بحث الفقه الأستاذ مصطفي الأشرفي‌شاهرودي

46/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة- موجبات الوضوء ونواقضه- ناقضية النوم- منطقة النوم.

الرابع : النوم مطلقاً ، وإن كان في حال المشي إذا غلب على القلب والسمع والبصر ، فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل إلى الحد المذكور.[1]

بقي في المقام ذكر روايات التي ربما استدل بها على ما نسب إلى الصدوقين0 من عدم ناقضية الوضوء بالنوم جالساً أو غير الجلوس من الحالات التي لا يخرج الحدث فيها عادةً وقد نسب هذا القول إلى الصدوق ووالده0 كما أنه نسب إلى الحنابلة والمالكية عدم انتقاض الطهارة بالنوم اليسير بلا فرق بين الجلوس والقيام وعن بعضهم أن النوم في حال الجلوس أو غيره من الحالات التي لا يخرج منها الحدث عادةً غير موجب للانتقاض سواء قل إم كثر (ذكر الشیخ الغروي في الهامش: راجع الحلي الجلد الأول الصفحة 224 والفقه على المذاهب الأربعة الجلد الأول الصفحة 80 و 81)[2] وذلك لعدم خروج الحدث حينئذ ولا يعبأ بكلامهم بل الكلام مع الصدوق ووالده0 هما لم يصرحا في كلامهما بعدم نقض الطهارة به بل روى الصدوق عدة روايات في الفقيه وقد التزم في أول كتابه أن لا يورد فيه إلا ما يفتي على طبقه ويراه حجة بينه وبين ربه وتلك الروايات أربعة ذكر السيد الخوئي قصورها دلالةً أو سنداً.

منها: ما أرسله الصدوق بقوله «سئل موسى بن جعفر عليهما السلام عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه وضوء؟ فقال: لا وضوء عليه ما دام قاعداً إن لم ينفرج.»[3] وذكر صاحب الوسائل: أقول: هذا محمول على التقية لما مر، أو على عدم غلبة النوم على السمع لما مضى ويأتي. انتهى. وردها السيد الأستاذ بأنها مرسلة لكنها لا بأس بدلالتها على مدعی الصدوق.

وذكر المحقق الهمداني في مناقشته لدلالة المرسلة على عدم نقض الوضوء بأنه لا يبعد دعوى ظهور قوله «ما لم ينفرج» في کونه كنایة عن عدم ذهاب الشعور، بحيث يميل كل عضو من أعضائه إلى ما تقتضيه طبائعها. انتهی. لكن السيد الاستاذ ادعى عدم قصور دلالة الرواية على المدعی خلافاً للمحقق الهمداني، بينما نرى أن الحق مع المحقق الهمداني.

ومنها: موثقة سماعة بن مهران أنه سأله عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائما أو راكعا، فقال: ليس عليه وضوء.[4]

ولا يخفى عدم ظهور هذه الرواية المضمرة في حصول النوم بل الظاهر منها الخفقة التي لا تلازم النوم.

ومنها: روايه عمران بن حمران أنه سمع عبداً صالحاً عليه السلام يقول: من نام وهو جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه.[5]

ومنها رواية بكر بن أبي بكر الحضرمي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل ينام الرجل وهو جالس؟ فقال: كان أبي يقول: إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، وإذا نام مضطجعاً فعليه الوضوء.[6]

وناقش الأستاذ فيهما بعدم توثيقه عمران وبكر. هذا مضافاً إلى ما تقدم من الأخبار الدالة على عدم نقض الوضوء بالخفقه والخفقتين وأن المدار على نوم القلب والترجيح مع هذه الطائفة لموافقتها لإطلاق الكتاب ومن لغتها للعامة وقوة احتمال صدور هذه الطائفة للتقية كما زعمه صاحب الوسائل.

