درس خارج فقه استاد اشرفی

کتاب الزکاة

89/08/03

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية

      بقيت نكتة أخرى في وجوب الفحص أشار إليها السيد الأستاذ الخويي قدس سره:[1]

      مر أنه لو بنينا على جريان البرائة على الدوام فهذا موجب لترك كثير من التكاليف و يوجب ارتكاب كثير من المحرمات و هذا سبب تنجز العلم الإجمالي في حقنا و لو حصل ذلك بالتدريج.

      توضيح ذلك:

      أنا علمنا أن العلم الإجمالي منجز للتكليف فالمخالفة القطعية لها محرمة و الموافقة القطعية لها واجبة و لو علمنا أن واحدا من العشر خمر وجب علينا الاجتناب من جميع الأواني و كذلك في ظهر الجمعة مع العلم بأن أحدى الصلاتين واجبة فالإتيان بهما واجب. فترك جميع الأطراف موجب لمخالفة قطعية و كذلك ترك واحد من الأطراف موجب للوقوع في الضرر ( أي العقاب ) المحتمل فلذا لزم علينا العمل بالعلم الإجمالي بحكم دفع الضرر المحتمل.

      و لو كانت المخالفة تدريجية مثلما إذا علم أن في كل الأسبوع ارتكب معاملة ربويا، هنا مبنائان و الأصح منهما أن العلم الإجمالي منجز في الدفعيات و التدريجيات بلا فرق بينهما فالاحتياط في أطراف التدريجيات أيضا واجب.

      و فيما نحن فيه أيضا لو بنينا على البرائة في كل شبهة موضوعية علمنا بترك بعض الواجبات و ارتكاب بعض المعاصي فالعلم الإجمالي منجز و لذا ليس لنا إجراء البرائة بصرف الوقوع في الشبهة الموضوعية.

      أجاب عن هذا الإشكال السيد الأستاذ و السيد الحكيم و السيد الميلاني قدس الله أسرارهم بأن العلم الإجمالي بالحرام أو الواجب المردد يحصّل لنا العلم بأن بعض هذه المواضع التي جرت فيها البرائة مخالف للواقع قطعا و لم يكن لأحد الإدعاء بأن تمام الموارد التي جرت فيها الأصل كان التكليف الواقعي موافق مع الأصل مثلا جريان أصل البرائة في النصاب في كل موارد الشك موجب للعلم بأن بعض المكلفين قد فروا من الزكاة بجريان الأصل مع أن أموالهم قدر النصب في الواقع، هذا مسلم، و لكن مع ذلك نحن غير المكلفين بتكاليف الغير بل كل مكلف يجب عليه مراعاة تكليف نفسه. و بعبارة أخرى بحكم العقل كل إنسان انجز التكليف في حقه بسبب العلم الإجمالي، يجب عليه الاحتياط و لكن لو كان العلم الإجمالي بين الفردين مثلما شك أن ثوبي نجس أم ثوب أخي فهنا ليس علي و لا على أخي الاحتياط.

      فلذا كما مر في الأصول أنه لو كان بعض اطراف العلم الإجمالي خارجا عن محل الابتلاء فليس هو بمنجز .

      نعم لو حصل العلم الإجمالي لشخص واحد عند إجرائه البرائة في كل مورد بوقوعه في مخالفة الواقع فهذا العلم الإجمالي له منجز و يجب عليه الاحتياط و لو في التدريجيات و عليه لا يتم هذا الدليل لوجوب الاحتياط في الشبهات.

الفرع الثالث من المسألة الثالثة

      هل الاختبار عند الشك واجب أم لا؟

      مر في رواية زيد الصائغ أنه مع العلم بقدر النصاب في المغشوش قال عليه السلام ما معناه أنه يجب السبك حتى خرج الخبيث ثم إخراج زكاة من الخالص. (باب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة)

      فالسيد الماتن قدس قال:

وفي وجوب التصفية ونحوها للاختبار اشكال ، أحوطه ذلك . وإن كان عدمه لا يخلو عن قوة .

