بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

34/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

وقت وجوب الفطرة«فصل 4 في وقت وجوبها‌ و هو دخول ليلة العيد جامعا للشرائط ...»

ذکر فی الحدائق(12/297):« و قد اختلف الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) في ذلك، فقيل إنها تجب بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان، و هو المنقول عن الشيخ في الجمل و الاقتصاد و هو اختيار ابن حمزة و ابن إدريس و به صرح المحقق في المعتبر و الشرائع و العلامة في المنتهى و المختلف و سائر كتبه و اختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، و الظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين...»و اختاره نفس صاحب الحدائق و استدل بروایة علی بن ابی حمزة عن معاویة بن عمار:

«مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الْمَوْلُودِ يُولَدُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَ الْيَهُودِيِّ وَ النَّصْرَانِيِّ- يُسْلِمُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِطْرَةٌ- لَيْسَ الْفِطْرَةُ إِلَّا عَلَى مَنْ أَدْرَكَ الشَّهْرَ.» (ب11من زکاة الفطرة ح1) و بصحیح معاویة‌بن عمار: «مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ- عَلَيْهِ فِطْرَةٌ قَالَ لَا قَدْ خَرَجَ الشَّهْرُ- وَ سَأَلْتُهُ عَنْ يَهُودِيٍّ أَسْلَمَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ- عَلَيْهِ فِطْرَةٌ قَالَ لَا.»(الباب ح2)

و ناقش الاستاد فی الاولی بضعف السند لوقوع علی بن ابی حمزة فی الطریق مضافا الی قصور الدلالة اذ لیس مفادها الا ثبوت الوجوب لمن ادرک الشهر و اما انه متی مبدء الوجوب فلا تعرض لها. و کذا الثانیة حیث ان مفادها نفی الوجوب عمن لم یکن موجودا او مسلما فی شهر رمضان و لاتعرض فیها بوجه لاثبات اصل الوجوب فضلا عن بیان وقته.

و قيل إن أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر، كذا قاله ابن الجنيد و اختاره المفيد في المقنعة و الرسالة الغرية و السيد المرتضى و أبو الصلاح و ابن البراج و سلار و ابن زهرة، كذا نقله عنهم في المختلف، و إلى هذا القول مال السيد السند في المدارك و استدل الاخیر لذلک بصحیح العیص بن قاسم:

عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ الْعِيصِ‌ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْفِطْرَةِ مَتَى هِيَ- فَقَالَ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ- قُلْتُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْ‌ءٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ لَا بَأْسَ- نَحْنُ نُعْطِي عِيَالَنَا مِنْهُ ثُمَّ يَبْقَى فَنَقْسِمُهُ.(ب12من الفطرة ح5)و روایة ابراهیم بن میمون(و فی بعض النسخ ابراهیم بن منصور): عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع الْفِطْرَةُ إِنْ أُعْطِيَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ فَهِيَ فِطْرَةٌ- وَ إِنْ كَانَتْ بَعْدَ مَا يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ فَهِيَ صَدَقَةٌ.(الباب ح2)

و اورد علی الاول بان الظاهر منه السوال عن وقت اخراج الفطرة لا عن وقت وجوبها و لا مانع من اختلاف وقتیهما و لاسیما بقرینة قوله علیه السلام فی الجواب:«لا باس نحن نعطی...»

مضافا الی انه لا دلالة لها بوجه علی کون مبدء وقت الوجوب هو طلوع الفجر بل مفادها کون المبدء طلوع الشمس فانه اول یوم الفطر کیوم المزدلفة و ایام التشریق و نحوها فان المبدء فی الکل اول طلوع الشمس و اما ما بین الطلوعین فهو ملحق باللیل او متوسط بینه و بین النهار و علیه یصدق«قبل الصلاة» باول الیوم او قبل طلوع الشمس و لو بالقلیل. هکذا اورد علیه الاستاد.

