الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

34/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطلاق \ صيغة الطلاق \ تخيير الزوجة
 كان الكلام فيما أجاب به الأصحاب على الأخبار الدالة على وقوع الطلاق بالتخيير وقلنا بأن الأصحاب حملوا الأخبار على التقية لأنها موافقة لأخبار العامة ولعدم امكان الجمع بينها
 إلا أن بعض العلماء اسقطوا هذه الأخبار عن الحجية من باب الإعراض منهم صاحب الجواهر
 قال في الجواهر: (بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا من ابني أبي عقيل والجنيد والمرتضى ، بل ظاهر ما حضرني من انتصار الأخير منهم عدم القول به ، فينحصر الخلاف حينئذ في الأولين ، وأما الصدوق فأقصاه أنه روى ما يدل على ذلك ، وقد رجع عما ذكره في أول كتابه من أنه لا يروى فيه إلا ما يعمل عليه ، كما لا يخفى على المتصفح له ، وعلى كل حال فهو من الأقوال النادرة المهجورة ، نحو ما سمعته من القول بوقوعه بقول : " اعتدى " أو نحوه من الكنايات ) [1]
 وقد تبعه على ذلك السيد الروحاني فقال في فقه الصادق: ( ولكنها لو لم تسقط بإعراض الأصحاب عن الحجية إذ لم يقل بمضمونها إلا ابن الجنيد وابن أبي عقيل إذ السيد المرتضى وإن نسب إليه ذلك إلا أن صاحب الجواهر بعدما راجع الإنتصار قال : إنه لا يقول به . وأما الصدوق فغاية ما هناك أنه روى ما يدل على ذلك وقد رجع عما ذكره في أول كتابه من أنه لا يروي فيه إلا ما يعمل به كما لا يخفى على المتصفح له فلم يبق إلا العلمان ولا يوجب عملهما بها عدم تحقق الاعراض الموهن كما لا يخفى ) [2]
 وفيه:
 أولا: أن ما ذكره من عدم افتاء السيد المرتضى بذلك في كتاب الانتصار صحيح إلا أنه لم يتعرض للمسألة أصلا لا نفيا ولا إثباتا لكنه في مسائل الشريف المرتضى ما يدل على اختياره
 قال في الرسائل: ( إن التخيير باطل لا يقع به فرقة وكذلك التمليك . وهذا سهو من قائله ، لأن فقهاء الشيعة الإمامية يفتون بجواز التخيير ، وأن الفرقة تقع به ، مشحونة به أخبارهم ورواياتهم عن أئمتهم عليهم السلام متظافرة فيه . وقد تبينوا في مصنفاتهم بقية هذا التخيير ، فقالوا : إذا أراد الرجل أن يخير امرأة اعتزلها شهرا ، وكان ذلك على طهر من غير جماع في مثل الحال التي لو أراد أن يطلقها فيها طلقها ، ثم خيرها فقال لها : قد خيرتك أو قد جعلت أمرك إليك ، ويجب أن يكون قولك بشهادة ، فإن اختارت نفسها من غير أن تتشاغل
 بحديث من قول أو فعل كان يمكنه أن لا تفعله ، صح اختيارها . وأن اختارت بعد تشاغلها بفعل لم يكن اختيارها ماضيا ، فإن اختارت في جواب قوله لها ذلك وكانت مدخولة وكان تخييره إياها عن غير عوض أخذه منها ، كانت كالمطلقة الواحدة التي هي أحق برجعتها في عدتها ، وإن كانت غير مدخول بها فهي تطليقة بائنة ، وإن كان تخييره إياها عن عوض أخذه منها ، فهي بائن ، وهي أملك بنفسها . وإن جعل الاختيار إلى وقت بعينه ، فاختارت قبله ، جاز اختيارها ، وإن اختارت بعده لم يجز - إلى أن قال - ولست أدري ما السبب في إنكار من أنكر المتخير للمرأة ، وهل هو إلا توكيل في الطلاق ، فالطلاق مما يجوز الوكالة ) [3]
