الأستاذ السيد یوسف الأرزوني

بحث الفقه

32/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الفقه \ كتاب النكاح \ أحكام الأولاد \ حضانة الأم \ مسألة 1388

 

الشرط الثالث : أن تكون عاقلة

اتفق الفقهاء قديما وحديثا على اعتبار العقل في الحاضنة سواء كانت الحضانة من قبيل الولاية أو لم تكن كذلك لأن المجنون يحتاج الى من يحضنه فكيف يحضن غيره

قال في الجواهر : " ولا حضانة أيضا للمجنونة التي لا يتأتى منها الحفظ والتعهد ، بل هي في نفسها محتاجة إلى من يحضنها ، بل في المسالك " لا فرق بين أن يكون الجنون مطبقا أو منقطعا إلا إذا وقع نادرا ولا يطول مدته ، فلا يبطل الحق ، بل هو كمرض يطرء ويزول "

وناقش صاحب الجواهر مناقشتين:

المناقشة الأولى : في الجنون الإدوري

فقال : " وفيه أن الأدواري وإن لم يكن نادرا لا يمنع جريان حكم المعاملة حال عدمه ، كما في نظائر المقام ، لإطلاق الأدلة "

وتقريب ذلك أن المعاملات التي تقع منه حال عدم جنونه تصح مع أنه يصدق عليه عنوان المجنون الإدواري فليكن في الحضانة كذلك .

المناقشة الثانية : في المجنون المطبق

فقال : " بل قد يقال إن لم يكن إجماعا : إن الجنون وإن كان مطبقا لا يبطل حقها من الحضانة وإن انتقل الأمر حينئذ في تدبير ذلك إلى وليها كباقي الأمور الراجعة إليها ، ولعله لذا ترك المصنف اشتراطه ، وكأن من اشترطه نظر إلى كون الحضانة ولاية ، والمجنون معزول عنها ، وقد عرفت ما فيه ".

وإن تعجب فعجب لمن اشترط عدم الجنون واستدل بقوله عليه السلام رفع القلم عن المجنون حتى يفيق إذ الكلام ليس في الإلزام وعدمه

وبما أن المسألة متفق عليه بين الشيعة والسنة فلا بأس باشتراطه والخروج به عن عموم الأدلة لا سيما أن إرجاع الأمر إلى ولي المجنون يحتاج إلى دليل عليه

الشرط الرابع: أن تكون مأمونة:

اختلفت كلمات الأصحاب في التعبير عن هذا الشرط فبعضهم عبر عنه بلفظ أمينة أو مأمونة، وبعضهم عبر عنه بلفظ العدالة، أو عدم الفسق، ولمعرفة مرادهم لا بد من ذكر كلماتهم في المقام

وللأصحاب كلام في هذا الموضوع في موضعين في باب التقاط الطفل في شروط الملتقط وفي باب حضانة الولد

كلام الفقهاء

قال في المبسوط : " وإن كان أحدهما عدلا والآخر فاسقا فالعدل أحق به بكل حال ، لأن الفاسق ربما فتنه عن دينه " [1]

وقال في موضع آخر : " وكل أب خرج من أهل الحضانة بفسق أو كفر أورق فهو بمنزلة الميت سواء"[2]

وقال ابن حمزة في الوسيلة : " وإذا فسق الأولى[3] سقط حقه منها إلى من هو أقرب إليه بعده " [4]

وفي تحرير الأحكام : " وهل تعتبر عدالة الملتقط ؟ قيل : نعم ، لأن الحضانة استئمان ولا يؤمن من ادعاء رقه ، فينتزعه الحاكم ويدفعه إلى ثقة .[5]

وفي القواعد : " ولا حضانة للمجنونة ، والأقرب عدم اشتراط عدالتها " [6]

وعلق فخر المحققين على كلام والده في بيان وجه الأقربية فقال : " أقول : وجه القرب أن الحنة والمحبة المعلولة للنسب علة في تمام الشفقة ( ولأنها ) حق ليست بولاية على ماله فلا يشترط فيه العدالة ( ومن حيث ) أنها أمانة فلا تناط بالفاسق " [7]

وقال في جامع المقاصد : " لا ريب في أن اشتراط العدالة أحوط " [8]

وعن الروضة في باب اللقطة: " ( وقيل ) والقائل الشيخ والعلامة في غير التحرير : وعدالته ، لافتقار الالتقاط إلى الحضانة وهي استئمان لا يليق بالفاسق ، ولأنه لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله " .[9]