و قد اورد علی التمسک بهذا الحدیث لثبوت الوجوب من الفجر، بانه یتوقف علی القول بوجوب تقدیهما علی الصلاة فیکون المعنی وجوب الفطرة یوم العید قبل الصلاة لا لیلة‌ العید،‌اما لو بنی علی استحبابه تعین حمل قوله علیه السلام:«یوم الفطر» علی الاستحباب لوحدة السیاق.

و الحاصل ان الصحیحة‌تضمنت بیان حکم واحد مقیدا بقیدین احدهما «قبل الصلاة»و الاخر«یوم الفطر» لا لیلته، فاذا قامت القرینة الخارجیة و هی ذیل الروایة اعنی قوله:«قلت فان بقی منه شیی بعد الصلاة؟ قال:لا باس» علی ان الحکم المقید بالقید الاول(اعنی قبل الصلاة) انما هو الاستحباب فلا مناص عن ذلک بالنسبة الی القید الثانی ایضا فیکون المعنی ان اداء الفطرة فی یوم الفطر مستحب قبل الصلاة فلا ینافی ثبوت وجوبها من اللیل کما ذکره المتاخرون.

و اجاب عنه سیدنا الحکیم قده بما حاصله: انه لا مانع من التفکیک بین القیدین بالالتزام بالوجوب بالنسبة الی احدهما(ای یوم الفطر) عملا بالظهور الاولی للکلام و الالتزام بالاستحباب بالنسبة الی الاخر(قبل الصلاة) و اورد علیه بعض المعاصرین بما لانطیل الکلام فیه بعد عدم دلالة الصحیحة علی وقت الوجوب بل هما ظاهرة فی وقت الاداء.

و استدل ایضا للقول الثانی بخبر ابراهیم بن میمون و الایراد علیه مضافا الی ضعف السند، بظهوره فی الاعطاء و الاخراج مما لاینبغی التامل فیه. و بالجملة لم یقم دلیل علی کون مبدء الوجوب هو طلوع الفجر.

لکن بعض المعاصرین اصر علی دلالة روایتی معاویة ‌بن عمار المتقدمیتن علی کون مبدء الوجوب هو دخول لیلة العید کما اختاره الماتن و المتاخرون و اجاب عن المناقشة فی دلالتهما علی ذلک اما بالنسبة الی الاولی و هی الصحیحة‌ فبانها متضمنة لبیان ما هو العلة و المناط فی نفی الفطرة عمن لم یجمع الشرائط عند الهلال و هی قوله:«قد خرج الشهر» فلا محالة تکون دالة- بالدلالة العرفیة‌الواضحة- علی ثبوت الفطرة علی من لم تجر العلة‌ المذکورة فی حقه و مقتضی ذلک ثبوت الفطرة علی من کان جامعا للشرائط قبل خروج الشهر و لو آنا ما،‌فانه حینئذ تثبت الفطرة علیه بمقتضی التعلیل و علیه فالصحیحة دالة بالمدلول المطابقی و هو العقد السلبی علی نفی وجوب الفطرة لمن لم یدرک الشهر و بالمدلول الالتزامی المستفاد من التعلیل علی ثبوت وجوبها لمن ادرک الشهر و لو آنا ما.

و اجاب عن المناقشة فی الثانیة المعبر فی کلام الحکیم و هذا المعاصر بالمصححة بان ظاهر الروایة تعلیق الوجوب الفعلی للفطرة‌ علی ادراک الشهر بمعنی انه متی ما تحقق ذلک کان وجوب الفطرة فعلیا و هذا یقتضی کون مبدء الوجوب هو الغروب و الا لتوقفت فعلیته علی ادراک طلوع الفجر ایضا و هو خلاف ظاهر الروایة. وبهذا یظهر الجواب عن مناقشة سیدنا الاستاد بان غایة‌ ما دلت علیه المصححة (الضعیفة‌عند الاستاد)هو ثبوت الوجوب لمن ادرک الشهر لا کون مبدئه غروب الیوم الآخر من الرمضان لعدم کونها فی مقام البیان من هذه الجهة؛

وجه ظهور الجواب: ان هذا یتم لو کان مفاد الروایة شرطیة ادراک الشهر للوجوب فانه لاینافی شرطیة ‌شیی آخر کطلوع الفجر مثلا فلا یدل علی توقیت الوجوب بالادراک.

