46/04/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: فقه الطهارة/ الاستبراء / الاستبراء عن البول/ تقديم تطهير مخرج الغائط على الاستبراء/ الاستبراء عن المني/ البلل المشتبهة بين المني وغيره.
العروة الوثقى: و الأولى في كيفياته أن يصبر حتى تنقطع دريرة البول ثم يبدأ بمخرج الغائط فيطهره ثم يضع إصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط ويمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات ثم يضع سبابته فوق الذكر وإبهامه تحته ويمسح بقوة إلى رأسه ثلاث مرات ثم يعصر رأسه ثلاث مرات، ويكفي سائر الكيفيات مع مراعاة ثلاث مرات، وفائدته الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة وعدم ناقضيتها، ويلحق به في الفائدة المذكورة طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شيء في المجرى بأن احتمل أن االخارج نزول من الأعلى، ولا يكفي الظن بعدم البقاء، ومع الاستبراء لا يضر احتماله، وليس على المرأة استبراء، نعم الأولى أن تصبر قليلاً وتتنحنح وتعصر فرجها عرضاً، وعلى أي حال الرطوبة الخارجة منها محكومة بالطهارة وعدم الناقضية ما لم تعلم كونها بولا.[1]
مسألة ٨ : إذا بال و لم يستبرئ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني يحكم عليها بأنها بول، فلا يجب عليه الغسل، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء فإنه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بالعلم الإِجمالي، هذا إذا كان ذلك بعد أن توضأ، وأما إذا خرجت منه قبل أن يتوضأ فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء لأن الحدث الأصغر معلوم ووجود موجب الغسل غير معلوم، فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء وعدم وجوب الغسل.[2]
لا يخفى انما ذكره الفقهاء في الاستبراء من الخرطات التسع لم تجتمع في حديث واحد وذكر السيد الماتن قدس سره «الأولى في كيفياته أن يصبر حتى تنقطع دريرة البول ثم يبدأ بمخرج الغائط فيطهره ثم يضع إصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط ويمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات»إلخ.
أما الصبر إلى انقطاع دريرة البول فهو مما لا مناص عنه لوضوح أن الاستبراء إنما هو لأجل نقاء المجرى من الرطوبات البولية المتخلفة في المجرى وهذا لا يحصل إلا بعد انقطاع البول وإخراج ما بقي من البول بالاستبراء فقبله لا يؤمن من خروج قطرات البول. مضافاً إلى ظاهر حديث عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد الله في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا، قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات، وغمز ما بينهما، ثم استنجى، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي.[3] في قوله «إذا بال فخرط ما بين المقعدة إلخ» كون الخرطات متأخرة عن البول لمكانه لمكان الفاء الدالة على الترتيب.
و أما تقديم تطهير مخرج الغائط على الاستبراء فلأجل أن لا يتلوث يده ولا موضع استبرائه بالغائط والأمر بتقديمه في موثقة عمار عن أبي عبد الله قال: سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجى بالماء يبدء بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال: بالمقعدة ثم بالإحليل.[4]
واما وضع إصبعه الوسطى فكما حكاه سيدنا الحكيم في المستمسك عن المقنعة والمعتبر وروض الجنان وكشف اللثام والنبوي المروي عن نوادر الراوندي عن مولانا الكاظم «فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان، ثم ليسلّها ثلاثاً».[5]
وأما اليد اليسرى فذكر الحكيم لإستحباب الاستبراء بها كما سيأتي. وذكر سيدنا الخوئي: للنهي عن الإستنجاء باليمين وعن مس الذكر بها كما في روايات باب 12 من أحكام الخلوة.[6] و لما عن النبي من استحباب جعل اليد اليمنى للطعام والطهور وغيرها من أعالي الأمور، واليسرى للأمور الدانية.
و قد ذكر شيخنا المقرر الغروي في الهامش عدة روايات بهذا الشأن عن المنتهى عن عائشة وعن سنن أبي داود عنها و عن مقنعة. ولا بأس بذلك رجاءً من باب حسن الإنقياد.
ثم إن الروايات الواردة في الإستبراء منها رواية عبد الملك بن عمرو -المذكورة- عن أبي عبد الله في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً، قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات، وغمز ما بينهما، ثم استنجى، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي.
و منها حسنة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر : رجل بال ولم يكن معه ماء، قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شئ فليس من البول ولكنه من الحبائل.[7]
و منها رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد الله في الرجل يبول، قال: ينتره ثلاثاً ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي.[8] والنتر هو الجذب بقوة.
