44/04/27
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: فقه الطهارة/ الصلاة فی النجس/ العفو عن بعض النجاسات في الصلاة، محمول النجاسة بحیث لایکون جزءً من اللباس.
قال الماتن: «الرابع: المحمول المتنجّس الّذي لا تتمّ فيه الصلاة مثل السكّين و الدرهم و الدينار و نحوها، و أمّا إذا كان ممّا تتمّ فيه الصلاة كما إذا جعل ثوبه المتنجّس في جيبه مثلاً ففيه إشكال و الأحوط الاجتناب، و كذا إذا كان من الأعيان النجسة كالميتة و الدم و شعر الكلب و الخنزير، فإنّ الأحوط اجتناب حملها في الصلاة.»[1]
ذکرنا فی الأمس أنّ سیدنا الحکیم و سیدنا الأستاد منعا من صدق الصلاة فی النجس (الممنوع) علی حمل النجس فی حال الصلاة لعدم صدق الظرفیة حتی مجازاً علی ما یکون خارجاً عن لباس المصلّی. و علیه بنیا جواز حمل النجس فی جیب المصلّی فضلاً عن حمل المتنجس (نعم سیأتی البحث فی حمل نفس النجس) علی مقتضی اصالة البرائة عن المانعیة و ما ورد فی موثقة عبدالله بن بکیر[2] من استعمال الصلاة فی وبر ما لا یؤکل لحمه أو شعره أو روثه و بوله و إن لمتکن فی لباس المصلّی. فلامحالة أرید به مصاحبة هذه الأمور مع المصلّی مجاز لا علاقة مصححة للتجوز فی الظرفیة فیقتصر علی مورده و لایعتدی عن مورد الموثقة إلی سایر موارد حمل المتنجس فی جیب المصلّی مثلاً و منه ما ورد من النهی عن الصلاة فی السیف للإمام إلّا فی الحرب[3] و جواز الصلاة فیه إلّا أن یری فیه دماً[4] حیث أنّ السیف لایکون من أجزاء لباس المصلّی فلایناسب الظرفیة لا حقیقةً و لا مجازاً. فلابدّ من الاقتصار علی خصوص محله و علیه لایمکن التمسک بما ورد من النهی عن الصلاة فی النجس بما إذا کان المتنجس محمولاً للمصلّی بلا فرق فی ذلک بین أن یکون المحمول من نوع الملبوس کالجورب و القلنسوة مما لاتتمّ فیه الصلاة أو من غیر الملبوس کالسکین و الدرهم و الدینار لعدم شمول النهی عن الصلاة فی النجس لما إذا حمل السکین أو الدرهم المتنجسین و لو فی حال الصلاة.
أضف إلی هذا دلالة موثقة زرارة[5] فی قوله «كُلُّ مَا كَانَ لاَ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَحْدَهُ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ» علی جواز حمل المتنجس. فإنّ إطلاقها یقتضی عدم الفرق بین أن یکون ما لاتتمّ الصلاة فیه وحدة محمولاً أو ملبوساً و ذلک لأنّ تعلق نفی البأس بذات الشیء الذی من شأنه أن یلبس مع عدم اتصافه باللبس الفعلی یقتضی بإطلاقه عدم المنع فیما لاتتمّ الصلاة فیه بین أن یکون ملبوساً أو محمولاً و ذلک لتعلق نفی البأس بذات الشیء الذی من شأنه أن یلبس لا أنّه یلبسه بالفعل. کما أنّ مقتضی إطلاق موثقة زرارة عدم الفرق فی الجواز فیما لاتتمّ الصلاة فیه بین ما من شأنه أن یلبس أو لیس من شأنه ذلک کالدرهم و الدینار. و یؤید ذلک مرسلة عبدالله بن سنان[6] «كُلُّ مَا كَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَوْ مَعَهُ مِمَّا لاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِيهِ وَحْدَهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى فِيهِ وَ إِنْ كَانَ فِيهِ قَذَرٌ مِثْلُ الْقَلَنْسُوَةِ وَ التِّكَّةِ» إلّا أنّ الروایة مرسلة.
أقول: ذکر شیخنا الحلّی:[7] استعمال کلمة «فی» للمصاحبة فی کثیر من الروایات و إنّه لیس مما لایقبله الذوق العرفی. منه موثقة عبدالله بن بکیر المتقدمة التی استعملت «فی» فی روث و بول و شعر ما لایؤکل لحمه.
قال الماتن: و أمّا إذا كان ممّا تتمّ فيه الصلاة كما إذا جعل ثوبه المتنجّس في جيبه مثلاً ففيه إشكال و الأحوط الاجتناب.جعل الأستاد وجه ذلک، احتمال صدق الصلاة فی النجس علی ذلک و لکن قد عرفت منعه إذ لایصدق هذا العنوان إلّا علی لبس النجس فی الصلاة دون حمله. فمقتضی الأصل فیه الجواز. نعم لایمکن الاستدلال علی جواز حمله بموثقة زرارة المتقدمة لاختصاصها بما لاتتمّ الصلاة فیه.
قال الماتن: و كذا إذا كان من الأعيان النجسة كالميتة و الدم و شعر الكلب و الخنزير، فإنّ الأحوط اجتناب حملها في الصلاة.
