل كانت له إمرءة فجاء رجل بشهود أن هذه مرءة‌ فلان و جاء آخران فشهدا أنهما إمرءة‌ فلان فعتدل الشهود و عدلوا فقال: يقرع بينهما فمن خرج سهمه فهو المحق و هو أولی بها .

و هكذا في قضية‌ رجل مات في سفره مع قوم فادعی‌ إبنه مالا له و أنكره أصحابه .

فكما تری أن هذه الروايات تدل علی الرجوع إلی القرعة و قد وردت فيما إذا كان واقعا خارجيا معلوما عند الله و مجهولا عند الحاكم سواء كان هناك شهود أم لا و لذا ذهب الأستاذ الخوئي إلی القول بأن موردها ما إذا كان المورد مجهولا عند الناس و معلوما عند الله مستندا ذلك بمقتضی الفحص في الروايات و إستشهد في ذلك برواية محمد بن حكيم الذي قال الإمام بأن تفويض الأمر إلی الله يوجب إخراج سهم المحق و لكن الأستاذ الخميني قال بأن هذه قاعدة‌ عقلائية‌ و بناء منهم قد كان جاريا بينهم في مدی الأعصار و لاتختص بما إذا كان في المقام واقعا خارجيا بل تعم ما إذا لم يكن واقعا في الخارج مثل مقام تقسيم أموال المورث .

و الحق ما ذهب إليه الأستاذ الخميني فتعم القرعة ما إذا لم يكن لسهم المحق واقعا خارجا كما إذا لم‌يكن للمحق حالة سابقة بالنسبة‌ إلی ما خرج بالقرعة و كم له من نظير في روايات الباب .

و إستفاد الأستاذ الخميني من الروايات أيضا أن مورد التمسك بالقرعة ما إذا ترافع المشكل إلی‌ حاكم أو قاض كأميرالمؤمنين أو الإمام الباقر و الصادق عليهم الصلاة و السلام فلايجوز للمكلف أن يتوسل بها عند مواجهة‌ المشكل كما إذا أشكل عليه تعيين جهة القبلة؛ فيكون مورد القرعة ما إذا ترافع المتنازعان المشكل إلی ‌الوالي و الحاكم .

و إستفاد أيضا من مجموع الروايات أن القرعة إنما تجري فيما إذا لم يكن سبيل لحل المشكل من الأدلة أو الأصول في المقام و بما أن الاستصحاب جعلت سبيلا لرفع المشكل فيما إذا كان للموضوع حالة سابقة فلاتصل معه النوبة إلی القرعة فيقدم عليها دائما كمن طلق إحدی زوجاته و لم‌يعلم المتعينة .

و بالجملة قدم العلماء الاستصحاب علی القرعة إلا أن الوجه في التقديم هو الحكومة لدی سيدنا الأستاذ الخميني و الورود لدی الأستاذ الخوئي(قدس الله أسرارهما) إذ المشكل عبارة عما لم‌يوجد لحله دليل و لا أصل لتعيين الوظيفة،‌ بينما الاستصحاب موجود هنا فيرتفع موضوع دليل القرعة فيكون واردا عليها .

ثم إن القرعة تجري في الشبهات الموضوعية فقط دون الحكمية فلايتعين بها حكم المجهولات الحكمية كتعيين وظيفة المسافر عند أربع فراسخ أو وظيفة المصلي ظهر الجمعة عند التردد في وظيفته بين الإتيان صلاة الظهر أو الجمعة و علله الأستاذ الخوئي بأن الأصل العملي يرفع الشبهة الحكمية إذ ما من مورد إلا و تجري فيه إحدی الأصول العملية من البرائة و التخيير و الاستصحاب و الإحتياط و لذا إتفق العلماء علی إختصاص القرعة بالشبهات الموضوعية؛ كما إذا قال الرجل إحدی زوجاتي طالق أو قال ثلث عبيدي أحرار .

و قال الأستاذ الخوئي: أن القرعة يؤخذ فيها بالقدر المتيقن لكونها خلافا للقواعد لترتب آثار كثيرة عليها فلو شك في إعتبار قيد خاص فيها كالشك في إعتبار إجرائها بيد الحاكم و الوالي لزم الإقتصار في الأخذ بها علي ما كان هما المُجري لها .

فاتضح ببيان الأستاذ الخميني أن ما إشتهر في كلام الفقهاء من أن العمل بعموم دليل القرعة يوجب التخصيص الأكثر المستهجن فغير صحيح إذ دائرة‌ القرعة صارت محدودة بما لم يكن للمشكل أمارة و لا‌ حكم ظاهري و هو مقام القضاء و الحكم بين المرافعات و التخاصمات و القدر المتيقن منه ما إذا كان الفاصل للدعوی هو الإمام أو الحاكم فلم يخرج من دائرتها شيئا لكی يصدق التخصيص الأكثر المستهجن عليها .

و بذلك تم كلامنا في الأصول العملية (البرائة‌ و الإشتغال و التخيير و الاستصحاب) و تم الكلام في تعارض الاستصحاب مع قاعدة اليد و قاعدة التجاوز و الفراغ و أصالة الصحة و قاعدة ‌القرعة و تم الكلام في شرائط الأصول و يقع الكلام بحول الله و قوته في التعادل و الترجيح . و الحمد لله