درس خارج فقه استاد اشرفی

کتاب الزکاة

90/06/30

بسم الله الرحمن الرحیم

ملاك الفقر و الغنى

  كان البحث في مناط موضوع الحكم بجواز أخذ الزكاة، فكيف يمكن تعيين حد الفقر الذي جاز معه أخذ الزكاة؟ مر أن هنا أقوال:

  الأول و هو قول المشهور أن الفقير هو الذي لم يكن عنده مؤونة سنته

  و مر أن الروايات المتعددة دلت على ذلك منها ح 9 باب 24:

...فإن الناس إنما يعطون من السنة إلى السنة ، فللرجل أن يأخذ ما يكفيه ويكفي عياله من السنة إلى السنة.

  و ح 3 باب 28:

... على ثمانية أسهم للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ثمانية أسهم يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به سنتهم بلا ضيق ولا تقتير ، فإن فضل من ذلك شئ رد إلي الوالي ، وإن نقص من ذلك شئ ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا ( إلى أن قال : ) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم صدقات البوادي في البوادي ، وصدقات أهل الحضر في أهل الحضر ، ولا يقسم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطي أهل كل سهم ثمنا ، ولكن يقسمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم ( يغني ) كل صنف منهم بقدر سنته...

  و قال بعض المعاصرين بأن الفقر و الغنى من مقولة التشكيك و من أظهر مصاديقه من احتاج إلى مؤونته من اليوم و من كانت عنده مؤونة أسبوع، يصدق عليه أنه فقير في الأسبوع الآتية و من كانت عنده مؤونة شهر يصدق عليه أنه فقير في الشهر الآتي.

  و لذا قال المحقق الهمداني قدس سره: من كانت عنده مؤونة ستة أشهر أو ثمانية أشهر، بعيد أن يصدق عليه أنه فقير.

  أقول كل ذلك صحيح بل من كانت عنده مؤونة سنة واحدة يصدق عليه أنه فقير في السنة الآتية. و لكن الشارع المقدس قد حدد في تعريف الفقير بمن لم يكن عنده مؤونة سنته. و قد مر كلام السيد الأستاذ الخويي قدس سره بأن العرف أيضا يشهد بذلك لأن ما يكسب بالزراعة و الإجارة و نحوهما يحاسب في السنة على الأغلب.

  و بعض مثل صاحب المدارك احتمل أن الفقر و الغنى مشترك بحسب المفهوم، مشترك بين الشهر و السنة مثلا و لكن بحسب الشرع اختص بالسنة.

  و أما القول الثاني في بيان ملاك الفقر و الغنى هو أن المدار على وجوب الزكاة و عدمه؛ فمن كان مالكا للنصاب فهو غني لأنه تجب عليه الزكاة و من لم يكن مالكا للنصاب و جاز له أخذ الزكاة فهو فقير.

  استند لذلك بأدلة:

  الأول ـ روايات باب 1 من أبواب وجوب الزكاة من أن الله أشرك الفقراء في أموال الأغنياء و من المسلم أن عنده نصاب من الزكاة تجب عليه الزكاة فشارك في أمواله الفقراء فيصدق عليه أنه غني بحسب هذه الروايات. فإن نسبة بين الغنى و الفقر نسبة الملكة و عدمه فمن لم يكن بغني فهو فقير. فمن له النصاب فهو غني و من لم يكن غنيا فهو فقير.

  و تمسك بحديث ابن عباس:

...فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ...[1]

  و هذا المضمون قد تكرر في رواياتنا أيضا و الرمي بضعف السند لا يرد هذا القول الثاني.

  و لكن استشكل عليه السيد الأستاذ الخويي قدس سره: اولا بأنه ليست الملازمة بين وجوب الزكاة ( وجود النصاب ) و بين ثبوت الغنى؛ لأن أموال الأغنياء كثيرا ما لم يتعلق به الزكاة لأنها ليست من التسعة.

  على أن هذه الروايات ليس في مقام بيان الفقر و الغنى بل وردت لبيان ملاك كلي من أن في الإسلام نحو خراج للحكومة بعنوان الزكاة و مصارفها كذا و كذا من أصناف المستحقين للزكاة.

  الثاني ـ ما ذكره بعض المعاصرين من أنه لا يجمع بين وجوب الزكاة و جواز أخذ الزكاة فمن كان ماله على حد النصاب تجب زكاته و لا يجوز له أخذ الزكاة. فلا محالة من كان عليه الزكاة كان غنيا و ليس بفقير.

  و أجيب عن ذلك أيضا بعدم الملازمة لأن من قرض شيئا من الأجناس الزكوية تجب عليهم الزكاة و إن كانت ذمة المقترض مشغولة و لعل لشغل ذمته دخل في أصناف المستحقين من الغارمين.

  و النقض الآخر أن من اشترى زراعة قبل بدو الصلاح على الذمة ثم صار زرعه على حد النصاب بعد بدو الصلاح ثم تنزل القيمة فعليه وجوب إخراج الزكاة لبدو الصلاح و بعضا ما جاز له أخذ الزكاة لأن ذمته مشغولة و لم يتمكن من أداء دينه لكسر القيمة مثلا.

  الثالث ـ مما يستدل على هذا القول صحيحة باب 12 ح 5:

 ( 11930 ) 5 - وعنه ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة وابن مسلم قال زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام ( في حديث ) قال :

لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها ، وإن أخذها أخذها حراما .

  و استشكل اولا أن أربعون درهما ليس نصابا بل لعل المراد هنا 240 درهما

  الرابع ـ باب 8 ح 1:

 1 - محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي بصير قال :

سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يأخذ الزكاة صاحب السبعمأة إذا لم يجد غيره ، قلت : فإن صاحب السبعمأة تجب عليه الزكاة ، قال : زكاته صدقة على عياله ، ولا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمأة أنفذها في أقل من سنة فهذا يأخذها ولا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة .

  فكلمة «لا تحل الزكاة لمن عنده ما تجب فيه الزكاة» دلت على أن من تجب عليه الزكاة فهو غني و ليس بفقير و هذا هو الملاك في الفقر.

  و استشكل على ذلك بأن هذا لمن كان محترفا فمن كان ذا حرفة فهو غني لأنه قد تكسب في طول سنته لا من جهة أنه تجب عليه الزكاة بل لأنه محترف.

[1] ) صحیح البخاری: ج 2 ص 136 و سنن ابن ماجه ج 1 ص 568 .