و الوجه فیه کما إذا وضع قارورة دم أو بول فی جیبه، احتاط الماتن و الوجه فیه الجواز ایضاً لعدم صدق الصلاة فی النجس حسبما عرفت. و لکن جمع من الأصحاب منع ذلک و یمکن الاستدلال لهم بروایات:
منها: صحیحة علی بن جعفر[8] فی وقوع العذرة بسبب الریاح علی ثوب الرجل و رأسه قال: «يَنْفُضُهُ وَ يُصَلِّي فَلاَ بَأْسَ» بدعوی أنّ الأمر بالنفض ظاهر فی مانعیة العذرة التی علی ثوبه و بدنه عن الصلاة و إن کان فیما لاتتمّ فیه الصلاة.
و الجواب أنّ فی فرض السؤال یصدق الصلاة فی النجس لوقوع العذرة علی بدن المصلّی و ثوبه لأنّه فی حکم تنجس البدن و اللباس بالعذرة الرطبة.
و منها: صحیحة الأخری «سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَ مَعَهُ دَبَّةٌ مِنْ جِلْدِ الْحِمَارِ أَوْ بَغْلٍ. قَالَ: لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُصَلِّيَ وَ هِيَ مَعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَخَوَّفَ عَلَيْهَا ذَهَابَهَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ وَ هِيَ مَعَهُ.»[9]
و قریب منها: ما رواه الشیخ[10] «عن الرجل يصلّي و معه دَبّة من جلد حمار ميّت. قال: لا يصلح أن يصلّي» وجه الاستدلال حمل الدابة علی المصنوعة من جلد المیتة فلایجوز حملها إلّا فی حال الاضطرار کالخوف علیها من السرقة.
و یدفعها:
أولاً: عدم ظهور «لایصلح» فی الحرمة بل ظاهر الکراهة لعدم تناسب حمل الدابة فی الصلاة التی هی عبادة إلیه المتقرب بها إلی الله تعالی مع حمل الدابة.
و ثانیاً: لمیقید الدابة بجلد المیتة و الحمل علیها بلادلیل و لعلّ منشأ السؤال شیئاً آخر و هو احتمال المنع عن حمل المصنوع عن جلد الحمار و البغل فی الصلاة لکونهما من الممنوع أکله عند العامة بالحرمة و عندنا بالکراهة کما اختلفنا فی أبواب الدابة عن النجاسة عندهم -سیّما الحنفیة- و الطهارة عندنا و کیف کان لاموجب للحمل علی کون الدابة من جلد الحمار المیت مع احتمال کون منشأ السؤال الکراهة. و ما جاء فی طهارة شیخنا الأعظم من زیادة لفظ «المیت» قوله «و معه دبة من جلد حمار میت» سهو من قلمه الشریف لأنّ الدابة مرویة فی الکتب الثلاثة بلا هذه الزیادة.
و ثالثاً: علی تقدیر ثبوت هذه الزیادة یقتضی علی مورد المیت بل ذکرنا المنع فیما له یثبت تذکیته.
و منها: صحیحة عبدالله بن جعفر[11] «كَتَبْتُ إِلَيْهِ يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ وَ مَعَهُ فَأْرَةُ الْمِسْكِ فَكَتَبَ لاَ بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ ذَكِيّاً.» و ظاهرها السؤال عن نفس الفأرة لا المسک الموجود فیها. فتدلّ علی عدم جواز حمل غیر المذکّی فی الصلاة فهی کسابقتها مختصة بغیر المذکّی و لاتعمّ جمیع النجاسات و لابأس بها فی موردها ولاتعمّ سایر النجاسات. و فی حکمه الجلود المجلوبة من الخارج حیث تجری فیها اصالة عدم التذکیة فیمنع عن الصلاة فیها و إن لمیحکم بنجاستها فیمتنع الصلاة فیها کالمحرز موته. و بالجملة لمیتمّ دلیل علی مانعیة حمل النجاسات فی الصلاة إلّا خصوص المیتة أو غیر المذکّی إلّا الخفّ و النعال للنصّ الخاص فیهما علی ما فی موثقة اسماعیل بن فضل[12] «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ لِبَاسِ الْجُلُودِ وَ الْخِفَافِ وَ النِّعَالِ وَ الصَّلاَةِ فِيهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أَرْضِ الْمُصَلِّينَ فَقَالَ أَمَّا النِّعَالُ وَ الْخِفَافُ فَلاَ بَأْسَ بِهَا.» نعم لو کان المحمول النجس فیه مانع آخر لکونه من أجزاء غیر المأکول فهو مانع من الصلاة لا للنجاسة بل لنفس کونه من أجزاء ما لایؤکل لحمه کما تقدم.
المصادر
1. العروة الوثقی (عدة من الفقهاء، جامعة المدرسين)، طباطبایی یزدی، السید محمد کاظم بن عبد العظیم، المتوفی ۱۳۳۷ ه.ق. جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، مؤسسة النشر الإسلامی، ۱۴۲۱ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.
2. تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، حر عاملی المشغری، محمد بن حسن، المتوفی ۱۱۰۴ ه.ق. مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث بقم، ۱۴۱۶ ه.ق. عدد الأجزاء: 30.
3. دلیل العروة الوثقی، حلی، حسین بن علی، المتوفی: ۱۳۹۴ ه.ق. المحرر: سعید، حسن، مطبعة النجف، عراق، ۱۳۳۸ ه.ش. عدد الأجزاء: ۲.
4. کتاب الطهارة، الشیخ الانصاری، مرتضی بن محمد امین، المتوفی: ۱۲۸۱ ه.ق. مجمع الفکر الاسلامی. المؤتمر العالمي بمناسبة الذکری المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأعظم الأنصاري، قم، ۱۴۱۵ ه.ق. عدد الأجزاء: 5.