درس خارج فقه استاد اشرفی

کتاب الزکاة

89/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: مستثنيات زكاة الغلات ـ الخراج

  مر البحث في أن الخراج على ثلاثة أنحاء:

  الأول ) أن تخرج حصة السلطان من نفس الزرع. أعني وضع السلطان حصته على نفس الزرع.[1]

  قال المحقق السيد الميلاني قدس سره: لم يسم ذلك بعنوان الخراج فيما حضر من كلمات الفقهاء كلام أحد بل هو المقاسمة، نعم يمكن أن يكون الخراج بحكمها.

  الثاني ) أن يخرج ما وضع السلطان من غير جنس الزرع من النقود مثلا.

  الثالث ) أن يخرج ما وضع السلطان من جنس الزرع لا من عينه بنحو ما في الذمة

  هذان القسمان الأخيران داخلان في مفهوم الخراج و لكن القسم الأول داخل في المقاسمة و لم يستعمل بعنوان الخراج على ما أفاده المحقق الميلاني من تتبعه في كلمات القوم.

  و لكن من هو متصدي مقدار الخراج؟ و من أين يخرج الخراج؟ هل من الوسط و في ما سواه يخرج الزكاة لو كان على حد النصاب أم لا، بل يجب إخراج زكاة الخراج أيضا؟

  قال بعض أن الخراج مثل أجرة العمل فكما لم يستثن ذلك عن الزكاة فكذلك الخراج فالخراج على عهدة الزارع و له زكاة مجموع ما حصل له من الأرض بعد المقاسمة. هذا ما قال به العلامة قدس سره و لكن مر تصريح المشهور قدس الله أسرارهم باستثناء الخراج عن الزكاة أيضا.

  و قد تقدمت أدلة الطرفين و المناقشات التي أوردهما الأستاد و غيره على ما استظهره المشهور من الروايات بحيث ادعى الإجماع على ذلك بل الظاهر من كلمات الشيخ و المحقق كون خروجه من وجوب الزكاة من المسلمات عندهم و إن ناقش المعاصرين في ظهور كلماتهم في الإجماع أو نفي الخلاف. فراجع زكاة العلامة المنتظري.

  و قد عرفت أن الحق مع القول المشهور لا ما استظهره السيد الخويي و السيد الميلاني بتبع العلامة قدس سرهم من أن الخراج على عهدة الزارع و لم يستثن من سهم الفقراء.

  مضافا إلى ما ادعاه الشهيد الثاني في المسالك و جامع المقاصد في دخول الخراج في حصة السلطان بل هو الظاهر من «قابلة الأرض» الواردة في بعض الصحاح حيث أن الخراج داخل في جملتها بل هو الظاهر من نفي الزكاة في صحيح رفاعة و روايتي أبي كهمس و سهل بن اليسع نفيها في خصوص خراج السلطان بل هو القدر المتيقن من نفيها مطلقا في تلك الروايات كما استظهره الشيخ الطوسي قدس سره و يوضح ذلك ما أفاده في التهذيب على ما سيأتي.

  يبقى إشكال سيدنا الميلاني قدس سره في أن الخراج لو كان بصورة النقود أو حصة من الزرع بصورة الكلي في الذمة ـ لا على الكلي في حاصل زراعة الزارع في الأرض ـ كان الأنسب أن يقول في صحيحتي أبي بصير و البزنطي «إنما عليهما العشر فيما يعادل حصصهم» أي ما يعادل حصتهم بعد الخراج لا في نفس ما يبقى تحت أيديهم بعد القبالة أو بعد ما قاطعك في حصصهم؛ حيث أنه على تقدير خروج الخراج من كيس الزارع ـ كما أفاده المحقق قدس سره ـ و كان الخراج بغير نفس الزرع لم يكن في نفس حصة الزارع زكاة بل الزكاة فيا يبقى عنده بعد إخراج ما يعادل الخراج فتأمل.

  ثم أنه ذكر المحقق الهمداني قدس سره كلام صاحب الحدائق و ناقش فيما ذكره من كلام الشيخ في التهذيب:

  قال صاحب الحدائق بعد نقل الروايات التي مرت في السابق من أن من أدى الخراج سقط عنه الزكاة مثل رواية أبي كهمس و رفاعة بن موسى و غيرهما ـ كأن الشيخ الطوسي قدس الله نفسه استظهر كلام أبي حنيفة من أن في الأراضي الخراجية سقطت الزكاة. و هذا مردود عند مشهور علماء العامة و الخاصة. فكأن الشيخ تمايل بكلام أبي حنيفة في هذه الروايات.