وقال في مسالك الأفهام : " وخامسها : أن تكون أمينة . فلا حضانة للفاسقة ، لأن الفاسق لا يلي . ولأنها لا تؤمن أن تخون في حفظه . ولأنه لاحظ له في حضانتها ، لأنه ينشأ على طريقتها ، فنفس الولد كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شئ قبلته . وهذا الشرط لم يذكره المصنف ، وقد اعتبره الشيخ في المبسوط ، والشهيد في قواعده ، والعلامة في التحرير في ولاية الأب ، وفي القواعد استقرب عدم اشتراط العدالة عملا بعموم الأدلة " .[10]

وحاول ان يجمع بين من قال بعدم اشتراط العدالة وبين من اشترط عدم الفسق فقال : " ويمكن الجمع بين عدم اشتراط العدالة مع اشتراط عدم الفسق ، لثبوت الواسطة عند الأكثر ، ويجعل المانع ظهور الفسق ، لما يترتب عليه من الأخطار السابقة ، بخلاف غيره من المستورين وإن لم تظهر عدالته بالمعنى الذي اعتبره المتأخرون " .[11]

وتبعه على هذا الجمع السبزواري في كفاية الأحكام.

وعلق الفاضل الهندي على قول العلامة (والأقرب عدم اشتراط العدالة ) فقال : " ولا عدالة ، وإنما خصها لما عرفت : من أن الولد للأب " .[12]

ثم بين وجه القرب بما عن الإيضاح عن عموم الأدلة وعموم الإشفاق ثم قال ويحتمل الاشتراط كما في المبسوط والتحرير والجامع .

وقال في شرح النافع : " وهذا الشرط لم يعتبره المصنف ، وقد اعتبره الشيخ في المبسوط وجماعة منهم الشهيد في القواعد ، ولا بأس به لأن من لا أمانة لها ربما خانت في حفظ الولد ، ولأن في التكليف بتسليم الولد إلى غير المأمونة عسرا وحرجا فكان منفيا " .

وفي الحدائق : " الخامس ان تكون أمينة فلا حضانة لمن لا أمانة لها " [13]

ويظهر من كلام الحدائق أن هذا الشرط مختص بالأم فقط وذلك في قوله في معرض النقاش " ولو تم ما ذكروه في التخريجات لجرى ذلك في الأب أيضا وهو معلوم البطلان ولعل ترك هذا الشرط هو الأظهر " [14]

وعن التحفة السنية : " وإنما يثبت لها حق الحضانة حيث يثبت بشرط حريتهما وإسلامهما إن كان الولد محكوما بإسلامه وعقلهما إجماعا في الثلاثة إذ ليس من عداهم من أهل الولاية وزاد في المفاتيح اشتراط الأمانة وفسرها بعدم ظهور الفسق والوجه ما يستفاد من كلام سائر مشترطيها من أن المراد بها ما يؤمن معه من الخيانة في أمر الولد والتقصير في حفظه وهو مما يجامع ظهور الفسق كما لا يخفى" .[15]

وفي الجواهر : " وكذا الكلام في اعتبار العدالة التي من النادر حصولها في النساء باعتبار أن الفاسق لا ولاية له ، ولا يؤمن أن يخون في حفظه" إلى أن قال " نعم لو ظهر عدم ائتمان المرأة على الولد أمكن حينئذ دعوى سقوط حضانتها وعدم شمول الإطلاقات لها ، بل في كشف اللثام أنه لا شبهة في ذلك " .[16]

أقول : اتضح من هذا السرد أن الأمانة في كلماتهم لها معنيان معنى عام وهو العدالة ومعنى خاص وهو عدم التقصير في حفظ الولد وكل من يشترط العدالة يسلب حق الحضانة عن الأمينة بالمعنى الخاص دون العكس

كما أن شرط العدالة في الملتقط إنما هو لاستلزام الالتقاط الحضانة لوجود دعوى النسب وهذا غير موجود في حضانة الأبوين كما لا يخفى فلذلك قد يقال لا تلازم بين اشتراط العدالة في الملتقط واشتراطها في حضانة الأبوين ثم أنك قد عرفت أنه من لا يشترط العدالة لا يعني أنه لا يشترط الأمانة بالمعنى الخاص .

هذا ما عند علمائنا أما ما عند أهل السنة فيأتي


[1] المبسوط ج6 ص40.
[2] المبسوط ج6 ص43.
[3] الطبقة الأولى من الأرحام.
[4] الوسيلة ابن حمزة ص288.
[5] تحرير الأحكام ج4 ص449.
[6] قواعد الأحكام ج3 ص102.
[7] إيضاح الفوائد ج3 ص266.
[8] جامع المقاصد ج6 ص108.
[9] الروضة ج7 ص73.
[10] مسالك الأفهام ج8 ص424.
[11] نفس المصدر.
[12] كشف اللثام ج7 ص556.
[13] الحدائق الناضرة ج25 ص93.
[14] نفس المصدر.
[15] التحفة السنية ص296.
[16] جواهر الكلام ج31 ص289.