الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

34/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطلاق \ صيغة الطلاق \ الطلاق بالكتابة والإشارة
 قلنا بأن مقتضى الجمع بين صحيح ابي حمزة الثمالي الذي دل على صحة الطلاق بالكتابة بشرط الغياب وبين الصحيحين الدالين على عدم صحة الطلاق بالكتابة مطلقا ومقتضى الجمع حمل المطلق على المقيد وبالتالي التفصيل بين الحاضر فلا يصح طلاقه وبين الغائب يصح طلاقه إلا أنه مع ذلك ذكرنا أن المشهور ذكروا وجوها لعدم العمل بظاهر صحيح ابي حمزة
 الوجه الأول: ما ذكره في المختلف حيث قال: ( والجواب : إنه محمول على حالة الاضطرار ، وتكون لفظة ( أو ) للتفصيل لا للتخيير.
 لا يقال : هذه الرواية مختصة بالغائب ، والرواية الأولى مطلقة ، والمقيد مقدم .
 لأنا نقول : الغيبة والحضور لا تأثير لهما في السببية ، فإنا نعلم أن اللفظ لما كان سببا في البينونة استوى إيقاعه من الغائب والحاضر . وكذا الكتابة لو كان سببا لتساوي الحالان فيها ، مع أن في روايتنا ترجيحا بسبب موافقة
 الأصل وتأييدها بالنظر والشهرة في العمل ) [1]
 وخلاصة ما أفاده: أنه لا تأثير للغيبة والحضور في سبب الطلاق فالخبران متعارضان فيحمل الأخير على حالة الاضطرار وتكون أمر للتفصيل فكأنه يقول وإذا لم تستطع النطق فبالكتابة بيدك أو يطرح لموافقة الأولين للأصل وللشهرة في العمل
 وفيه:
 أولا: مع صراحة الصحيح في كون المطلق قادرا على النطق حيث قال: "اكتب يا فلان " فلا وجه لحمله على الاضطرار مع أنه جمع لا شاهد عليه
 ثانيا: مع وجود النص الدال على التفريق في السببية فإنه لا معنى لدعوى استواء الغيبة والحضور في سبب الطلاق فإنها دعوى بلا دليل مع أن دعوى عدم الفرق بينهما في اللفظ لا يعني التسوية في الكتابة أيضا
 ثالثا: إن موافقة الأصل ليست من المرجحات ولو سلم فهو في الخبرين المتعارضين لا في المطلق والمقيد
 الوجه الثاني: دعوى الحمل على التقية
 قال في الجواهر: إن صحيح أبي حمزة الثمالي قاصر عن مقاومة الأخبار الأولى من وجوه
 قال: ( المعلوم قصوره عن مقاومة ما تقدم من وجوه :
 منها: موافقة الصحيح المزبور للعامة الذين أوقعوا الطلاق بالكتابة كالكناية ، لأنها أحد الخطابين ، وأحد اللسانين المعربين عما في الضمير )
 وفيه: إن كون الخبر موافقا للعامة لا يسلب الحجية عنه إلا عند تعارض الخبرين على نحو لا يمكن الجمع بينهما كما لا يخفى
 الوجه الثالث: ما ذكره في الحدائق حيث قال: ( لا يخفى على المتتبع أن الذي عهد من الشارع في أبواب العقود والايقاعات والاقرارات ونحوها إنما هو الألفاظ والأقوال الدالة على هذه المعاني دون مجرد الكتابة ، ولهذا لم يجوزها أحد بالكتابة ، ويبعد اختصاص الطلاق بهذا الحكم لعدم ظهور خصوصيته له بذلك ، ويعضده ما ورد في بعض الأخبار إنما يحرم الكلام ، ويؤكده أيضا الحصر في أنت طالق المستفاد من الروايات المتقدمة حسبما تقدم تحقيقه ، فإنه كما يكون الحصر في هذه الصيغة موجبا لنفي ما سواها من الصيغ اللفظية فكذلك الكتابة ، لأنها عندهم من جملة الصيغ الموجبة للطلاق ) [2]
 وقد استدل صاحب الجواهر للمشهور بالأخيرين
 ويرد عليه:
 أولا: ما ذكره من عدم المعهودية من الشارع بالاكتفاء في العقود والايقاعات بالكتابة ويبعد اختصاص الطلاق بوقوعه بالكتابة غير تام بعد ورود النص الصحيح في باب الطلاق وصحة وقوعه بالكتابة بل اختص الطلاق بأمور في الصيغة غير معتبرة في سائر العقود والايقاعات بناء على ما ذكر المشهور من عدم صحة الطلاق بلفظ الماضوية واختصاصه بالجملة الاسمية بينما في سائر العقود والايقاعات غير العتق وما أشبهه اعتبر المشهور الماضوية في الصيغة
 ثانيا: إن ما ذكره من الاعتضاد والتأكيد لا ينفع في المقام بعد أن كانت أخبار الاعتضاد وأخبار التأكيد مطلقات قابلة للتقييد بصحيح أبي حمزة الثمالي
 مع أن في الخبر إنما يحرم الكلام كلاما مر في بحث البيع وقلنا هناك أنه يوجد عدة معاني محتملة لهذا التركيب ومع الاحتمال بطل الاستدلال مضافا إلى أن هذه الجملة التركيبية لم ترد إلا في رواية واحدة في سندها خالد بن نجيح على ما في الكافي وخالد بن الحجاج على ما في التهذيب وهذا الراوي غير موثق سواء كان خالد بن نجيح أو خالد بن الحجاج وإن قيل بوثاقة خالد بن نجيح لرواية صفوان عنه فانه غير مقبول كبرويا عندنا على أنه لا ينفع ذلك بعد التردد في الرواي فتأمل.
 والعجيب من صاحب الجواهر: الذي استدل به في المقام لإثبات حصر صيغة الطلاق باللفظ دون الكتابة فقد فسر الحديث بتفسير لا يناسب الاستدلال في المقام حيث أفاد أن المراد بالكلام هو الالتزام البيعي الذي هو مورد الخبر والمراد بالمحللية والمحرمية محللية الإيجاب للمبيع على المشتري والثمن على البائع ومحرمية المبيع على البائع والثمن على المشتري واطلاق الكلام على الالتزام شائع مثل ما يقال كلام الليل يمحوه النهار .
 والصحيح في الجواب أن يقال: أن رواية أبي حمزة غير حجة لإعراض المشهور عن العمل بها حتى أن الشيخ قد رجع عن ما ذكره في النهاية في خلافه مدعيا الإجماع على عدم صحة الطلاق بالكتابة
 والمتحصل هو عدم صحة الطلاق بالكتابة للقادر على النطق مطلقا وفاقا للمشهور وجميع مراجع العصر
 
 


[1] - مختلف الشيعة " الحلي" ج 7 ص 458
[2] - الحدائق الناضرة " البحراني" ج 25 ص 214