      قلنا: الظاهر من كلام الماتن في المسألة الثانية وجوب الفحص لو كان له طريق غلى العلم بالنصاب، و عليه كان اللازم أن يقول في هذه المسألة بوجوب التصفية و الاختبار أو الاحتياط بإخراج الزكاة.

      ثم أنه هل فرق بين العلم بالنصاب و الشك في المقدار الزائد و بين الشك في أصل النصاب؟ هل الاختبار في كلاهما واجب أم لا؟

      حمل بعض رواية زيد الصائغ على العلم بالنصاب و الشك في المقدار الزائد.

      ذكر صاحب الجواهر قدس سره: بأن كثير من الفقهاء استفادوا من رواية زيد الصائغ أن وجوب السبك بعد العلم بالنصاب الأول ثم احتملت النصب الأخرى فهنا وجب السبك لأن أصل التكليف قد تنجز في حق المكلف ثم مع الشك وجب عليه الاحتياط لأنه علم بثبوت الواجب عليه.

      و أورد عليه بأن الأقل و الأكثر هنا استقلاليين فالنصاب الأول عشرون دينارا و الثاني أربعة أخرى و كذلك في النصب الآتية. و في الأقل و الأكثر الاستقلاليين يجري أصل البرائة لأنه شك في التكليف الجديد عن الثاني فلذا قالوا أن من شك له خمس صلوات أم ست صلوات فعليه قضاء الخمس.

      فهنا لو كان الاختبار واجبا في النصاب الأول فكذلك يجب في النصب الأخرى و لكن لو قلنا أن النصاب الأول لم يجب فيه الاختبار فلا موجب للقول بوجوبه في النصب الأخرى.

      و ذكر بعضهم أن أربعة و عشرين دينارا مثلا نصاب مستقل كالعشرين و هكذا أنصاب ثمانية و عشرين دينارا و نصاب مائتين و أربعين درهما بالنسبة إلى مأتين منه.

      و لذا احتمل بعض المعاصرين كون النصب من قبيل المتباينات لا الأقل و الأكثر فكل نصاب نصاب مستقل و لكن هذا الاحتمال بعيد جدا. فلذا كان البحث في أنه هل بمقتضى القاعدة، الاختبار واجب بلا فرق بين النصاب الأول و ساير النصب أم لا؟

      و نحن نقول بعد أن اعتبرنا رواية زيد الصائغ كان الاختبار واجبا بلا فرق بين النصب. نعم لو لم تعتبر الرواية فهل في البين دليل على وجوب التصفية و الاختبار؟ إن قلنا بعدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية لأنه من الشك في التكليف فلا موجب للفحص بلا فرق بين النصاب الأول أو ساير النصب فإن الاختبار بمنزلة الشرط للواجب فكما لو شككنا في شرط الواجب ليس الوجوب منجزا فالاختبار وجوبه شرطي كالاستطاعة للحج و لا إشكال في عدم وجوب تحصيله.

      و أورد عليه سيدنا الأستاذ قدس سره بأنه على تقدير القول بلزوم الفحص في المقام لاحتمال تنجز التكليف بالواقع فليس وجوب الاختبار وجوبا نفسيا أو غيريا حتى تجري البرائة بل هو وجوب طريقي للكشف الواقع المنجز و دفع الضرر المحتمل واجب عقلا فالوجوب الطريقي فيما إذا كان أصل التكليف منجزا و نحن نختبر لحصول العلم بجزئيات التكليف مثل وجوب أصل الصلاة و وجوب المراجعة إلى الرسالة العملية للعلم بأحكام الصلاة. فهنا لو قلنا مع إمكان تحصيل العلم حكم وجوب الزكاة منجز فهنا كان الاختبار واجبا طريقيا مثل أخذ الرسالة العملية في المثال السابق.