40/05/08
بسم الله الرحمن الرحیم
«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ»
موضوع: (فقه الطهارة)
فصل فی الماء الراکد الکرّ و القلیل: الراکد بلا مادة إن کان دون الکرّ ینجس بملاقاة من غیر فرق بین النجاسات حتی برأس إبرة لا یدرکه الطرف.
عمدة الکلام فی أنّ القلیل هل ینفعل بملاقاة النجس أو المتنجس أم لایتنجس أصلاً إلّا إذا تغیّر طعمه أو ریحه أو لونه لمینسب الخلاف إلّا من القدماء إلی حسن بنابیعقیل ومن المتأخرین الفیض الکاشانی رحمهاللهتعالی و الإجماع المنقول علی التنجس بلغ حدّ الاستفاضة لکن هل عمدة الأدلة، الروایات؟
و البحث فعلاً فی إثبات أصل التنجس و الانفعال فی الماء القلیل علی نحو الموجبة الجزئیة فی قبال ما نسب إلی ابنابیعقیل من عدم تنجسه ما لم یتغیّر أحد أوصافه الثلاثة و أما الفرق بین ملاقات نفس النجس أو المتنجس أو الفرق بین الدم الذی لا یدرکه الطرف و غیره أو سائر التفاصیل فسیأتی البحث فیها فی طی مسائل مستقلة. و قد أشبع الفقهاء الکلام فی هذا الصدد کما فی الجواهر و الحدائق و مصباح الفقیه من المتأخرین سوی ما أفاده القدماء.
و نحن نرتب البحث تبعاً لسیدنا الأستاد رحمهاللهتعالی فی مقامین المقام الأول فی بیان ما یدلّ علی انفعال القلیل بملاقاة النجس المقام الثانی فی معارضته بما دلّ علی عدم الانفعال.
أما المقام الأول: فذکر الشیخ الأنصاری أنّ بعضهم أنهی الروایات الدالة علی الإنفعال إلی ثلاثمأة روایة و ذکر صاحب الحدائق رحمه الله تعالی منها سبع و ثلاثین روایة و أنهی صاحب الجواهر رحمهاللهتعالی إلی تسع و أربعین روایة و نحن نشیر إلی بعضهاونحیل الأعزة إلی المراجعة إلی سائر الکتب.
فمنها: صحیحة محمد بن مسلم و غیرها الواردة بمضمون «أنّ الماء إذا بلغ قدر کرّ لاینجّسه شیء» و هذا المضمون قد ورد إبتداءً فی بعضها[1] و بعد السؤال عن الماء الذی تبول فیه الدواب و تلغ فیه الکلاب و یغتسل فیه الجنب فی بعضها[2] و فی ثالث بعد السؤال عن الوضوء من ماء تدخله الدجاجة و غیره و فی منقارها الدم أو نجاسة أخری أو قد وطأت عذرة[3] .
و منها: صحیحة اسماعیل بن جابر «سألت أباعبدالله علیهالسلام عن الماء الذی لا ینجسه شیء فقال: کر»[4] .
و منها: صحیحة أخری «عن الماء الذی لا ینجسه شیء؟ قال: ذراعان عمقه فی ذراع و شبر سعته»[5] و إشتبه الأمر علی صاحب الحدائق رحمهاللهتعالی فأسند الروایة إلی عبدالله بن سنان.
و منها: صحیحة محمد بن مسلم «عن الکلب یشرب من الإناء؟ قال: أغسل الإناء»[6] حیث دلت الروایة -بعد فرض شرب الکلب
من وسط الإناء- علی تنجس الإناء بملاقاته الماء المتنجس بولوغ الکلب إلی غیر ذلک مما یطلع علیه المراجع إلی الحدائق او الجواهر بل المستمسک.
و أما المقام الثانی فی ذکر الأخبار المعارضة فمنها: عدة من الروایات الدالة بظاهرها علی انحصار التنجس بما تغیّر أحد أوصافه الثلاثة من دون تفصیل بین القلیل و الکثیر و هی کثیرة
منها: ما تقدم من ابن ادریس و غیره «خلق الله الماء طهوراً لا ینجسه شیء إلّا ما غیّر لونه أو طعمه أو ریحه»[7] و قد ادعی الفیض الکاشانی رحمهاللهتعالی استفاضته عن الرسول مع کونه عمدتاً فی کتب العامة.
و منها: ما ورد من طریقنا بهذا المضمون کروایة القماط و صحیحة حریز و صحیحة عبدالله بن سنان[8] إلی غیر ذلک مما ظاهره انحصار التنجس بتغیّر أحد أوصاف الماء الثلاثة و هذا مما لا ریب فیه.
و الجواب: أنّ هذه الأخبار مطلقة شاملة لماء القلیل و الکثیر بل الظاهر منها الماء المجتمع فی الفلوات و الصحاری أو ما ذکره صاحب الحدائق رحمهاللهتعالی من إهتمام الناس بحفر مراکز لتجمع المیاه للمسافرین فی الطرق المارة علی الصحاری و الفلوات و هذه الخازن أکثر من الکرّ بکثیر. فلابدّ من رفع الید عن إطلاقها و حملها علی المیاه الکثیرة المشتملة علی الأکرار فضلاً عن کرّ واحد.
و مما یدل علی اختصاصها بالکرّ ما رواه صحیحاً صفوان بن مهران الجمال[9] حیث قال الإمام علیهالسلام بعد سؤال الراوی عن الحیاض بین مکة و مدینة .... قال الإمام علیهالسلام: «و کم قدر الماء؟ قال: إلی نصف الساق و إلی الرکبة فقال: توضّأ منه» فإنّ سؤال الإمام علیهالسلام دلیل علی انفعال ما نقص عن ذلک المقدار الحدود أعنی القلیل و إلّا لم یکن وجه للسؤال بعد فرض عدم تغیّر الماء فی أحد أصافه الثلاثة و یدفعه إیضاً ما ورد من الروایات فی تحدید الماء العاصم بالکرّ کما فی صحیحة إسماعیل بن جابر[10] و غیرها بما هو بمضمونها من عاصمیة الکرّ.
و النسبة بینها و بین تلک المطلقات المتقدمة عموم من وجه لکن لابدّ من تقدیم هذه الروایات لأنّ التغیّر بالأوصاف مشترک فی الحکم بالنجاسة بین القلیل و الکثیر و هذه الأخبار دلتنا علی أنّه یکون هناک بعض الماء یفترق الحال فیها بین الکثیر و القلیل وإلّا أصبح التفصیل لغواً.