و اما اذا کان مفادها هو تعلیق فعلیة الوجوب علی الادراک لم یکن لهذا الکلام مجال و الظاهر المستفاد من الروایتین علیة درک الشهر لفعلیة الوجوب و بضمیمة التسالم علی عدم اعتبار الادراک الا قبیل الغروب من دون حاجة الی درک تمام الشهر او بعضه تدل الروایتان علی ان وقت الوجوب هو الزمان المتصل بالغروب لا مطلق زمان الادراک.

و بهذا یرفع التنافی بین هاتین الروایتین و صحیح الفضلاء عن الباقر و الصادق علیهما السلام:

«انهما قالا علی الرجل ان یعطی عن کل من یعول من حر و عبد و صغیر و کبیر یعطی یوم الفطر قبل الصلاة فهو افضل و هو فی سعة‌ ان یعطیها من اول یوم یدخل من شهر رمضان...»(ب12من زکاة‌الفطرة ح4)

فان مقتضی الجمع هو ثبوت وجوب الفطرة من اول شهر رمضان لکن مشروط بدرک اول غروب لیلة‌الفطر علی نحو الشرط المتاخر فتکون فعلیته مشروطة بدرک غروب لیلته مع استحباب اخراج الزکاة قبل صلاة العید.

اقول: الانصاف اتجاه هذا القول و قوة کون غروب لیلة‌الفطر مبدء فعلیة‌ وجوب الفطرة و ان ابیت عن دلالة‌الروایات علی احد القولین فمقتضی استصحاب عدم تعلق الخطاب الی زمان الیقین بحدوثه هو القول الثانی فان الوجوب مقطوع الثبوت حینئذ باتفاق الاصحاب بل لعله مستفاد من صحیحة‌العیص المتقدمة بناء علی کون«یوم الفطر» متعلقا بقوله«قبل الصلاة» ای قبل الصلاة‌ من یوم الفطر فان مبدء صلاة العید هو اول طلوع الشمس و قبلها بمعنی قبل طلوع الشمس و بضمیمة التسالم علی وجوبها عند الفجر ثبت ذلک.

ثم انه ذکر فی ثمرة‌ النزاع بین القولین ؛ فقد قیل: انها تظهر فیما لو مات بعد غروب لیلة‌العید جامعا للشرائط فعلی القول بکون مبدء الوجوب هو غروب لیلة‌الفطر یجب الاخراج من ترکته بخلاف القول الاخر لوقوع الموت حینئذ قبل تعلق الخطاب و حدوث الایجاب.

و ناقش فیه الاستاد علی ما اختاره من کون وجوبها حکما تکلیفیا محضا غیر مستتبع لضمان الذمة و عدم کون زکاة‌ الفطرة من قبیل زکاة‌ المال اختلفوا هذه الثمرة بداهة‌ سقوط التکلیف بالموت فلاتخرج عن ترکته.

نعم تظهر الثمرة‌ فی وجوب حفظ القدرة و عدمه لیلة‌ الفطر اذ علی القول یکون مبدء الوجوب هو الفجر جاز له تفویت امواله و جعل نفسه فقیرا عند طلوع الفجر کی لایکون مشمولا للخطاب آنذاک لعدم وجوب حفظ القدرة قبل تعلق التکلیف بخلافه علی القول بکون مبدء الوجوب هو الغروب لفعلیة التکلیف و تنجزه حینئذ و هو مانع عن تفویت القدرة فیجب حفظها للصرف فی الامتثال.

اقول: لو قلنا بفعلیة‌ الامر بالواجب المتاخر علی نحو الواجب المعلق بان کان وجوب الفطرة‌ ثابتا من اول اللیل لما بعد طلوع الفجر-کما هو الظاهر من صحیح الفضلاء- فالحال فی وجوب حفظ‌القدرة لدرک الملک هو الحال علی القول الاول.