موضوع: أصالة الصحة في عمل الغير

قلنا بأن المراد من أصالة الصحة ليس مجرد ما یعبر عنه بالحسن الفاعلي و حمل عمل المسلم علی الصحة و الإمتناع عن حمل فعله علی القبيح بل المراد حمل آثار الصحة الواقعية علی عمله مثلا لو نكح إمرأة و شك في صحة‌ هذا العقد و تمامية شرائطه يجب حمل عقده علی الصحة و ترتيب آثار الزوجية‌ بينه و زوجته و هكذا بالنسبة إلی الطلاق في حمله علی‌ الصحة و ترتيب آثار الطلاق و الحكم بخلية المرءة من الزوجة و قابليتها للتزويج برجل آخر و هكذا في المعاملات من ترتيب آثار الملكية من النقل و الإنتقال في جانب الطرفين.

و عمدة الدليل علی هذا الأصل هي قيام السيرة القطعية المتشرعة بل العقلاء المتصل بعصر المعصومين عليهم السلام .

فيمكن إدعاء القطع بنحو الموجبة‌ الجزئية‌ علی‌ جريان الأصل في الجملة .

و قد أستدل علیه بالتعليل الوارد في حديث غياث بن إبراهيم الوارد في قاعدة اليد الذي حكم الإمام عليه السلام بجواز إشتراء المال من ذي اليد و الشهادة بملكيته‌ لما في يده «و لولم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق» إذ جل ما يقع عليه المعاملة في السوق مبني علی ‌هذا الأصل و العلة تعمم وتخصص فلو رفضناه و تمسكنا بإستصحاب عدم حدوث الملكية لم يبق للمسلمين سوق و لأختل سوقهم .

و لكنه يجيب عنه بأن التعلیل المزبور علی فرض تماميته لأختص بالمعاملات بالمعنی ‌الأخص لا الأعم منها كالطهارات و النجاسات و غيرها فيكون الدليل أخص من المدعی فلا يمكن الإستدلال به .

ثم إنه بعد الفراغ من صحة الأصل و جريانه في العقود و الإيقاعات هل يتسع الأصل الإشكالات الواردة‌ في القابل و الفاعل و ما يفرض في الجنس المعامل عليه أم لا ؟

توضیح ذلک إن الشک فی المعاملات یتصور علی ثلاثة‌ أنحاء

النحو الأول: الشك في شرائط صحة العقد كالشك في عربيته و ماضويته و التوالي بين الإيجاب و القبول و تقديم الإيجاب علی‌ القبول .

النحو الثاني: الشك في شرائط المتعاقدين كالشك في تميز المتعاقدين و صغر سنهما و كبره و عقلهما و قصدهما.

النحو الثالث: الشك في شرائط العوضين كالشك في معلومية المال و مجهوليته و قابليته للملكية و كون المبيع غرريا .

فوقع الكلام في جريان الأصل في النحوين الأخيرين فذهب المحقق الكركي و جمع إلی عدم جريانه فيهما و قال بعض بأن الشك إن رجع إلی‌ ما كان معتبرا لدی العرف دون الشرع لا تجري فيه الأصل و إن لم يكن معتبرا لدی العرف أيضا تجری أصالة‌ الصحة مثلا لو شككنا في وقوع البيع من المميز أو من غير المميز فبما أن العرف لايترتب علی‌ معاملة غير المميز أثرا و يری للتميز أثرا في صحة المعاملة ‌تجري أصالة الصحة فيه و لكن الرشد بما أنه يعتبر إحرازه لدی الشرع «فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم» و لايعتبره العرف و يكتفي بأحراز التمييز فيه فهنا لايحرز أصالة الصحة في نظر العرف صحته لدی ‌الشرع أيضا .

و ذهب الشيخ الأنصاري و من تبعه إلی جريان الأصل في جميع أنحاء الشك و لكن المحقق النائيني و من تبعه كسيدنا الأستاذ يقولون بما إن الدليل علی الأصل هو السيرة و هو دليل لبي لا إطلاق له فلا بد من الإقتصار علی جريانه في النحو الأول .

و الإنصاف أن حمل عمل من لم‌يكن بصدد رعاية شرائط الصحة أمر مشكل خاصة في سوق المسلمين في زماننا هذا .

هذا من جانب و من جانب آخر أن الحكم بعدم كون المعاملة غرريا و لا ربويا و كون المتعاملين رشيدا مما يوجب الدقة‌ الكثيرة في المعاملات أيضا يوجب الإختلال في السوق .

قال الأستاذ الخوئي لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية‌ و في ما نحن فيه و إن ورد بعض العمومات كقوله تعالی «أحل الله البيع» و «أوفوا بالعقود» المويدة بالسيرة القطعية لجواز الحمل علی الصحة و لكنه بما أنا نعلم بأن من العقود ما تكون باطلة كالعقود الغررية و الربوية و العقد مع غير المميز و شككنا في رعاية تلك الشرائط في العقد فيكون هنا التمسك بتلك العمومات للحكم بصحة تلك العقود المشكوكة من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية و لذا ذهب جمع إلی أن جريان أصالة‌ الصحة عند الشك في شرائط القابل و الفاعل أمر مشكل .

ثم إن هناك جهة أخری في البحث عن أصالة الصحة و هي أن صحة كل شيء بحسبه مثلا إن صحة عقد النكاح هو بترتب آثار الزوجية علی العقد و هكذا في الإيقاعات و لكن إذا شككنا في صحة إيجاب العقد فلا تجري تلك الأصل إلا في جانب الإيجاب و ذلك لايثبت صحة مجموع العقد و العناية بتلك الجهة تقتضي أن لايمكننا الحكم بإتصال القبول بالإيجاب أو وجود التوالي بين الإيجاب و القبول عند الشك فيهما لجريان الأصل في جانب الإيجاب عند الشك في عربية ذاك العقد فلا يمكن الحكم بصحة القبول و النتيجة تظهر فيما باع الراهن عین المرهونة و نعلم بأن المرتهن عدل عن إذن البيع و لكن لا نعلم بأن العدول هل كان قبل البيع لكي يبطل البيع أم بعده لتصح البيع فهنا هل يقدر أصالة الصحة في الإيجاب أن يثبت وقوع العدول بعد الإيجاب لكي تصح العقد أم لا؟

فيرجع الأمر إلی أن الشك لو كان في بطلان العقد لأجل المانع فهل يمكن إثبات صحة العقد إن صح الإيجاب ؟

لا، كما أشكل فيه الأستاذ تبعا للمحقق و إن حكم بعض بالصحة .

ثم إن الجهة الأخري من البحث هي أن الحمل علَی الصحة علی أنحاء

فتارة يكون الحامل عالما بشرائط الصحة و الفساد و يعلم بأن العامل أيضا يعلمها فهذا هو القدر المتيقن من الحمل علی الصحة

و أخری نعلم بأن المتعاقدين العاملين لايعرفان مثلا شرائط العقد المنقطع و ما يوجب صحته و فساده فهنا محل الكلام و الإشكال إذ يعتبر في الحمل علی الصحة ما يعتبر في جريان قاعدتي التجاوز و الفراغ من لزوم معرفة الشرائط نعم لو كان الحامل جاهلا بحال العامل و أن العامل هل يعلم الشرائط أم لا فهنا تجري أصالة الصحة.