41/01/17
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: فقه الطهارة- ماء البئر- الاخبار الدالة علی عدم انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة.
تحصل مما ذکرناه فی الأمس دلالة صحیحة إبنبزیع علی عدم نجاسة البئر إلّا بالتغیّر و إطلاقها شامل لما إذا کان ماء البئر کثیراً أو کرّاً أم قلیلاً و الوجه فیه قوله() «لأن له مادة» و إنّ کثرة الروایات المعارضة لایوجب رفع الید عن ظهور هذه الصحیحة فی عدم النجاسة لإمکان حملها علی الندب.
ثم إنّ من جملة الروایات صحیحة علیبنجعفر سألته عن بئر ماء وقع فیها زبیل (زنبیل) من عذرة رطبة أو یابسة أو زبیل من سرقین أ یصلح الوضوء منها؟ قال: «لابأس»[1] حیث إنّها دلّت علی جواز الوضوء بماء البئر التی وقعت فیه العذرة النجسة بعد إشتراط صحة الوضوء بطهارة مائه. و الظاهر کون الزنبیل مصنوعاً من غیر العذرة و فیها مقدار من العذرة الرطبة أو الیابسة و من الظاهر ملاقاة الماء مع العذرة بعد فرض کون العذرة ظاهرة فی عذرة الإنسان لا عذرة حیوان مأکول اللحم فإنّها تسمی بالسرقین و هو معرّب سرگین. و لمیقل فی الروایة إنّ الماء لاقی زنبیل بل ذکر وقوع عذرة مقدارها زنبیل و لو کان الملاقی هو الزنبیل و إلّا کان المناسب السؤال عن زنبیل فیها عذرة لا عن زنبیل من العذرة. مع أنّه علی تقدیر تسلیم السؤال عن الزنبیل لا عن العذرة فالمفروض أنّ الزنبیل منسوج من أوراق الأشجار مع ما فیه من الثقوب التی لابدّ من ملاقاة ماء البئر من خلال الثقوب العذرة مضافاً إلی أنّه لو کان الزنبیل لو لمیکن موجباً لملاقاة الماء لنفس العذرة لمیکن مجال لسؤال علیبنجعفر عن ملاقاة البئر لنفس الزنبیل.
و أما القول بإرادة عذرة ما یؤکل لحمه فقد عرفت الجواب عنه إذ العذرة تطلق علی عذرة الإنسان أو الکلب أو الهرة مما فیه ریح کثیف مضافاً إلی أنّ السائل أردف بعد السؤال عن عذرة الزنبیل السؤال عن زنبیل فیه سرقین.
و دعوی أنّ المراد نفی البأس بعد النزح المقدر، لإقتضاء الجمع بین الروایات. ذلک مدفوعة بأنّ الأخبار الآمرة بالنزح لا دلالة لها علی النجاسة.
و من جملة تلک الروایات صحیحة معاویةبنعمار فی الفأرة تقع فی البئر فیتوضّأ الرجل منها و یصلّی و هو لایعلم. أ یعید الصلاة و یغسل ثوبه؟ فقال: «لایعید الصلاة و لایغسل ثوبه»[2] حیث إنّ الظاهر من وقوع المیتة هو موتها فی البئر کما یقال وقع الرجل فی البئر أی مات فیها مع أنّه لو کانت الفأرة حیّاً لا موجب لتوهم إنفعال ماء البئر و من جانب آخر وقوع الفاء فی قوله «فیتوضّأ الرجل» ظاهر فی کون الوضوء بعد وقوع الفأرة فی البئر لا ما إذا لمیدر أنّ الوضوء قبل وقوع الفأرة أو بعده حتی یقال بأصالة الطهارة. نعم لا إطلاق فی الحدیث من حیث حصول التغیّر فی الماء بموت الفأرة و عدم تغیّره، لکن من الظاهر عدم حصول التغیّر بموت فأرة فی البئر.
و منها: روایة أخری لمعاویةبنعمار سمعته یقول: «لا يغسل الثوب، و لاتعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب، و أعاد الصلاة، و نزحت البئر»[3] حیث قد دلّت الروایة علی عدم النجاسة ما لمیتغیر الماء و ینتن و من المعلوم إن نتن الماء فی البئر مستند إلی وقوع میتة الإنسان أو نحوه.
و منها: مؤثقة أبیبصیر؛ بئر یستقی منها و یتوضّأ به و غسل منه الثیاب و عجن به ثم علم أنّه کان فیها میّت. قال: «لابأس و لایغسل منه الثوب و لاتعاد الصلاة»[4] و المراد به إما میت الإنسان أو مطلق المیت فی قبال الحیّ و الظاهر من الکلام أنّ البئر لمینتن حیث إنّ ظاهر کلام السائل أنّه علم بالمیت بعد العجن أو التوضّی.
نعم وردت فی بعض الروایات تقیید الحکم بالإعتصام بما إذا کان ماءً کثیراً کما فی مؤثقة عمار؛ سئل أبوعبدالله() عن البئر یقع فیها زبیل عذرة یابسة أو رطبة فقال: «لابأس إذا کان فیها ماء کثیر»[5] و بها تقید إطلاقات سایر الروایات بأنّها إذا کان الماء قلیلاً یحکم بإنفعاله.
و الجواب بوجهین: الأول أنّ الکثیر لمیثبت لها حقیقة شرعیة و لا متشرعیة بمعنی الکرّ بل هی باقیة علی المعنی العرفی و الوجه فیه أنّه إذا کان الماء فی البئر قلیلاً لتغیّر بوقوع زنبیل عذرة فالتفصیل فی الحقیقة بین تغیّر الماء و عدمه. الثانی أنّ صحیح إبنبزیع قد قصر سبب الإنفعال بالتغیّر لکلمة «إلّا» و حکم بطهارة ماء البئر بزوال تغیّره مطلقا سواء بنفسه أو بإخراج دلاء. نعم، سواء بلغ حدّ الکرّ أم لمیبلغ و بها نرفع الید عما دلّ علی إشتراط الکرّیة فی البئر و نحمل مثل الروایة المتقدمة علی ما ذکرناه من حصول النتن و عدم حصوله.
و أما روایة الحسنبنصالح الثوری عن أبیعبدالله() قال: «إذا کان الماء فی الرکی (ای البئر) کرّاً لمینجسه شیء». قلت: و کم الکرّ؟ قال: «ثلاثة أشبار و نصف عمقها فی ثلاثة أشبار و نصف عرضها»[6] فهی ضعیفة لایعمل بها فی موردها فضلاً عن تقیید المطلقات بها.