موضوع البحث: المقدمة‌ الرابعة من تنبیه الثانی عشر

قد مضی الکلام فیما اذا ورد عام ثم خصص فی برهة من الزمان بدلیل فبعد تلک البرهة فهل یجب الرجوع الی عموم العام أو یکون المرجع استصحاب حکم المخصص ؟

مثال: إن قوله تعالی «أوفوا بالعقود» عام یشمل جمیع العقود و خرج عن تحته بالمخصص، العقد الغبنی فلا یجب علی المغبون الوفاء بالعقد ولکن نشک فی کون الخیار علی الفور أو علی التراخی فیقع الکلام فی انه إذا لم‌یفسخ العقد فورا - و هو القدر المتیقن من المخصص ـ فهل یجب الرجوع الی عموم «أوفوا بالعقود» فیلزمه الوفاء بالعقد أو یجب استصحاب حکم المخصص فیجوز له الفسخ إستمرارا ؟

و قد وصلنا فی بیان تحقیق الحال الی المقدمة الرابعة و هی أن استمرار الحکم تارة یکون فی مرحلة الجعل و أخری فی مرحلة المجعول .

و بعبارة أخری: إن الحکم تارة أخذ فی متعلقه الدوام والاستمرار کقوله تعالی «أوفوا بالعقود» و قوله تعالی «فأتوا حرثکم أنی شئتم» الذی یکون المجعول هو لزوم الوفاء بالعقد فی جمیع الأزمنة فی الأول و جواز التمتع فی جمیع الأوقات فی الثانی فالاستمرار فی متعلق الوجوب فی الاول و فی متعلق الجواز فی الثانی .

و أخری أخذ الاستمرار فی اصل الحکم و مرحلة الجعل وان کان متعلق الجعل أمرا موقتا کصلاة ‌الصبح، الموقت کونها بین الطلوعین. أو صیام شهر رمضان الموقت کونها بین طلوع رمضان و طلوع شوال بمقتضی «صم للرؤیة‌ و أفطر للرؤیة» و هذا الحکم مستمر الی حصول الفسخ فیه أذ «حلال محمد حلال الی یوم القیامة و حرامه حرام الی یوم القیامة» .

و الفرق بینهما أن الدلیل المتکفل لبیان الاستمرار فی مقام الجعل لایثبت بنفسه الاستمرار بل الحاجة الی دلیل آخر فأدلة «أقم الصلاة» و «أحل الله البیع» و «و لایغتب بعضکم بعضا» و ... ، لایثبت أکثر من أصل الوجوب و الحلیة و الحرمة، و إستمرار الحکم فیها و دوامه محتاج الی قوله‌(ص) «حلال محمد حلال الی یوم القیامة ...» و نظائره، خلافا لمقام المجعول فإنه غنی عن دلیل آخر لإثبات إلاستمرار فیه .

المقدمة الخامسة: ان العام إن کان مجموعیا ثم ورد علیه مخصص یجب الرجوع بعد ذاک الزمان الی استصحاب حکم المخصص عند الشیخ و إن کان إستغراقیا یجب الرجوع الی عموم العام .

مثال: إذا کان العام مجموعیا کوجوب الوفاء بالعقد بمقتضی «أوفوا بالعقود» و استفدنا الإستمرار فی هذا الحکم من حین العقد الی الأبد فلا یثبت علی العاقد الا واجبا واحد و هو الإلتزام به دائما فاذا خصص هذا العموم و لو بآن، ینقض حکم العام و لایبقی عام بعده حتی یمکن الرجوع الیه و لامحالة یجری استصحاب حکم المخصص .

مثال:‌ اذا انعقد عقد فوجوب الوفاء به یکون بالالتزام به من حینه الی الابد و به یتحقق الامتثال و بنقضه یتحقق العصیان؛ فلیس فیه إلا طاعة واحدة أو عصیان واحد فاذا نقض وجوب الوفاء بظهور الغبن فلایرجع العام لنقض استمرار وجوب الوفاء، فبعد الزمان المتیقن به لجواز الفسخ بالخیار لایبقی حکم عام فالمرجع استصحاب حکم المخصص .

اما اذا کان العام ظاهرا فی الاستغراق کقوله تعالی «فأتوا حرثکم أنی شئتم» الذی یستفاد منه جواز التمتع فی کل آن ثم خرج منه بدلیل المخصص زمان الحیض، یجری فی سائر الافراد حکم العام .

هذا ما أختاره الشیخ (ره) اما الآخوند فقد اورد علیه اشکالین

اولا: بان المخصص یتصور فیه ما یتصور فی العام من کونه مجموعیا أو استغراقیا فلا اطلاق فی کلام الشیخ .

مثال: یجب صیام شهر رمضان علی المکلف و خرج من تحته المسافر بدلیل المخصص بلاریب ولکنه یمکن أن یؤخذ الزمان فی دلیل المخصص ایضا بنحو المجموعی أو الإستغراقی فیحصل منهما اربع صور.

الصورة الاولی: أن یکون الزمان فی العام و الخاص مأخوذا بنحو الاستغراق کما اذا خرج من عموم «فأتوا حرثکم أنی شئتم» مدة شهر لنذر الإعتزال ویتردد الشهر بین الثلاثین یوما و التاسع و العشرین یوما فهنا لایجری استصحاب حکم المخصص: لأن الاعتزال فی کل یوم غیر الاعتزال فی یوم اخر موضوعا فلایمکن استصحاب حکمه لیوم آخر؛ لأنه من قبیل اسراء الحکم من موضوع الی موضوع آخر فیحکم بعموم العام فی المقام .

 و سیأتی مزید التوضیح و البیان ان شاء الله

  و الحمد لله