46/04/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: فقه الطهارة/ الاستنجاء/ معيار عدد مرات بالماء و الحجر في تطهير مخرج الغائط/ تصنيف روايات الباب.
العروة الوثقى: يجب غسل مخرج البول بالماء مرتين، والأفضل ثلاث بما يسمى غسلاً، ولا يجزئ غير الماء، ولا فرق بين الذكر والأنثى والخنثى، كما لا فرق بين المخرج الطبيعي وغيره معتاداً أو غير معتاد، وفي مخرج الغائط مخير بين الماء والتمسح بالأحجار أو الخِرَق إن لم يتعد عن المخرج على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء، وإلا تعين الماء، وإذا تعدى على وجه الانفصال كما إذا وقع نقطة من الغائط على فخذه من غير اتصال بالمخرج يتخير في المخرج بين الأمرين، ويتعين الماء فيما وقع على الفخذ، والغسل أفضل من المسح بالأحجار، و الجمع بينهما أكمل، ولا يعتبر في الغسل تعدد بل الحد النقاء وإن حصل بغسلة، وفي المسح لا بُدّ من ثلاث وإن حصل النقاء بالأقل، وإن لم يحصل بالثلاث فإلى النقاء، فالواجب في المسح أكثر الأمرين من النقاء والعدد، ويجزىء ذو الجهات الثلاث من الحجر، وبثلاثة أجزاء من الخرقة الواحدة، وإن كان الأحوط ثلاثة منفصلات، ويكفي كل قالع ولو من الأصابع، ويعتبر فيه الطهارة، ولا يشترط البكارة، فلا يجزىء النجس، ويجزىء المتنجس بعد غسله، ولو مسح بالنجس أو المتنجس لم يطهر بعد ذلك إلا بالماء إذا لم يكن لاقى البشرة بل لاقى عين النجاسة، و يجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثر بمعنى الأجزاء الصغار التي لا ترى لا بمعنى اللون والرائحة، وفي المسح يكفي إزالة العين ولا يضر بقاء الأثر بالمعنى الأول أيضاً.[1]
قال الماتن: و الجمع بينهما أكمل.
ذكر شيخنا الحلي الدليل عليه بعد الإجماع المنقول من الخلاف والمنتهى والمعتبر، كونه جمعاً بين الطهورين، وصيانة لليد من الاستقذار بإزالة النجاسة والمرسل المروي عن مولانا الأمير «فاتبعوا الماء الأحجار»[2] والمرسل المروي عن أبي عبد الله جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء.[3] أقول: نفى السيد الأستاذ الأكملية كما نفى الاستحباب بأخبار من بلغ[4] .
قال الماتن: و لا يعتبر في الغسل تعدد بل الحد النقاء وإن حصل بغسلة.
ذكر شيخنا الحلي: إن الوجه فيه إطلاق أدلة كفاية الغسل بالماء في النجاسات -عدا البول- ومصححة يونس بن يعقوب[5] عن أبي عبد الله في الوضوء الذي افترضه الله تعالى لمن جاء من الغائط، أو بال، قال عليه السلام: يغسل ذكره ويذهب بالغائط. حيث جعل المدار في الغائط بذهابه وتدل عليه أيضاً حسنة ابن مغيرة[6] عن أبي الحسن هل للاستنجاء حد؟ قال: لا، ينقي ما ثمة. وفي بعض النسخ «لا حتى ينقى ما ثمة» فالمدار بحسب هذة الحسنة كون المدار على انتقاء وإن حصل بغسلة واحدة دون ما إذا لم يحصل بالواحدة، فلا بد من التعدد حتى يحصل انتقاء. ولكن هذا في الغسل بالماء.
و أما في المسح بالأحجار فذكر الماتن «لا بُدّ من ثلاث وإن حصل النقاء بالأقل» لا ريب في كفاية الثلاثة إذا حصل بها انتقاء، كما لا خلاف، وعدم الكفاية بالثلاث لو لم يحصل انتقاء بها. وقد عرفت أن ما دل على كفاية الثلاثة محمول على ما إذا حصل انتقاء بها كما هو الظاهر من الحديثين المتقدمين الذين جعل المدار فيها على انتقاء.
