درس خارج اصول استاد اشرفی

90/09/22

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: في حكومة الامارات علي الاصول الشرعية

قلنا انه ذهب المحقق النائيني تبعا للشيخ الي ان النسبة بين الامارات و الاصول الشرعية هی الحکومة بينما ان الآخوند قال بانها ورود .

و ذكرنا ايضا ان ادلة الامارات واردة علي الاصول العقلية حيث انها ترفع موضوع تلك الادلة بالبيان التعبدي اما بالنسبة الي ادلة الاستصحاب فهي حاكمة عليها حيث ان موضوع الاستصحاب هو الشك المسبوق باليقين و خبر العادل بعدم وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة مثلا؛ لا يرفع الشك الوجداني فی بقائه فلايصح الورود القائل به الآخوند في المقام .

غاية الامر ان معني حجية خبر العادل هو ثبوت مودی خبره فالشك و ان كان موجودا بعد قيام الامارة ايضا الا ان التعبد بخبر العادل بعدم وجوب صلاة الجمعة يمنع من جريان الاستصحاب.

ففی الحقیقة تصرف الشارع بدليل الحاكم في عقد وضع دليل المحكوم او عقد حمله فلا منافاة بين الامارات و الاستصحاب و لا حاجة الي الجمع العرفي و التوفيق بينهما .

بيان ذلك

نسب الي المحقق القمي ان النسبة‌ هي الجمع العرفي اذ هناك دليلان حجتان عند الشك و هما «صدق العادل» و «لاتنقض اليقين بالشك» و من المعلوم انه لو كان الموضوع او الحكم متيقنا لم تكن حاجة الي قول العادل فتكون حجية قوله مختصة بحال الشك و الشك ايضا مأخوذ في دليل الاستصحاب فلو قامت الامارة علي خلاف الاصل او الاستصحاب ينافي احدهما مع الآخر علی القاعدة و لكنه قد يقدم الامارة علي الاستصحاب و قد يكون الامر بالعكس في مقام الجمع العرفي و يكون دليل حجية الامارة مخصصا لدليل «لاتنقض اليقين بالشك» .

و لكن ظهر مما بيناه في معني الحكومة سابقا انه لامنافاة بينهما و لذا لا تصل النوبة الي التخصيص القائل به المحقق القمي .

لا يقال: بان التنافي بين الدليلين انما يعالج بالورود كما قال به الخراساني .

فانه يقال: ان التنافي يرتفع بالحكومة ايضا اذ يكون مقتضي الاستصحاب مثلا عند الشك في بقاء وجوب صلاة الجمعة؛ الحكم بوجوبها. اما اذا كان معني حجية الامارة و قوله «صدق العادل» ثبوت مؤدی خبره شرعا و أخبر العادل بعدم وجوب صلاة الجمعة في عصرنا هذا؛ يثبت به عدم الوجوب و لاموجب للشك في بقاء وجوبها شرعا. بينما ان الاستصحاب انما يجري فيما اذا شك في بقاء المتيقن السابق و هنا يقول الدليل الحاكم ان مؤدي قول العادل ثابت شرعا فلامعني للشك فيه.

فالقول بالحكومة ايضا يرتفع التنافي كما لا تنافي بين القرينة و ذي القرينة لان القرينة تُقدَّم ظهورا علي ذيها و كذلك الدليل الحاكم في ازالة ظهور الدليل المحكوم شرعا و تعبدا .

تذكار

ان القضايا الحقيقية تكون علي نهج القضايا الشرطية فقوله «الخمر حرام» يرجع الي «كلما ثبت في الخارج خمر فشربه حرام» الذي يكون مقدم تلك القضية وجود الموضوع و تاليها ثبوت المحمول .

ثم انه اذا ورد دليل علي ان «هذا المايع ليس بخمر» و كان حجة شرعا، يكون معناه ثبوت مؤداه فلاينافي دليل حرمة الخمر؛ حيث ان الدليل الدال علي حرمة الخمر يقول ان الخمر حرام حيثما وجد في الخارج و الدليل الحاكم يقول هذا المايع ليس بخمر؛ اذ شأن القضايا الحقيقية و القانونية ليس اثبات الموضوع بل تكون بصدد اثبات المحمول لما يفرض وجوده، فلو كان الموضوع منتفيا لا تنافي مع القضية الحقيقية .