 وبهذا يكون السيد المرتضى من القائلين بوقوع الطلاق باختيارها من دون أن تتلفظ بصيغة طالق ويكون من الطلاق الكنائي
 وعليه فالإعراض غير متحقق من المعظم
 ثانيا: لو سلمنا الإعراض فهو اعراض صناعي حيث أن الشيخ الطوسي حمل الأخبار على التقية أي إن عدم عمله بالأخبار كان صناعيا اجتهاديا ولا شك أن الإعراض إذا عرف وجهه أو احتمل وجه صناعي له فلا يكسر حجية الأخبار وعليه فالمتوجه عدم امكان الجمع بينها بحمل الأخبار الدالة على التقية كما لا يخفى وعليه فالصحيح هو عدم وقوع الطلاق بالتخيير كما عليه أكثر فقهاء الشيعة
 ( مسألة 1431 ): يشترط في صحة الطلاق عدم تعليقه على الشرط المحتمل الحصول أو الصفة المعلومة الحصول متأخرا فلو قال : إذا جاء زيد فأنت طالق ، أو إذا طلعت الشمس فأنت طالق ، بطل ، نعم إذا كان الشرط المحتمل الحصول مقوما لصحة الطلاق كما إذا قال : إن كنت زوجتي فأنت طالق ، أو كانت الصفة المعلومة الحصول غير متأخرة كما إذا أشار إلى يده وقال إن كانت هذه يدي فأنت طالق ، صح )
 ذكر السيد الماتن في هذه المسألة عدم صحة الطلاق معلقا على شرط محتمل الحصول أو مقطوع الحصول مستقبليا وصحة الطلاق معلقا على الشرط المقوم لصحة الطلاق ولو كان محتمل الحصول وصحة الطلاق معلقا على شرط محقق الحصول في الحال
 ذهب المشهور إلى عدم صحة وقوع الطلاق معلقا على الشرط وأن هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب
 قال في نهاية المرام: ( وادعى عليه ابن إدريس وجدي قدس سره في الروضة الإجماع ونسبه في الشرايع إلى قول مشهور مؤذنا بتوقفه فيه واستثى من الحكم ببطلان الطلاق المعلق على الشرط ما إذا كان الشرط معلوم الوقوع عند ايقاع اللفظ كما لو قال: أنت طالق إن كان الطلاق يقع بك وهو يعلم وقوعه لأنه لا تعليق في المعنى ) [4]
 وقال في الحدائق: ( قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه يشترط تجريد صيغة الطلاق من الشرط والصفة . بل ادعى عليه ابن إدريس كما نقل عنه الاجماع ، ومثله شيخنا الشهيد الثاني في الروضة ، فإنه قال بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : وهو موضع وفاق منا . وظاهر هم أن المستند فيه إنما هو الاجماع ، والظاهر أنه لذلك نسب المحقق في الشرائع الحكم المذكور إلى قول المشهور مؤذنا بالتوقف فيه والطعن في دليله . وظاهره في المسالك الميل أيضا إلى ذلك إلى أن قال - وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، وهو الأوفق بالاحتياط كما لا يخفى . والمراد بالشرط المعلق عليه هو ما يحتمل وقوعه وعدمه كدخول الدار مثلا ، وبالصفة ما لا بد من وقوعه عادة كطلوع الشمس ، وقد استثني من الحكم ببطلان الطلاق المعلق على الشرط ما إذا كان الشرط معلوم الوقوع عند إيقاع الصيغة كما لو قال : أنت طالق إن كان الطلاق يقع بك ، وهو يعلم وقوعه ، فإن الطلاق هنا يقع صحيحا حيث إنه لا تعليق في المعنى ، ونقل عن الشيخ أن الطلاق لا يقع لصدق تعليقه على الشرط ) [5]
