بحث الفقه الأستاذ مصطفي الأشرفي‌شاهرودي

46/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة/ موجبات الوضوء ونواقضه/ ناقضية البول والغائط للوضوء/ خروجهما من غير موضع الأصلي.

موجبات الوضوء ونواقضه؛ الأول والثاني: البول والغائط من الموضع الأصلي ولو غير معتاد، أو من غيره مع انسداده أو بدونه بشرط الاعتياد أو الخروج على حسب المتعارف، ففي غير الأصلي مع عدم الاعتياد وعدم كون الخروج على حسب المتعارف إشكال، والأحوط النقض مطلقاً خصوصاً إذا كان دون المعدة، ولا فرق فيهما بين القليل والكثير حتى مثل القطرة ومثل تلوث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة، نعم الرطوبات الأخر غير البول والغائط الخارجة من المخرجين ليست ناقضة، وكذا الدود أو نوى التمر ونحوهما إذا لم يكن متلطخاً بالعذرة.[1]

ناقضية البول و الغائط للوضوء

و قد عرفت مما مضى في الأمس حكم الصورتين؛

الأُولى: ما إذا خرج البول والغائط من الأسفلين الذين أنعم الله تعالى بهما على العباد، على ما هو المعتاد.

والثانية: ما إذا خرجا من السبيلين مع فرض خروجهما من غير السبيلين عادةً وأن البول والغائط في هاتين الصورتين محكومان بالناقضية وإن كان الخروج من غير السبيلين معتاداً للشخص.

و أما الصورة الثالثة: وهي ما اذا خرجا من غير السبيلين مع انسداد السبيلين الأصليين.

ذكر سيدنا الحكيم: إنه لا إشكال في النقض ولا خلاف ظاهر وعن المنتهى والمدارك الإجماع وفي طهارة شيخنا الأنصاري الأعظم «حكي عليه الإجماع من غير واحد» وذكر سيدنا الاستاذ الخوئي عدم المناص من الإلتزام بنقض الوضوء بما يخرج من غير السبيلين إذا كان مضاداً لإنسداد المخرج الطبيعي لأن الأخبار الواردة في الخروج من السبيلين الذين أنعم الله بهما على الإنسان كصحيحة زرارة عن أبي جعفر، وأبي عبد الله «ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين: من الذكر والدبر»[2] المصرحة بالذكر و الدبر وكذلك غيرها مما ورد فيه التصريح بالسبيلين غير ناظرة إلى هذه الصورة إثباتاً و نفياً إذ الخطاب فيه متوجه إلى شخص زرارة و هو كان سليم المخرجين مع الفهم بأنه لا خصوصية له فكان الحكم شاملاً لغيره من سليمي المخرجين.

و أما غير المتعارف السليم كمن لم يخلق له مخرج بول او غائط أصلاً فالصحيحة وأشباهها غير متعرضة لحكمه وهذا لا للإنصراف كي يدفع بأنه بدوي لا اعتبار به بل لما عرفت من أن الخطاب في الصحيحة وأمثالها شخصي، فإذن نرجع فيه إلى إطلاق قوله عز وجل أَوْ جَاء أَحَدٌ منكُم مِّنَ الْغَائِطِ[3] الذي هو خطاب للعموم وعليه فإذا ذهب إلى حاجته ورجع صدق أنه جاء من الغائط وانتقض طهارته وإن خرج غائطه من غير السبيلين ودعوى أن ظواهر الكتاب ليست بحجة أو أن الإستدلال بها نوع تخمين وتخريج كما في كلام صاحب الحدائق، مندفعة بما ذكرناه في الأصول من حجية الظواهر بلا فرق بين الكتاب وغيره. هذا مضافاً إلى إطلاق صحيحة زرارة الأخرى عن أبي عبد الله «لا يوجب الوضوء إلا من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها، أو فسوة تجد ريحها»[4]

وحملها على خصوص ما إذا خرجا من السبيلين المتعارفين كما صنعه صاحب الحدائق مما لا وجه له لأنه تقييد على خلاف الظهور والإطلاق، فما صنعه صاحب الحدائق و السبزواري من عدم انتقاض الوضوء بالبول والغائط الخارجين من غير المخرجين الأصليين حتى مع الإعتياد، وانسداد المخرجين مما لا يمكن المساعدة عليه على أن لازمه انحصار الناقض في من خرج بوله وغائطه من غير المخرجين الأصليين بالنوم وهذا من البعد بمكان.

