موضوع : في مناسبة الحكم و الموضوع

قلنا إن النسبة بين تشخيص العقل و العرف و الدليل، عموم و خصوص من وجه إذ عندما نلاحظ النسبة بين كل منهما نری موردا للتصادق و موردان للإفتراق و قد ذکرنا عدم صلاحیة العقل لتشخيص الوحدة‌ بين القضية المتيقنة و المشكوكة في الإستصحاب و بقيت دراسة العرف و الدليل و بما أن الإختلاف بينهما قد يكون فاحشا؛ يجب داراسة موارد التصادق و الإفتراق بينما .

أما مورد التصادق بينمها في تشخيص بقاء موضوع الدليل كما إذا ترتب حكم علی قيام زيد «قيام زيد واجب يوم الجمعة» و شككنا عصر الجمعة في وجوب القيام، فبما أنه لا يری العرف و الدليل فرقا بين قيام زيد في الصبح و قيامه عند العصر فيحكمان ببقاء الموضوع عصرا و عدم تبدله في هذه القضية سواء كانت القضية‌ بنحو كان التامة «قيام زيد بنفسه» أو كان الناقصة «إذا كان زيد قائما» مع العلم ببقاء زيد؛ فهنا يجري الاستصحاب لبقاء الموضوع .

أما مورد الإفتراق بینهما؛ مثلا إن الموضوع فيما إذا قال المولی «العنب ملك لمالك الكرم (الكرم هو شجرة‌ العنب)» هو العنب و لايتغير الموضوع عرفا عندما تبدل العنب إلی‌ الزبيب علی الشجر فكما كان العنب ملكا لمالك الكرم هكذا يكون الزبيب ملكا له ولكن الموضوع تغير بنظر الدليل فهنا يتحد الموضوع في القضيتين عرفا و يختلف دليلا و هكذا في جانب العكس مثلا إذا قال دليل لبي أو دليل لفظي مجمل بأن الجسم يتنجس بملاقات النجس و صار الحطب نجسا بهذه الكيفية ثم صار الحطب رمادا بالإحتراق فهنا يری العرف التغيير من الحطب إلی الرماد تبدلا في الموضوع بينما أن الدليل لا يراه تبدلا؛ فيكون الموضوع متحدا بين القضيه المتيقنة و المشكوكة في هذه القضية من حيث الدليل فيجري فيه الاستصحاب إذا كان المدار في التشخيص علی الدليل و يكون الموضوع مختلفا عرفا فلايجري فيه الاستصحاب إذا كان المدار علی العرف .

ربما يقال: إن رجوع الموضوع المتخذ من الدليل إلی العرف لما مر سابقا من أن المدار في تشخيص مفاهيم ألفاظ الدليل علی العرف فعليه أن ما ذكره الدليل هو نفس ما نعرفه من العرف فلا فرق بين الدليل و العرف و لا معنی‌ للدليل من دون المراجعة إلی‌ العرف فيكون رجوع معرفة الموضوع من الدليل و العرف إلی ‌شيء واحد و يكون معنی العنب المتخذ من العرف نفس المعنی المتخذ من الدليل و يختلف معنی الزبيب عن معنی العنب لغة و عرفا و القول بأن الإختلاف بين العرف و الدليل قد يتفق بوقوع التسامح العرفي في الحكم ببقاء الموضوع بينما أن الدليل يحكم بتبدله كما هو الحال في تبديل العنب إلی الزبيب فيری العرف التسامح العرفي أمرا معقولا؛ يرد بأن المدار في تشخيص المصاديق ليس علی العرف إذ العرف إنما يرجع إليه في تشخيص المفاهيم دون المصاديق فلا فرق بين كون الموضوع متخذا من العرف أو الدليل .

و الجواب عنه: إن التسامحات العرفية لا تكون مرجعا في تشخيص الموضوع ولكن نواجه في المقام دليلين

أحدهما يبين حكم الموضوع مثلا يقول «الجسم إذا لاقی نجسا فهو ينجس» أو يقول «العنب ملك لمالك الكرم» أو «الثمرة ملك لمالك الشجرة» ففي هذا الدليل يكون معرفة مفاهيم الألفاظ علی عهدة‌ العرف و الظهورات العرفية و أنه ما هو المراد من الكرم أو العنب و قد يكون الظهور مستندا إلی الوضع و قد يكون مستندا إلی القرائن الداخلية‌ أو الخارجية کالمخصص المنفصل الذی يبين مراد المتكلم الجدي

و ثانيهما أدلة‌ الاستصحاب التي يكون الموضوع فيها إما النقض المحكوم بالحرمة‌ أو المضي المحكوم بالوجوب؛ فهنا لو رأی العرف رفع اليد عن المتيقن السابق في زمن الشك نقضا فيكون حراما و ممنوعا و لو رأی العرف الموضوع باقيا علی ‌حاله يكون المضي واجبا و لعل العرف إستظهر معنی لموضوع في جملة بمناسبة الحكم و الموضوع مخالفا للمعنی اللغوي كما يستظهر أن المراد من «أحدا» في قوله « لاتضرب أحدا» هو الإنسان الحي لا ما يشمل مطلق الإنسان و لو كان ميتا و ما يشمل الحيوان .

فعليه لو عرضنا النقض علی‌ العرف في مثل تبدل الحطب إلی الرماد؛ يقول بأن الدليل و إن حكم بنجاسة الجسم الملاقي للنجس ولكن رفع اليد عن حكم النجاسة عن الرماد لا يكون نقضا لليقين بالشك بل يحكم بتبدل الموضوع فيه خلافا لمثال «العنب ملك لمالك الكرم» إذ العرف لايری تغييرا للحكم بين الزبيب و العنب و إن إختلف معنی العنب عن الزبيب لغة؛ فلو نقض الحكم بمالكية العنب للزبيب يعده العرف نقضا للمتيقن السابق و هذا النوع من التبدل يسمی بمناسبة الحكم و الموضوع .

و هذه النكتة ما أشار إليها الآخوند و المحقق النائيني و سيدنا الأستاذ (قدس الله أسرارهم).