فعليه ان معني قوله عليه السلام «لاتنقض اليقين بالشك» هو ان الشك في بقاء وجوب صلاة الجمعة مثلا لايوجب رفع اليد عن يقينه السابق بوجوبها. اما اذا ارتفع الشرع الشك بمقتضی خبر العادل بوجوبه او عدمه؛ يرتفع موضوع الاستصحاب فيخرج الاستصحاب من الدور فلسان «لاتنقض اليقين بالشك» يقول: اذا شككت لاتنقض اليقين و الامارة تقول: الغ الشك اذا سمعت من العادل خبرا .

و قد ظهر من هذا البيان ايضا انه لافرق في خروج الاستصحاب عن الدور في المقام بين ما اذا قامت الامارة موافقا لمؤدي الاستصحاب او مخالفا له؛ لانها ترفع موضوعه تعبدا و كما تعلم لامجال لجريان الاستصحاب فيما لاشك فيه حكما او موضوعا، فعليه لو قامت امارة علي وجوب صلاة الجمعة او عدمه لاتصل النوبة الي استصحاب بقاء وجوبها السابق .

ثم ان المحقق النائيني قد يعلل تقدم الامارات علي الاصول بان الامارة لم‌يؤخذ في موضوع حجيته الشك بينما ان الشك و الجهل مأخوذ في موضوع حجية الاصول كما يظهر ذلك من لسان ادلتها «كل شي حلال الي ان تعلم بالحرمة» الدال علي اصالة الحلية و «رفع ما لايعلمون» الدال علي البرائة و «لاتنقض اليقين بالشك» الدال علي الاستصحاب مما يكون مفاده حلية الاشياء و طهارتها و رفع الحكم ما لم يعلم بارتفاعها؛ بينما ان ادلة الامارات لم‌تقل بإن لم‌تعلم فقول العادل حجة ولم‌تتوقف حجية قول العادل علي فرض الجهل بالحكم بل امر الشارع بتصديق العادل مطلقا فقال «صدق العادل» و جعل قوله حجة و لو مع الشك في مفاده .

ثم قال المحقق

ان قلت: لا نراجع الي قول العادل فيما اذا علمنا بالواقع بل انما نرجع اليه فيما اذا شككنا او جهلنا بالواقع، فالشك مأخوذ في دليل الامارات ايضا .

قلنا: ان حجية الامارات تكون حين الشك و معني ذلك اننا نراجع الي الامارات حين الشك بينما ان حجية الاصول مشروطة بفرض الشك و الشك مأخوذ في موضوع الاصول و كم فرق بين القضية ‌الحينية و المشروطة‌! فان الحين و الوقت ليس بجزء و لا قيد في الاول دون الثاني فاذا قيل «القمر منخسف وقت التربيع» يكون «القمر» موضوعا و «منخسف» محمولا و «وقت» نسبة بين الموضوع و المحمول؛ اما اذا قيل «كل كاتب متحرك الاصابع ما دام كاتبا» يكون الشرط جزء الموضوع و يكون الكاتب كاتبا بما هو متحرك الاصابع

فعليه ان الامارة نافية للشك تعبدا فلم‌يبق مجال لجريان الاصول المأخوذة في ادلة حجيتها الشك و تُقدَّم عليها. انتهي كلامه(ره)

و اعترض الاستاذ الخوئي علي بيانه هذا بانه لاحاجة الي تبعيد المسافة؛ اذ قد أخذ الشك في موضوع الامارات كقوله تعالي «فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون» الذي جعل قول العالم حجة و أمارة علي الجاهل دون العالم فلايمكن القول بان الشك لم يؤخذ في موضوع اي أمارة.

هذا مضافا الي ان معني حجية خبر العادل ثبوت مؤداه و معه يرتفع الشك الذي كان موضوعا لجريان الاستصحاب و لذا تُقدَّم الامارات علي الاصول دائما .

و الحمد لله