وأما الصورة الرابعة: و هي ما خرج البول والغائط من غير السبيلين ولم يكن معتاداً لذلك.

فالسيد الحكيم ذكر أن النقض ربما هو المعروف بل في طهارة شيخنا الأعظم لم يحك الخلاف إلا من شرح الدروس وقواه في روض الجنان ونسب إلى الخراساني أيضاً ويشهد له انصراف إطلاقات أدلة ناقضية البول والغائط إلى المتعارف مضافاً إلى النصوص الحاصرة للناقض بما يخرج عن الطرفين كصحيح زرارة عن أحدهما «لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك، أو النوم.»[5] ورواية أديم بن الحر «ليس تنقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين.»[6] و نحوهما غيرهما. ودعوى أنه جار مجرى الطالب مجرى الغالب فيخرج عن الحجية -كما في الجواهر وعن العلامة- مدفوعة بأن ذلك يوجب التشكيك في المطلقات كما أن حمله على ما من شأنه أن يخرج من الطرفين، حمل على خلاف الظاهر.

و ذكر السيد الخوئي أن المشهور عدم النقض واختاره مستدلاً بأن حمل قوله «ما خرج من طرفيك الأسفلين» الوارد في جملة من الأخبار على المعرفية المحضة، بعيد. ويزيد في الإستبعاد صحيحة زرارة المذكورة «قلت لأبي جعفر، وأبي عبد الله : ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين: من الذكر و الدبر، من الغائط و البول، أو مني أو ريح، والنوم حتى يذهب العقل» حيث صرحت بالذكر والدبر والغائط والبول، فلو كان المناط في النقض مجرد خروج البول والغائط ولم يكن للخروج من السبيلين أثر ودخل، كان ذكر الأسفلين وتفسيرهما و بالذكر والدبر لغواً. لا محالة فهذه الصحيحة و غيرها مما يشتمل على العنوان المتقدم أعني «ما خرج من الأسفلين» واضحة الدلالة على أن للخروج من السبيلين دخل في الانتقاض، فلا ينتقض البطوء بما يخرج من غيرهما كما إذا خرج الغائط أو البول بالإبرة المتداولة في العصور المتأخرة. ودعوى أن الاستدلال بقوله «من طرفيك الأسفلين» ونحوه من العبائر النوادرة في الأخبار من الإستدلال بالمفهوم ولا مفهوم للقيود، مندفعة بأن القيد هنا للحصر.

المصادر

    1. العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، المتوفى: ۱۳۳۷ ه.ق. الناشر: مكتب آية اللة العظمى السيد السيستاني، المطبعة : ستاره، عدد الأجزاء: 2.

    2. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، المتوفى: ۱۱۰۴ه.ق. التحقيق: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار احياء التراث، بيروت–لبنان، عدد الأجزاء: 20.


[1] العروة الوثقی، 1/141.
[2] وعن المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين: من الذكر والدبر، من الغائط والبول، أو مني أو ريح، والنوم حتى يذهب العقل، وكل النوم يكره إلا أن تكون تسمع الصوت. ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد مثله. ورواه الصدوق بإسناده عن زرارة مثله إلى قوله: (حتى يذهب العقل). وسائل الشیعة، الباب2 من أبواب نواقض الوضوء، ح2، 1 / 177.
[3] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. سورة المائدة: 6
[4] محمد بن الحسن بإسناده عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يوجب الوضوء إلا من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها، أو فسوة تجد ريحها. وسائل الشيعة، الباب1 من أبواب نواقض الوضوء، ح2، 1 / 175.
[5] محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن عمر بن أذينة، وحريز، عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام قال: لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك، أو النوم. المصدر، الباب2 من أبواب نواقض الوضوء، ح1، 1 / 177.
[6] وعن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن عثمان، يعنى ابن عيسى، عن أديم بن الحر، أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس تنقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين. المصدر، الباب، ح3، 1 / 177.