بحث الفقه الأستاذ مصطفي الأشرفي‌شاهرودي

46/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة/ الاستبراء / البلل المشتبه بين المني وغيره.

مسألة ٨ : إذا بال ولم يستبرئ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني يحكم عليها بأنها بول، فلا يجب عليه الغسل، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء فإنه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بالعلم الإِجمالي، هذا إذا كان ذلك بعد أن توضأ، وأما إذا خرجت منه قبل أن يتوضأ فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء لأن الحدث الأصغر معلوم ووجود موجب الغسل غير معلوم، فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء وعدم وجوب الغسل.[1]

ذكرنا أنه مع فرض الاستبراء من البول مع عدم التوضي وتردد الرطوبة بين المني والبول فالمفروض أن الرجل مبتلا بالحدث الأصغر ويشك في أنه ابتلى بالحدث الأكبر لأجل كون الرطوبة المشتبهة منياً أم ليس بمني، يجري استصحاب عدم خروج المني ولا يعارضه الإستصحاب عدم خروج البول إذ لا أثر له بعد فرض كونه محدثاً بالحدث الأصغر لعدم توضؤه بعد الإستبراء فإذا جرى أصالة العدم بالنسبه إلى المني فينتفي وجوب الغسل والفرض ثبوت الحدث الأصغر فيجب عليه الوضوء للصلاة أو هو مشروط بالطهارة من الحدث.

لكن سيدنا الحكيم ذكر هنا: إنه مجرى استصحاب كلي الحدث فهو من قبيل القسم الثاني من استصحاب الكلي وذكر في توضيح ذلك: إن المتصور في الحدث الطارئ على الحدث بالأصغر صوراً ثلاثاً؛

الأُولى: أن يكون الحدث الأكبر الطارئ مضاداً للحدث الأصغر بحيث لو طرء سببه ارتفع الأصغر وثبت الأكبر مكانه.

الثانية: أن يكون مماثلاً له مجتمعاً معه في محلين.

الثالثة: أن يكون مؤكداً بوجود الحدث الموجود فيكونان معاً وجوداً واحداً أقوى.

فعلى التقدير الأول يجري استصحاب كلي الحدث المعلوم حال خروج البلل المشتبه بين الأصغر والأكبر لأنه من قبيل الكلي القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي لتردد الحدث المعلوم حين خروج البلل المشتبه بين وجودين يحتمل كل منهما بعينه دون الآخر ومع هذا الإستصحاب لا مجال للحكم بصحة الصلاة بعد الوضوء إلا أن يغتسل أيضاً. فان وجوب الغسل وإن لم يكن من أحكام كلي الحدث المستصحب، لكن لما ثبت بالإستصحاب وجود الحدث المانع من صحة الصلاة يحكم العقل بوجوب الغسل ليحصل اليقين بارتفاع المانع (لكن السيد الحكيم ذكر بعد ذلك معارضة هذا الإستصحاب باستصحاب عدم حدوث الأكبر الموجب لنفي وجوب الغسل وبعد التساقط يرجع إلى استصحاب عدم وجوب الغسل فإنه حاكم على قاعدة الإشتغال)

وأجاب سيدنا الأستاذ الخوئي بأن استصحاب الجامع الكلي إنما يجري إذا لم يكن هناك أصل حاكم عليه كما إذا لم يكن المكلف متوضأً في مفروض الكلام. أما معه فلا مجال لإستصحاب الجامع لتعين الفرد الحادث وإنه من من أي القبيلين تعبداً ثم ذكر في توضيح المقام: إن المستفاد من قوله عزوجل: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ[2] إن الوضوء إنما هو وظيفة غير الجنب لأنه تقتضي التفصيل الوارد في الآية المباركة و كذلك في الروايات لما ورد فيها أن غسل الجنابة ليس قبله و لا بعده وضوء.[3] فيتعين من ذلك أن الوضوء وظيفة غير الجنب لأن غسل الجنابة لا يبقى مجالاً للوضوء و حيث أن المكلف في مفروض المسألة لم يكن متوضأً قبل الرطوبة المشتبهة وهو شاك في جنابته لإحتمال أن تكون الرطوبة المشتبهة بولاً فمقتضى الإستصحاب عدم جنابته فهو محدث بالوجدان وليس جنباً بالإستصحاب فيحكم عليه بوجوب الوضوء لتحقق موضوعه بضم الوجدان إلى الأصل ولا يخفى أنه مع استصحاب عدم الجنابة لا مجال لإستصحاب الحدث الكلي.

المصادر

    1. العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، المتوفى: ۱۳۳۷ ه.ق. الناشر: مكتب آية اللة العظمى السيد السيستاني، المطبعة : ستاره، عدد الأجزاء: 2.

    2. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، المتوفى: ۱۱۰۴ه.ق. التحقيق: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار احياء التراث، بيروت–لبنان، عدد الأجزاء: 20.


[1] العروة الوثقى، 1/138.
[2] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. سورة المائدة: 6
[3] محمد بن الحسن بإسناده عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر كيفية غسل الجنابة فقال: ليس قبله ولا بعده وضوء. وسائل الشیعة، الباب34 من أبواب الجنابة، ح2، 1/515.