بحث الفقه الأستاذ مصطفي الأشرفي‌شاهرودي

46/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة- موجبات الوضوء ونواقضه- ناقضية النوم وكل ما أزال العقل.

الرابع: النوم مطلقاً، وإن كان في حال المشي إذا غلب على القلب والسمع والبصر، فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل إلى الحد المذكور.

الخامس: كل ما أزال العقل، مثل الإِغماء والسكر والجنون دون مثل البهت.[1]

تبين بما تلوناه عليك أن النوم بنفسه ناقض للوضوء (الطهارة) لو لكونه من لو لكونه مظنة خروج الحدث من الريح وغيره. فالحكم بناقضيته من باب تقديم الظاهر على الأصل وقد عرفت حال الروايات التي يمكن الاستدلال بها لعدم كونه بنفسه ليس من الأحداث بل لأجل مقارنته مع خروج الريح سيما في حال الاصطجاع او الانفراج ويشهد له أيضاً صحيحة إسحاق بن عبد الله الأشعري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينقض الوضوء إلا حدث، والنوم حدث.[2] ورواية عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء.[3] والظاهر اعتبار الحديث من حيث الرواة.

وقد تقدم الروايات التي توهم دلالتها على عدم ناقضية النوم بنفسه وأنه على تقدير دلالتها فهي معارضة بأكثر منها من الروايات مع كون الثانية موافقة لإطلاق قوله تعالى فاذا واذا قمتم الى الصلاه بتفسيرها بالقيام من النوم مضافاً إلى مخالفتها للعامة.

بقي الكلام في فقه الحديث لرواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام وهو جالس؟ قال: إن كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه، وذلك أنه في حال ضرورة.[4] وذكر الشيخ قدس سره على صورة عدم التمكن من الوضوء. قال: «فالوجه فيه أنه يتيمّم ويصلى فإذا انفض الجمع توضأ وأعاد الصلاة لأنه ربما لم يقدر على الخروج من الرحمة»[5] [الزحمة] ونظيره ما ذكره الشيخ الحر في الوسائل وعن منتقى الجمان بعد استبعاده توجيه الشيخ قدس سره فقال: احتمل ان يكون صادرة لمراعاة التقية بترك الخروج للوضوء في تلك الحال واعترض عليه بأن المورد ليس من موارد التقية بوجه لأن التقية بترك الخروج إنما يتحقق فيما إذا كان سبب الوضوء منحصراً بالنوم عند من يتقي منه لكن الحصر غير صحيح لجواز أن يكون السبب هو الحدث الذي قد لا يدركه غير صاحبه. وربما ترد الرواية بأنها شاذة ولم ينسب العمل بها إلى أحد.

وذكر سيدنا الأستاذ بان الحديث لو صح سندها مما لا مناص منه. (أقول: ما هو الإشكال في السند) وذكر في توجيه الحديث بأن الحكم بعدم وجوب الوضوء من جهة التقية كما احتمله في المنتقى وذلك لأن الرجل يوم الجمعة لشدة ازدحام الناس وقيام الصفوف كان خروج أحد بخرق الصفوف من دون التصريح فلا شبهة في كونه على خلاف التقية المأمور بها لكون عمله إعراضاً عن جماعة المسلمين المستتبع للحكم بفسقه على الأقل وإن خرج بعذره، ارتكب خلاف التقية، لأن النوم اليسير أو النوم جالساً ليس من النواقض عند القوم وعليه لا طريق له لإعلام وجه خروجه عن المسجد (ومن هنا ذكر في الحديث: وأنه في حال ضرورة) وعليه تكون صلاته صحيحة في مذهبهم لكونه على الطهارة في مذهبهم وإن لم يكن كذلك عندنا. ونظير ذلك ما إذا توضأ منكوساً أو غسل رجله تقية أو غسل يده منكوساً لأجل التقية فإنه متطهر عندهم. ومن هنا يحكم بصحة صلاته لأدلة التقية التي هي دينهم ودين آبائهم عليهم السلام. وبا الجملة إذا نام الرجل في الجمعه وهو جالس لم يحكم عليه بوجوب الوضوء إذا اقتضت التقية ذلك بل لا بد من الحكم بصحة صلاته لأجل الضرورة وعليه فالرواية على طبق القاعدة.

قال الماتن: الخامس: كل ما أزال العقل، مثل الإِغماء والسكر والجنون دون مثل البهت.

وقد نقل الإجماع غير واحد من القدماء و المتأخرين على ناقضية ما زال العقل للوضوء بحيث ذكر المحقق الهمداني: إنه قلّما يوجد في الأحكام الشرعية مورد يمكن استكشاف قول الإمام أو وجود دليل معتبر من اتفاق الأصحاب مثل المقام. نعم ذهب صاحب الحدائق والوسائل0 إلى التوقف، لأنهما لا يرى للإجماع حجية. وبالجملة هذا مما تسالم عليه الأصحاب بحيث ذكر سيدنا الأستاذ وغيره الاطمينان باستكشاف قول الإمام عليه‌السلام

ومع ذلك قد يستدل على ذلك بوجوه

منها: صحيحة زرارة المتقدمة في قوله «حتى يذهب العقل»[6] وما تقدم من صحيحة عن محمد بن عبد الله بن المغيرة، عن الرضا عليه السلام قال: إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء.[7]

وأورد السيد الاستاذ الخوئي على هذا التمسك بأن الحديثين وردا في تجديد النوم الناقض للوضوء فذكر فيهما أنه إذا استولى النوم على العين والأذن والقلب المعبر عنه بذهاب العقل فهو ناقض للوضوء، لا أن كلما ذهب العقل بأي وجه فهو ناقض للوضوء.

ومن هنا استدل بعضهم لذلك بصحيحة معمر ابن خلاد «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند بالوسائد فربما أغفي وهو قاعد على تلك الحال. قال: يتوضأ، قلت له: إن الوضوء يشتد عليه لحال علته. فقال: إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء»[8]

وتقريب الاستدلال بوجهين؛ أحدهما إن الإغفاء في الصحيحة بمعنى الإغماء بتقريب أن كلمة «ربما» للتكثير والإغماء في مثل هذا المريض كثير.


[1] العروة الوثقى، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج1، ص141.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص180، أبواب، باب، ح، ط الإسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص180، أبواب، باب، ح، ط الإسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص180، أبواب، باب، ح، ط الإسلامية.
[5] الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص81.
[6] وسائل الشیعة، الباب2 من أبواب نواقض الوضوء، ح2، 1/177. وعن المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين: من الذكر والدبر، من الغائط والبول، أو مني أو ريح، والنوم حتى يذهب العقل، وكل النوم يكره إلا أن تكون تسمع الصوت. ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد مثله. ورواه الصدوق بإسناده عن زرارة مثله إلى قوله: (حتى يذهب العقل).
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص180، أبواب، باب، ح، ط الإسلامية. المصدر، الباب، ح9، 1/181.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص183، أبواب، باب، ح، ط الإسلامية.