  و ذكر المحقق الهمداني قدس سره أنه لا يمكن استظهار ذلك من كلام الشيخ في التهذيب؛ لأنه بعد ذكر الروايات قال: المراد من هذه الروايات أن السهم الذي أخذه السلطان بعنوان الخراج لم يجب زكاته على مالك الزرع لا أن زكاة الزرع غير واجب مطلقا حتى فيما سوى الخراج.

  و الحق مع حاج آقا رضا لا ما استظهره صاحب الحدائق.

  التهذيب ج 4 ص 37 : قال الشيخ (المفيد في المقنعة) رحمه الله : ( وكذلك لا زكاة على غلة حتى يبلغ حدها ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص والجذاذ وخرج مؤونتها وخراج السلطان ) .

  ثم نقل الشيخ رواية محمد بن مسلم و أبي بصير عن محمد بن يعقوب:

عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انهما قالا له : هذه الأرض التي نزارع أهلها ما ترى فيها ؟ فقال : كل ارض دفعها إليك سلطان فما حرثته فيها فعليك فيما اخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما اخرج الله منها العشر ، إنما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك .

  ثم نقل الروايات الأخرى التي مرت مثل رواية رفاعة بن موسى و أبي كهمس التي نفيا وجوب الزكاة. ثم قال:

وما يجري مجرى هذين الخبرين فمقصور على الأرضين الخراجية لان الأرضين على ضروب ثلاثة ، أحدها : أن يسلم أهلها عليها طوعا فليس عليهم فيها أكثر من العشر ونصف العشر . وأرض قد انجلى عنها أهلها أو كانت مواتا فأحييت : فهي للامام خاصة فيقبلها من يشاء ويجب عليه أن يؤدي ما قبله الأرض به ويخرج من حصته بعد ذلك الزكاة العشر ونصف العشر . وارض اخذت عنوة بالسيف : فهي أرض المسلمين يقبلها الامام لمن شاء فعلى المتقبل أن يؤدي ما قبله به ويخرج بعد ذلك من حصته الزكاة العشر أو نصف العشر ، فيكون قوله عليه السلام لا زكاة على من أخذ السلطان الخراج منه يعني لا زكاة عليه لجميع ما أخرجته الأرض ، وإن كان يلزمه فيما يبقى في يده ، وسنبين فيما بعد ذلك إن شاء الله تعالى .

  ثم ذكر الشيخ رواية الصفوان و البزنطي في أقسام الأرضين بتفصيلها و ذكر أيضا مرسلة ابن بكير التي قدمنا ذكرها الظاهرة في عدم وجوب الزكاة على المتقبل إذا لم يشترط عليه الزكاة ثم قال:

فليس هذا الخبر منافيا لما ذكرناه لان المراد بقوله وليس على المتقبل زكاة انه ليس عليه زكاة جميع ما خرج من الأرض ، وإن كان يلزمه زكاة ما يحصل في يده بعد المقاسمة ، والذي يدل على ما قلناه الخبر الذي قدمناه عن محمد بن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في حديثه : وليس على جميع ما اخرج الله منها العشر وإنما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك ، فكان هذا الخبر مفصلا والخبر الآخر مجملا ، والحكم بالمفصل على المجمل أولى من الحكم بالمجمل على المفصل،...

  فينتج من ذلك كله أن كلام الشيخ ناظر إلى نفي الوجوب فيما أخذه السلطان بعنوان الخراج لا نفي الزكاة رأسا عن الأرض الخراجية ففي مقدار الخراج لم يجب الزكاة قطعا و هذا خلاف ما قال به السيد الخويي قدس سره من وجوب الزكاة على كل ما يحصل من الأرض على النحو الذي يشمل الخراج أيضا. فهذه الروايات النافية مؤيدة لقول المشهور. و الشيخ حملها بقرينة صحيح محمد بن مسلم و أبي بصير على نفي الزكاة في مقدار الخراج لا نفي الزكاة رأسا فتأمل.

[1] ) هنا بحث لابد من تنقيحه و هو أنه ما هو الأصل في المقام؟ هل المهم إخراج مالك الزرع من الزرع أو قيمته أو جنسه أم المهم هو ما وضع السلطان في تعهده بأن جعل حصته على نفس الزرع أو قيمته أو جنسه؟ و لعل هذا يرجع إلى هذا السؤال الأساسي من أن متصدي الخراج من هو؟