الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

33/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب النكاح \ النفقات \ أقسام النفقات \ نفقة الزوجة
 كان الكلام في الشرط الثاني للنفقة على الزوجة وسردنا قول فقهاء العصر وبقي عندنا الاستدلال على شرطية التمكين.
 الأدلة
 استدل القائل بشرطية التمكين التام بالإجماع
 قال صاحب الرياض: (واشتراط هذا الشرط مشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعا . مع أنا لم نقف على مخالف فيه صريحا ، بل ولا ظاهرا ، إلا ما ربما يستفاد من تردد المصنف في الشرائع ، واستشكال الفاضل في القواعد ) إلى أن قال: (وهو الحجة فيه بعد الأصل المؤيد ، بل المعتضد بظاهر الأمر بالمعاشرة بالمعروف ، الظاهر في اختصاص الأمر بالإنفاق بما يقتضيه العادة ، وليس من مقتضياته الوجوب إلا بعد التمكين كما هو المشاهد من أهلها ، فإنهم ينكحون ويتزوجون من دون إنفاق إلى الزفاف ، مع عدم اختلاف من الزوجات وأهلهن فيه مع الأزواج المستمرين على ذلك ولا نفاق . وربما يتخذ ذلك من المسلمين إجماعا ، ويجعل مثله وفاقا ، بل وربما يلحق بالضرورة قطعا ) إلى أن قال: (ومما يؤيد اعتباره أيضا بل ولا يبعد جعله دليلا ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ): أنه تزوج ودخل بعد سنين ولم ينفق )
 وأجاب عن دعوى عموم النصوص بقوله: ( فيمكن الجواب عنه أولا : بما مضى من الإجماع المحكي في الظاهر ، بل المقطوع به جدا وغيره . وثانيا : بعدم عموم فيه يشمل المتنازع جدا ، لعدم تبادره من الإطلاق ظاهرا ، وغايته الإجمال) [1]
 
 وحاصل كلامه دعوى إجمال النصوص فيقتصر على القدر المتيقن لأصالة البراءة عن الوجوب زائدا على القدر المتيقن بل دعوى أن النصوص ظاهرة في شرطية التمكين إذ المعروف بين الناس ذلك.
 ثم إن بعض الأعلام زاد على ذلك بأن العقد يوجب المهر عوضا ، فلا يوجب عوضا آخر ، وأن النفقة مجهولة ، والعقد لا يوجب مالا مجهولا فإذا الموجب لها هو التمكين .
  وما روي عنه صلى الله عليه وآله من قوله : " واتقوا الله في النساء ، فإنهن عواري عندكم اتخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " فإنه صلى الله عليه وآله أوجب لهن من الرزق والكسوة إذا كن عندهم وفي اختارهم فهي كالعارية بيد المستعير
 وفي الجميع نظر :
 أما الإجماع فهو كما ترى ضرورة عدم عد ذلك من الإجماع المحكي ولو سلم فهو محتمل المدركية.
 وأما آية الأمر بالمعاشرة بالمعروف وإن المعروف بين أهل الزواج ذلك
 ففيه:
 أولا: عدم ظهور الأمر في ذلك في اشتراط التمكين التام
 ثانيا: عدم اتفاقهم عمليا إلا بعد التمكين فبعد تسليم إنها كذلك في زمن المعصوم فهي أجنبية عن الاشتراط إذ لعله قائم على إسقاط حقها في الزمان الفاصل أو لاتفاق معين
 وأما ما روي عن النبي ص من عدم الاتفاق إلا بعد الدخول فمضافا إلى ضعفه لم نعلم كيفية عدم صدوره منه .
 وأما أن العقد لا يوجب عوضين فهو مجرد استبعاد لا مانع منه إذا قام الدليل عليه مضافا إلى ان النفقة أوجبها الشارع لعنوان الزوجية المتحققة بالعقد وبذلك ظهر اندفاع أن العقد لا يوجب مجهولا لأن النفقة بأمر الشارع بعد تمامية العقد وتحقق مقتضاه وهو الزوجية .
 وأما الخبر النبوي الآخر فمضافا إلى ضعف سنده لا دلالة له على اشتراط النفقة بكونهن عندكم كما هو واضح بأدنى تأمل .
 ومن هنا اعترف في الكشف بضعف الأدلة غير الأصل وكذلك جزم المحقق البحراني باختياره القول الآخر المقابل للمشهور .
 فتحصل إلى الآن عدم تمامية الدليل على اشتراط التمكين التام في وجوب النفقة .
 وأما الدليل على شرطية التمكين الواجب أو شرطية الإطاعة الواجبة والتي ترتفع بتحقق النشوز فيكون النشوز مفوتا للشرط لا أنه مانع فقد استدل صاحب الجواهر على شرطيته بعد اعترافه بعموم النصوص الدالة على وجوب الإنفاق على الزوجة
  فقال: (إن ظاهر النصوص المشتملة على بيان حق الزوج على المرأة - وأن منه أن تطيعه ولو كانت على ظهر قتب وأن تلبس أحسن ثيابها ، وتتطيب بأحسن طيبها ، وتعرض نفسها عليه كل غدوة وعشية وأن لا تخرج من بيته بغير إذنه وغير ذلك مما اشتملت عليه النصوص التي هي وإن كانت خالية عن ذكر اعتبار ذلك في النفقة ، إلا أنه قد يستفاد ذلك مما دل على سقوط نفقتها بخروجها من بيته بغير إذنه ونشوزها الذي هو مخالفة ما تضمنته النصوص الأولى المشتملة على بيان حقه عليها - كون النشوز مسقطا باعتبار تفويته الشرط الذي هو وجوب طاعتها وعرضها نفسها عليه ، وعدم خروجها من بيته بغير إذنه ، لا أنه مانع لوجوب النفقة الذي كان سبب وجوبها العقد مجردا ، كما هو واضح بأدنى التفات ، بل ربما يشم من قوله تعالى " الرجال قوامون على النساء ") [2]
 فأقصى ما يستفاد من نصوص الطاعة وحقوق الزوج أنه لا نفقة لها مع انتفاء الطاعة الذي يتحقق بالنشوز والتقصير في تأدية الحق .
 وزاد بعضهم على استدلال صاحب الجواهر بالخبر الوارد في تحف العقول عن النبي ص أنه قال في حجة الوداع : ( فإذا انتهين واطعن فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) [3]
 والجواب عن هذا يأتي إن شاء الله


[1] - رياض المسائل ج 10 ص 531
[2] - جواهر الكلام ج 31 ص 306
[3] - وسائل باب 6 من أبواب النفقات ح 2