الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

32/12/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب النكاح \ أحكام الأولاد \ حضانة الأم \ مسألة 1394
 كان الكلام في حق الحضانة للأم وقلنا أن الكلام فيه من حيثيتين حيثية الوجوب وحيثية الإسقاط وتحدثنا حول حيثية الوجوب
 وأما من حيث الإسقاط فكذلك المسألة غير محررة في كلماتهم عدا ما نقلناه في الحيثية الأولى من كلام الشهيد الثاني من أن الأصل في الحقوق قابليتها للإسقاط، وتبعه على ذلك صاحب الرياض وكذلك صاحب الجواهر في خصوص حق الأم، حيث قال: ( إن ظاهر الأدلة كون هذه الأحقية مثلها في الرضاع وحينئذ لا يكون واجبا عليها ولها إسقاطه والمطالبة بأجرته اللهم إلا أن يكون إجماعا ) [1]
 إلا أنه في خصوص الأب اختار عدم الإسقاط لقوله بأن الأب لو امتنع عن الحضانة أجبر عليها
 وأما فقهاء هذا العصر فذهب السيد الماتن تبعا للسيد محسن الحكيم إلى أن الحق الذي للأم يسقط بإسقاطها والحق الذي للأب لا يسقط بإسقاطه وكذلك الشهيد الصدر والسيد الهاشمي والسيد محمد الروحاني والسيد محمد صادق الروحاني والشيخ وحيد والشيخ الفياض مع تصريحه بأن الفرق بين الأم والأب بأن حق حضانة الأم تابع لأحقيتها للرضاع من غيرها فلذلك يجوز لها إسقاط هذا الحق وأما حق الحضانة الذي للأب أو الجد من قبل الأب فهو بمعنى الولاية على الطفل وهي غير قابلة للإسقاط بالاتفاق.
 وذهب السيد السبزواري تبعا لصاحب الوسيلة بأن حق الحضانة يسقط بالإسقاط سواء كان من طرف الأم أو الأب.
 ولم يتعرض الإمام الخميني قده لمسألة الإسقاط كما أنه لم يتعرض لها السيد الكلبيكاني والشيخ صافي الكلبيكاني، مع أن رسائلهم العملية كانت كتعليقة على الوسيلة وفي الوسيلة قد تعرض لمسألة الإسقاط من الأبوين صراحة، بل حتى النقل والانتقال بعوض أو بغيره ومع ذلك لا أثر لهذه العبارة في رسائل القوم، وهذا إن دل فإنما يدل على عدم قولهم بإسقاط حق الحضانة لا من طرف الأم ولا الأب، ومما يدل على ذلك أن هؤلاء الأعلام قد ذكروا في بحث لقطة الحيوان أن للملتقط حق الحضانة للقيط ولا يزاحمه غيره إلا من له حق الحضانة نسبا فله ذلك بل يجبر لو امتنع وهذا لا يناسب إلا القول بعدم سقوط حق الحضانة بالإسقاط بل يناسب الوجوب أيضا، وقد صرح السيد القائد بعدم سقوط حق الأم بالإسقاط، وأما السيد السيستاني فقال الحضانة كما هي حق للأم والأب أو غيرهما على التفصيل المتقدم كذلك هي حق للولد عليهم فلو امتنعوا أجبروا عليها وهل يجوز لمن يثبت له حق الحضانة أن يتنازل عنه لغيره فينتقل إليه بقبوله أم لا الظاهر العدم، نعم يجوز لكل من الأبوين التنازل عنه للآخر بالنسبة إلى تمام مدة حضانته أو بعضها.
 معنى الإسقاط:
 الإسقاط ليس معناه العفو كما قد يتوهم فإنه وإن كان يناسب السلطنة على الغير لكن لا يلاءم جميع الحقوق فإن منها حق التحجير الذي لا شبهة في إسقاطه مع أن السلطنة فيه ليست على الغير فإذا إسقاط الحق بمعنى رفع الإضافة الخاصة وإخراج المورد عن كونه طرفا للإضافة فإسقاط الحق إعدامه إنشاء فبنفس قوله أسقط حقي ينعدم الحق ولا يعود لأن الظاهر كون السقوط دائميا
 دليل قابلية حق الحضانة للإسقاط:
 استدل على ذلك أولا بفحوى ما دل على أن الناس مسلطون على أموالهم فإنه يقتضي السلطنة على حقوقهم بالأولوية وقد قرب الأولوية المحقق الاصفهاني بقوله: (تقريب الفحوى : أن المراد بالأموال المضافة إلى الناس ما أضيف إليهم بإضافة الملكية ، فإذا كانوا مسلطين على أملاكهم فهم أولى بأن يكونوا مسلطين على حقوقهم ، لأن من كان له السلطنة على الأقوى كان له السلطنة على الأضعف بنحو أولى ) [2]
 وناقش في ذلك المحقق الإيراواني فقال ( إن إثبات شيء للعلقة القوية أي علقة الملكية لا يقتضي ذلك للعلقة الضعيفة وهي العلقة الحقية، لإن إثبات شيء للقوي لا يستلزم إثباته للضعيف بل الحال بالعكس). [3]
 والجواب: أن المحقق الأصفهاني قد لاحظ السلطنة بلحاظ صاحب العلقة القوية فإذا كان صاحب العلقة القوية قادر على إزالتها فهو قادر على ازالة العلقة الأضعف والمحقق الإيرواني لاحظ في الإيراد نفس العلقة القوية وهي إذا اقتضت أمرا فلا يستلزم اقتضاء العلقة الضعيفة له، وهو مسلم، لكن ظاهر الحديث كما لاحظه الأصفهاني وهو إثبات السلطنة لصاحب العلقة القوية فتأمل.


[1] جواهر الكلام ج 31 ص 284
[2] حاشية المكاسب الأصفهاني ص 118
[3] حاشية المكاسب الايرواني كتاب الخيارات ص13