إنما الكلام في وجوب الثلاثة إذا حصل انتقاء بالأقل والظاهر من المحقق في الشرايع مع صريحه في المحكي المعتبر والنافع والعلامة في المنتهى والتحرير والإرشاد والقواعد، والكركي في جامع المقاصد وغيرهم لزوم الثلاثة تمسكاً بما مضى ويمر عليك لما ظاهره لزوم الثلاثة. ويظهر من بعض متأخر المتأخرين كصاحبي المدارك والذخيرة، كفاية الأقل إذا حصل انتقاء به، وهو المنقول عن المفيد والعلامة في المختلف تمسكاً بما تقدم من روايتي ابن يونس وابن المغيرة حيث جعلا المدار بانتقاء.
و التحقيق إن الروايات المنقولة في الباب على ثلاثة أقسام:
الأول: ما تقدم من كفاية انتقاء مطلقاً كالروايتين.
الثاني: ما يكون ظاهراً في اعتبار ثلاثة أحجار أو الكرسف كصحيحة زرارة[7] عن أبي جعفر «لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار وبذلك جرت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله. في حديث آخر لزرارة[8] عن الإمام «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله» وفي خبر آخر لزرارة[9] «سألته عن التمسح بالأحجار، فقال: كان الحسين بن علي يمسح بثلاثة أحجار.» وفي المرسلة عن الصادق عليه السلام[10] «قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء.» وفي حديث أبي خديجة[11] عن أبي عبد الله «قال: كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار» حيث أن الظاهر كون الأحجار الثلاثة هو المعمول بينهم من قبل الشارع.
القسم الثالث من الأحاديث: ما يكون قابلاً للحمل على كل من الإطلاق والتقييد باعتبارين وهو ما ورد بلفظ «الأحجار» حيث أنه باعتبار كونه جنساً بقرينة العموم يلازم الإطلاق، وباعتبار كونه جمعاً وأقله ثلاثة، مساو للأخبار التقييد بالثلاثة. ومن هذا القسم رواية بريد بن معاوية[12] عن أبي جعفر «قال: يجزئ من الغائط المسح بالأحجار و لا يجزئ من البول إلا الماء.» وفي روابة أخرى «كان الناس يستنجون بالأحجار» وكذا خبر جميل بن دراج[13] المتضمن قصة الرجل الأنصاري الذي أكل طعاماً فلان بطنه، ثم نزلت الآية إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين[14]
و هناك طريق آخر
القسم الأول من الروايات ما يكون ظاهراً في اعتبار الثلاثة وهي ما تقدم من القسم الثاني والثالث بناءً على دلالة الجمع على الثلاثة لا مطلق الجنس.
و القسم الثاني ما يكون ساكتاً عن قيد العدد بل اكتفى فيه بذكر الحجر والمدر والخرق كروايتي زرارة المتقدمتين في إحداهما «كان يستنجي من البول ثلاث مرات ومن الغائط بالمدر والخرق.»[15] و في الثانية «كان الحسين بن علي يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغتسل»[16] وكذلك الروايات الواردة بلفظ الأحجار إن قلنا بكونه جنساً ملازماً للإطلاق.
و القسم الثالث ما عبر عنه شيخنا الحلي بكونه بين بين يناسب مع كل من القسمين وهو ما دل على اعتبار انتقاء والذهاب كروايتي ابن يعقوب وابن مغيرة المتقدمتين، فإن تم الإطلاق فيحمل روايات الثلاث على الاستحباب او يقال باجمالها، وإن تم الظهور في روايات الثلاثة فيرفع اليد عن سكوت أو إطلاق ساير الروايات يحمل عليها ما دل من الإطلاق او قابلاً لحمل الإطلاق على المقيد، وإلا فالمرجع هو استصحاب النجاسة على مبنى غير سيدنا الخويي.
المصادر
1. العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، المتوفى: ۱۳۳۷ ه.ق. الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني، المطبعة : ستاره، عدد الأجزاء: 2.
2. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، المتوفى: ۱۱۰۴ه.ق. التحقيق: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار احياء التراث، بيروت–لبنان، عدد الأجزاء: 20.
3. جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة، حسین الطباطبایي البروجردي، المتوفی: 1380ه.ق. المطبعة: المهر بقم المقدسة، 1373 ه.ش. 1415ه.ق. عدد الأجزاء: 26.