الأستاذ السيد یوسف الأرزوني

بحث الفقه

32/11/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الفقه \ كتاب النكاح \ أحكام الأولاد \ حضانة الأم \ مسألة 1388

 

كان الكلام في شرطية العدالة في الحاضنة وذكرنا أقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين عند المذهب الشيعي

وأما المذاهب الأربعة فقد ذهب جمهور الفقهاء عندهم إلى اشتراط عدم الفسق في الحاضنة

قال في مغني المحتاج في الفقه الشافعي : " ولا حضانة للفاسق لأن الفاسق لا يلي ولا يؤتمن ولأن المحضون لا حظ له في حضانته لأنه ينشأ على طريقته وتكفي العدالة الظاهرة كشهود النكاح " [1] .

وقالت الحنفية : " يشترط في الحضانة أمور ... ثانيها أن لا تكون فاسقة غير مأمونة عليه فإن ثبت فجورها بفسق أو سرقة أو كانت محترفة حرفة دنيئة كالنائحة والراقصة فإن حقها يسقط " [2] .

وقال في المغني : " ولا الفسق لأنه غير موثوق به في أداء الواجب من الحضانة ولاحظّ للولد في حضانته لأنه ينشأ على طريقته وفي عقد الجواهر الثمينة: ويشترط كون الحاضنة أمية إذ لا يوثق بالفاسقة " [3] .

مراجع العصر

وأم مراجع العصر فإنهم لم يشترطوا العدالة في الحاضن ولكن بعضهم اشترط كون الأم أمينة أو مأمونة على اختلاف تعبيرهم مع تصريح بعضهم بأن الزنا لا يوجب سقوط الحضانة. فمثلا السيد محسن اشترط المأمونية وتبعه على ذلك السيد الماتن والسيد محمد الروحاني والسيد صادق والسبزواري والشيخ إسحاق والشيخ الوحيد والسيد الشهيد الصدر. وعلق تلميذ السيد الماتن على قوله بأنه إذا عد إعطاء الطفل لأحد من الأبوين خيانة في نظر العرف فيسقط الحق وأما لو شك في ذلك فمقتضى القاعدة وجوب التسليم وعدم جواز نزعه.

وأما الإمام الخميني فلم يشترط إلا الحرية والإسلام والعقل وتبعه على ذلك السيد الكلبيكاني والشيخ المنتظري والشيخ صافي والسيد الهاشمي فيما لم يشترط الشيخ بهجت أي شرط ،وهذا لا يعني أنهم لا يشترطون الأمانة بالمعنى الخاص فلاحظ جواب السيد الكلبايكاني عن سؤال قال : ان الام اذا لم تقدر على حفظ الولد لاجل مرضها يسلب عنها حق الحضانة وقال ايضا:وان كان الرجل ذا اخلاق فاسدة لاجل تعويده بشرب الخمر والقمار فلا يستحق الحضانة ولا يجوز للام ان تدفعه لابيه. وقال الشيخ اللنكراني في جامع المسائل: يسقط حق الحضانة من المرأة اذا خيف من اخلاقها ان تضر بالولد.

هذا وقد اوضح السيد السيستاني هذا الشرط بقوله ان تكون مأمونة على سلامة الولد.

والحاصل ان جميع فقهاء هذا العصر لم يشترطوا العدالة.

.

أقول: مقتضى أدلة الحضانة هو الشمول وعدم الاشتراط لا العدالة ولا المأمونية فهو مطلق شامل للفاسق وغيره فللخروج عن الاطلاق لا بد من بيان الدليل المقيد.

ومما تقدم يظهر عدم صحة دعوى الإجماع على اشتراط العدالة في حضانة الوالدين. لذا لجأ من اشترط العدالة إلى التمسك بأن الحضانة استئمان ولا أمانة للفاسق، وأن الحضانة ولاية والفاسق لا يلي .

أقول: لا توجد قاعدة شرعية مفادها أن لا أمانة للفاسق كيف وقد ائتمن على نقل الأحكام وجعل خبره حجة إذا كان ثقة في الأخبار وكذلك أخبار ذي اليد من النجاسة والملكية وغيرها ولا حرج في التسليم إليه إذا لم يظهر منه الخيانة في الحفظ وأما أن الفاسق لا يلي

ففيه : أولا أنه متوقف على كون الحضانة ولاية

وثانيا: لا توجد قاعدة كلية فإن الأب ولي الصغير والصغيرة ولا يشترط فيه العدالة عند كثير وكذلك في الولاية على السفيه ومن هنا احتيج إلى دليل بخصوصه وهو غير موجود، بل السيرة قائمة على خلاف ذلك إذ لم يمنع النبي صلى الله عليه وآله ولا أحد من الأئمة عليهم السلام فاسقا من تربية ولده وحضانته ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة لكان بيان هذا للأمة من أهم الأمور واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدما على كثير مما نقلوه فالخروج عن العموم مجازفة.

وقد أجاب صاحب الحدائق عن ذلك بقوله: "لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة فإن الخروج عما ثبت شرعا لها من حق الحضانة بمثل هذه التعليلات لا يخلو من مجازفة على أنه من المعلوم الذي جبلت عليه الطباع حنو المرأة على ولدها وحرصها على القيام به واللطف به في جميع أحواله وحرصها على ما يصلحه وينفعه، وكيف مع هذا يتم ما قيل وربما خانت في حفظ الولد.؟ على أنه لو تم ما ذكروه من التخريجات لجرى ذلك في الأب أيضا وهو معلوم البطلان " [4] .

نعم ما نقض به صاحب الحدائق مردود فإن من يشترط العدالة فإنما يشترطه في الأم والأب معا.

هذا كله بلحاظ شرطية العدالة وعدم الفسق وأما شرطية الأمانة على سلامة الولد فلا يشك فيه إذ لا يعقل جعل حق الحضانة لمن لا يقوم بوظائفها ولعله من أجل ذلك لم يذكر هذا الشرط بعض المراجع لأن الأمانة على سلامة الولد هو نفس الحضانة والحق فلا معنى لاشتراطه. ومن هنا قال صاحب الجواهر " نعم لو ظهر عدم ائتمان المرأة على الولد أمكن حينئذ دعوى سقوطها وعدم شمول الاطلاق لها. من هنا يصح أن يقال إن في التكليف بالتسليم إليها مع إحراز عدم أمانتها حرجا وهو منفي بقاعدة لا حرج. لو تم الاطلاق لكنك عرفت عدم تمامية الاطلاق بهذا اللحاظ. وبعبارة أخرى إن حفظ الولد عن الأخطار واجب فلو لم تكن مأمونة يكون حفظه بعدم تسليمه إليها فتأمل.


[1] مغني المحتاج ج3 ص455.
[2] الفقه على المذاهب الأربعة.
[3] المغني بن قدامه ج9 ص297.
[4] الحدائق الناضرة ج25 ص93.