الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

34/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطلاق \ شروط صحة الطلاق \ حكم طلاق الثلاث
 قبل بيان ما قيل في الجمع بين هذه الاخبار وبيان صحة هذا الجمع من عدمه لا بد أن نذكر ان الاعلام اتفقوا على وقوع الواحدة فيما لو قال : انت طالق انت طالق انت طالق بدون رجعتين وأن النزاع محصور في قوله انت طالق ثلاثا
 وبما ان الخلاف وقع بين الأصحاب في هذه الصيغة بالخصوص فمن اللازم اولا تنقيح مفاد الاخبار فهل هي ظاهرة في خصوص الطلاق الثلاث ولاءً أو انها ظاهرة في خصوص الطلاق الثلاث مرسلة او انها مطلقة تشمل كلا النحوين .
 أصر صاحب المدارك: على ان النصوص الدالة على وقوع الواحدة ظاهرة في الثلاث ولاءً اي انت طالق انت طالق انت طالق .
 وقد استدل على ذلك: بان المتبادر من قوله طلق ثلاثا انه اوقع الطلاق بثلاث صيغ اذ لا يصدق عرفا على من قال سبحان الله عشرا انه سبح الله عشر مرات .
 وأيد ذلك بعضهم: بان التعبير في مجلس واحد او مقعد في بعض الاخبار يدل على ان ظاهرها الثلاث ولاء اذ فيها يتصور المجلس الواحد والمرسلة لا يتصور فيها تعدد المجلس فيكون القيد مستغنى عنه ولغوا .
 كما ان بعض الاساطين افاد ان ظاهر الاخبار المذكورة كون الطلاق الثلاث مرسلة وذلك لفهم الاصحاب الطلاق مرسلة من الاخبار وان الثلاث المرسلة هي التي وقع النزاع في حكمهما بين العامة والخاصة وكثرة الاسئلة فيها والاجوبة
 قال في الرياض: ( فحملها على خصوص الأخيرة بدعوى تبادرها من العبارة ليس في محله كيف لا ! واتفقت الخاصة والعامة على فهم الأولة أيضا من العبارة ، ولذا استدل بعض أصحابنا القائل بالقول الثاني بالأخبار الآتية المشابهة أكثرها لهذه المعتبرة في تأدية الثلاث المرسلة بتلك العبارة ولم يجب عنها الأصحاب بتلك المناقشة ، بل ردوها بمناقشات أخر تأتي إليها الإشارة . وكل ذا أمارة واضحة وشهادة بينة على اتفاقهم على فهم الثلاث المرسلة من تلك العبارة فالمناقشة المزبورة فاسدة البتة .
 كيف لا ! ولا قرينة لنا على وضوح الدلالة أوضح واضح من فهم علماء الطائفة ، بل هو أقوى القرائن المعتبرة المتمسك بها في تعيين الدلالة بالضرورة .
 ووجهه ما ذكرناه من كون الثلاث المرسلة مما وقع التشاجر في حكمها بين الخاصة والعامة ، وكثرة الأسئلة فيها والأجوبة .
 وبالجملة لا يخفى ما ذكرناه على ذي فطنة ودرية .
 الى ان قال هذا ، مع ما يظهر من تلك المستفيضة بعد ضم بعضها إلى بعض إرادة الثلاث المرسلة من تلك العبارة .
 ألا ترى إلى الخبر : عن رجل طلق ثلاثا في مقعد واحد ، قال : فقال : أما أنا فأراه قد لزمه ، وأما أبي فكان يرى ذلك واحدة قد اتقى ( عليه السلام ) فيه من العامة وحكم بلزوم الثلاث بتلك العبارة . ويظهر من بعض المعتبرة الواردة عنه ( عليه السلام ) أن الذي كان يتقي فيه العامة إنما هو الثلاث المرسلة خاصة .
 ففي الخبر : أن عليا ( عليه السلام ) كان يقول : إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثا في كلمة واحدة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما ولا رجعة ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن قال : هي طالق هي طالق هي طالق فقد بانت منه بالأولى ، وهو خاطب من الخطاب ، الخبر
 وهو صريح في أن اتقاءه ( عليه السلام ) إنما هو في المرسلة خاصة ، وأنها التي عليها العامة في تلك الأزمنة من الحكم بالبينونة ، وإلا لما كان التفصيل بين الصورتين إذا قالوا بعدمه في الثانية أيضا . واتحادهما في الحكم بالبينونة موافقا للتقية ) [1]
 وأيد بعضهم كلام هذا العلم بان التعبير بالمجلس الواجد لا يناسب الطلاق الثلاث ولاء لتعدد المجلس بتعدد الزمان بخلاف المرسلة فيصدق انها الطلاق الثلاث في مجلس واحد بكلمة واحدة او دفعة واحدة .
 وأفاد بعضهم كالشهيد الثاني وصاحب الجواهر وغيرهما ان الاخبار مطلقة شاملة لكلا القسمين فتصلح للتقييد لو كان هناك مقيد .
 قال الشهيد الثاني في المسالك ردا على الشهيد الاول: ( إن " من " من صيغ العموم فيتناول من طلق ثلاثا مرسلة وبثلاثة ألفاظ ، وقد حكم على هذا العام بوقوع واحدة فيتناول بعمومه موضع النزاع كما هو شأن كل عام ) [2]
 ولكن الانصاف: مع غض النظر عما ذكره الاعلام لتنقيح مفاد الاخبار الباب ان اخبار الباب مختلفة من حيث المفاد والظهور فبعضها يستفاد منه العموم لكلتا الصورتين كقوله عليه السلام في صحيحة ابي بصير " الطلاق ثلاثا في غير عدة ان كانت على طهر فواحدة وان لم تكن على طهر فليس بشيء " فان عبارة الطلاق ثلاثا صادقة على كلا الصورتين بلا تكلف وقد وردت في كلام المعصوم بحيث يستفاد منها الاطلاق وأن حكم الصورتين واحد وهو وقوع الطلقة الواحدة .
 وبعضها ظاهر في الثلاث مكررا كخبر ابن اذينة وفيه وان طلقها للعدة اكثر من واحدة فليس الفضل عن الواحدة بطلاق وغيره وبعضها ظاهر في الثلاث المرسلة كخبر الصيرفي وفيه طلق ثلاثا في كلمة واحدة وخبر علي بن اسماعيل وفيه طلق ثلاثا بكلمة واحدة وخبر هارون وفيه طلق ثلاثة في دفعة وخبر الكلبي وفيه من قال لامرأته انت طالق ثلاثا .
 والملاحظ ان ما هو ظاهره الثلاث المرسلة ورد في اخبار الدالة على البطلان من راس ما عدا خبر الصيرفي التي فرق الامام فيه بين المرسلة وبين المكررة فأبان المرأة في الاولى كما عليه العامة تقية واوقع الواحدة في الثانية اي المكررة .
 
 


[1] - رياض المسائل " الطباطبائي " ج 11 ص 63
[2] - مسالك الأفهام " الشهيد الثاني " ج 9 ص 94