هذه الروايات بالنسبة إلى الاستبراء عن البول وبعد وبعد تقييد بعضها ببعض يحصل ما هو المشهور من الخرطات التسع كما عن الذكرى والمدارك والذخيرة. وقد اكتفى بعض الفقهاء ببعض هذه الخرطات أخذاً بمفاد بعض الروايات الماضية من دون تقييدها ببعض آخر. فعن نهاية الصدوق وفقيهه وعن نهاية الشيخ وظاهر المبسوط والوسيلة والسرائر وغيرها، الاكتفاء بالمسح من عند المقعدة إلى الانثيين ثلاث مرات، ثم يخرط القضيب ثلاثاً، وعن المفيد في المقنعة إنه يمسح بإصبعه الوسطى تحت إنثييه إلى أصل القضيب مرة أو مرتين أو ثلاثاً ثم يضع مسبحه تحت القضيب وإبهامه فوقه و يمرهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرة أو مرتين أو ثلاثاً. وعن المرتضى وابن الجنيد الاكتفاء بنتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاثاً، وعن غيرهم غير ذلك.
أقول: ذكر الحكيم: إن القاعدة تقتضي الإكتفاء بكل ما ورد في النصوص المتقدمة إذ تقييد بعضها ببعض، مع أن لازمه اعتبار الغمز المذكور في مصحح عبد الملك بن عمرو مضافاً إلى التسع ولم أعرف من نسب إليه ذلك، بل في الجواهر لم يقل أحد بوجوبه، بعيد جداً، إلا أن يكون من جهة قرينة مناسبة المقام من تنقية المحل من بقايا البول فتأمل جيداً، انتهى ما في المستمسك.
و ذكر سيدنا الاستاذ: إن حال الروايات في المقام حال المطلقات والمقيدات في سائر الأبواب وعليه يقيد إطلاق كل من الروايات بالنسبة إلى ما أفادته بالرواية الأخرى المصرحة بما تركته الرواية الأُولى وهكذا، كما هو الحال في سائر المطلقات والمقيدات.
لكن الظاهر منها كون ذلك إرشاداً إلى تنقية المجاري من البول لا أنه امر واجب شرعي أو مستحب شرعي، بل ذلك لأجل تخلية المجاري عن البول والحكم بطهارة ما خرج من الذكر بعد الخرطات ومن هنا أمر بالنتر أي العصر مع القدرة.
ثم إن الماتن ذكر «ثم يضع سبابته فوق الذكر وإبهامه تحته»
فذكر الحكيم: لم أعرف مأخذاً لهذا التحديد والمحكي عن المقنعة والمعتبر وروض الجنان وكشف اللثام وغيرها «ضع المسبحة تحت الذكر والإبهام فوقه عكس ما في المتن»
أقول: و هذا هو الحق المتعارف فما ذكره الماتن أمر على خلاف المتعارف على أنه من الصعوبة بمكان لأنه خلاف المتعارف المعتاد. ثم إنه لا شاهد على الترتيب الذي ذكره الماتن من الخرطات التسع في الروايات لكنه دخيل في حصول التنقية للمجاري من البول ومن هنا ذكر الماتن «ويكفي سائر الكيفيات مع مراعاة ثلاث مرات» قال الماتن «و فائدته الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة وعدم ناقضيتها، ويلحق به في الفائدة المذكورة طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شيء في المجرى»
الوجه فيه ما تقدم من أن الأخبار المتقدمة إنما وردت للإرشاد إلى ما يتخلص به عن انتقاض الوضوء بالبلل المشتبهة بعد البول والوضوء هذا بالنسبه إلى البلل المردد بين البول وعدمه الخارج من الحبائل.
و أما البلل المشتبهة بين المني وغيره فقد وردت في عدة من الروايات إن الاستبراء من المني حاصل من البول كما في صحيحة محمد بن مسلم «قال أبو جعفر : من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم يجد بللاً فقد انتقض غسله، وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللاً فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء، لأن البول لم يدع شيئاً.»[9]
و عن سماعة في حديث «قال: فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله، ولكن يتوضأ ويستنجي.»[10]
ثم ذكرنا المسألة الثامنة «إذا بال ولم يستبرئ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني يحكم عليها بأنها بول.» و الوجه فيه ما تقدم من الروايات الدالة على ناقضية هذا البلل للوضوء و لزوم طهارته وأما عدم وجوب الغسل فلما تقدم في الروايات من الحكم بأن من لم يستبرئ عن البول ومعذلك رأى بللاً فهو محكوم بالبولية وعليه يدفع الشك في كونه منياً بالأصل.
قال الماتن «بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء فإنه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بالعلم الإِجمالي»
و هذا واضح لكون البلل مردداً بينهما ولا يحصل البرائة عن اشتراط الطهارة إلا بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بمقتضى العلم الاجمالي.و أما إذا كان الخروج بعد الوضوء فلا ملزم للغسل لإنحلال العلم الإجمالي. باقي الكلام في الغد إن شاء الله.
المصادر
1. العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، المتوفى: ۱۳۳۷ ه.ق. الناشر: مكتب آية اللة العظمى السيد السيستاني، المطبعة : ستاره، عدد الأجزاء: 2.
2. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، المتوفى: ۱۱۰۴ه.ق. التحقيق: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار احياء التراث، بيروت–لبنان، عدد الأجزاء: 20.
3. مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، النوري الطبرسي حسین بن محمد تقي، المتوفى: ۱۳۲۰ ه.ق. مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث، بیروت، ۱۴۰۸ ه.ق. عدد الاجزاء: ۳۰.