بقي في المقام روايتان قد يتوهم دلالتهما على عدم ناقضية النوم بنفسه؛

إحداهما: ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة. فقال: إن كان لا يحفظ حدثا منه، إن كان، فعليه الوضوء وإعادة الصلاة، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة.[7] حيث جعل المدار على صدور الحدث من المصلي وأنه مع العلم بالحدث، يعيد الوضوء والصلاة مع كونه صاحب الخفقة ومع اليقين بعدم الحدث لا وضوء ولا إعادة الصلاة. فيعلم منه أن المدار على صدور الحدث لا على النوم.

الجواب: إن الرواية بصدد الفرق بين ما إذا لم يحفظ ولم يعلم بصدور الحدث منه بمعنى غلبة النوم بحقيقته عليه بحيث ذهب درك الأشياء فعليه الإعادة بخلاف ما إذا استقر خروج الحدث أو عدم خروجه فإنه لم ينم حقيقة فلا إعادة عليه.

هذا مضافاً إلى أن محمد بن الفضيل فيه توثيق وتضعيف وإن كان سند الشيخ إليه صحيح.

ثانيتهما: ما روى الصدوق في العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه قال: إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم، دون ساير الأشياء لأن الطرفين هما طريق النجاسة (إلى أن قال): وأما النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى، فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة.[8]

الجواب عنها: مضافاً إلى ضعف طريق الصدوق إلى الفضل أن الرواية بصدد بيان حكمة الانتقاض لا أن الانتقاض يدور مدار خروج الريح وعدمه، ولا دلالة لها على بقاء الطهارة عند العلم بعدم خروج الريح منه. فحال هذه الحكمة حال حكمة تغسيل الميت معللاً بخروج النطفة التي خلق منها من فيه او بمني، مع العلم بوجوب التغسيل وإن علمنا بعدم خروج شيء منهما.

المصادر

    1. العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، المتوفى: ۱۳۳۷ ه.ق. الناشر: مكتب آية اللة العظمى السيد السيستاني، المطبعة : ستاره، عدد الأجزاء: 2.

    2. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، المتوفى: ۱۱۰۴ه.ق. التحقيق: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار احياء التراث، بيروت–لبنان، عدد الأجزاء: 20.

    3. التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، السيد أبوالقاسم، المتوفی: 1413ه.ق. المقرر: الشيخ ميرزا علي الغروي، الشهید: 1419ه.ق. عدد الأجزاء: 9.


[1] العروة الوثقی، 1/142.
[2] التنقيح في شرح العروة الوثقى، للغروي، 4/440.
[3] محمد بن علي بن الحسين، قال: سئل موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه وضوء؟ فقال: لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج. أقول: هذا محمول على التقية لما مر، أو على عدم غلبة النوم على السمع لما مضى ويأتي. وسائل الشيعة، الباب3 من أبواب نواقض الوضوء، ح11، 1/181.
[4] وبإسناده عن سماعة بن مهران، أنه سأله عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائما أو راكعا، فقال: ليس عليه وضوء.أقول: تقدم وجهه ويحتمل الانكار أيضا. المصدر، الباب، ح12، 1/181.
[5] محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العباس، عن أبي شعيب، عن عمران بن حمران أنه سمع عبدا صالحا عليه السلام يقول: من نام وهو جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه. أقول: قد تقدم الوجه في مثله. المصدر، الباب، ح14، 1/182.
[6] وبإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن أبي بكر الحضرمي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل ينام الرجل وهو جالس؟ فقال: كان أبي يقول: إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء. المصدر، الباب، ح15، 1/182.
[7] عن المفيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة؟ فقال: إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان، فعليه الوضوء وإعادة الصلاة، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة. المصدر، الباب، ح6، 1/180.
[8] وفي (العلل وعيون الأخبار) بالسند الآتي عن الفضل، عن الرضا عليه السلام قال: إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم، دون ساير الأشياء لان الطرفين هما طريق النجاسة (إلى أن قال): وأما النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى، فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة. أقول: وأحاديث الحصر كثيرة تقدم بعضها، ويأتي الباقي. المصدر، الباب، ح13، 1/181 و 182.