 وقال الشيخ حسين آل عصفور في الأنوار: ( المشهور بين الأصحاب في الصيغة وشرائطها اشتراط تجريدها عن التعليق على الشرط وهو ما كان محتمل الوقوع وعدمه كدخول الدار وأكل الطعام والخروج منها وهكذا عند ما يعلَّق عليه الطلاق و كذا الصفة وهو ما يتحقق وقوعه كطلوع الشمس وغروبها مطلقا في يمين كان أو في غير يمين حيث أن التعليق عندهم يبطله . وحيث لم يقف على دليله المتأخرون ومنهم المصنّف تبعا لثاني الشهيدين في المسالك أنكروا هذا الحكم وتنظَّروا فيه و قالوا : لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة ولا إجماع و إن ادعى جماعة الإجماع عليه فليس بصحيح إذ لم يثبت ذلك الإجماع نعم هو مشهور بينهم وكثيرا ما يتسامحون في إطلاق الإجماع على مثل هذه الشهرة التي أصلها الشيخ ومن تأخّر عنه ) [6]
 وقال صاحب الجواهر: ( ويشترط في الصيغة تجردها عن التعليق على الشرط المتحمل وقوعه ، نحو " إن جاء زيد " و على الصفة المعلوم حصولها ، نحو " إذا طلعت الشمس " في قول مشهور ، بل لم أقف فيه على مخالف منا بل في الإنتصار والإيضاح والتنقيح والروضة ومحكي السرائر وغيرها الاجماع عليه ، وهو الحجة بعد ظهور نصوص الحصر ، ومنافاته لقاعدة عدم تأخر المعلول عن علته ، إذ السبب الشرعي كالسبب العقلي بالنسبة إلى ذلك إلا ما خرج بالدليل ، بل هو في الحقيقة من الشرائط المخالفة للكتاب والسنة والمحللة حراما إلى أن قال - مؤيدا ذلك كله باستصحاب بقاء النكاح ، وبغير ذلك مما سمعته في العقود التي لا ريب في أولوية الطلاق منها بعدم الجواز إلى أن قال - فمن الغريب بعد ذلك كله ميل ثاني الشهيدين في المسالك إلى الصحة )
 ثم ذكر ما استدل به صاحب المسالك على الصحة وأجاب عنه بقوله ( وهو كما ترى لا يرجع إلى محصل ينطبق على أصول الإمامية ، وإنما هو مناسب لخرافات العامة ، ولذا أطبقوا على الجواز فيه ، وملؤوا كتبهم من فروعه ، والحمد لله الذي عافانا من كثير مما ابتلى به خلقه ، ولو شاء لفعل ، وكان خلو نصوصنا من هذا الخرافات والحصر بالصيغة المنجزة للتعريض بهم ) [7]
 وذهب عامة فقهاء العصر إلى عدم صحة الطلاق معلقا على الشرط المحتمل حصوله وعلى الصفة المعلوم حصولها مستقبليا دون الحاصلة حين إيقاع الطلاق أو كان الشرط مقوما للطلاق وإن لم يعلم به الموقع لصيغة الطلاق إلا السيد صادق الروحاني فصحح الطلاق المعلق على الشرط المعلوم حصوله ولو متأخرا والسيد سعيد الحكيم الذي منع الطلاق المعلق حتى على الشرط المقوم لصحة الإيقاع بنحو الاحتياط الوجوبي


[1] - جواهر الكلام " الجواهري " ج 32 ص 68
[2] - فقه الصادق " الروحاني " ج 22 ص 423
[3] - رسائل الشريف المرتضى ج 1 ص 243
[4] - نهاية المرام " السيد العاملي " ج 2 ص 30
[5] - الحدائق الناضرة " البحراني " ج 25 ص 233
[6] - الأنوار اللوامع " الشيخ آل عصفور " ج 10 ص 293
[7] - جواهر الكلام " الجواهري " ج 32 ص 79