الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[ دعوی کون الرواية ضمن قاعدة المقتضي والمانع]

من الامور التي ینبغي ذکرها قبل الدخول في الصحيحة الثانية ما ربما یدعی بأنَّ الصحيحة الأولی وهي: « ولا ینقض الیقین بالشک» هي لبیان قاعدة المقتضي والمانع ولیست لبیان الاستصحاب.

بیانه: أنَّ الرواية قالت « فإنَّک علی یقین من وضوءک » فهي بيّنت جانب الیقین وشکّ في وجود المانع ومع الیقین بالشئ ووجود المانع؛ یؤخذ بالیقین و یأثر الیقین أثره فتکون داخلة في قاعدة المقتضي والمانع.

توضیح أکثر: أنَّ المسببات والمعلولات یتوقف وجودها علی وجود المتقضي والشرط وعدم المانع ؛ إذا أحرز المقتضي وأحرز الشرط ولم یحرز المانع أو لم یحرز عدم المانع فهنا لا نجزم بتحقق المسبب لأنَّ المسبب یتوقف علی تمامية أجزاء علتّه وهي الاجزاء الثلاثة .

فإذا وجد المقتضي ووجد الشرط، وشککنا في وجود المانع فهل نحکم بتحقق المقتضی – أي المسبب- أو لا نحکم بتحققه ؟ کما ذکرناه في المقدمة أنَّه لا یتحقق المقتضی، لأنَّ المقتضی یتوقف علی ثبوت الامور الثلاثة، ولکن الشارع – حسب هذه الدعوی- قال: إذا کان المقتضي متیقناً وشککت في وجود المانع فیمکنک أن ترتّب الأثر.

ویمکن أن یستفاد من هذه القاعدة في بعض الفروع الفقهية التي تذکر : مثلا: في باب الارث ؛ المقتضي للإرث هو کونه ولداً ، والمانع من الإرث هو الکفر تارة نقول: الاسلام شرط في الارث، وتارة نقول: الکفر مانع ، الآن بناءً علی أنَّ الکفر مانع – کما یذکر في الفقه- هنا المقتضي موجود والکفر مانع، إذا علمنا بأنَّ ولد هذا لمیت کان کافراً وتوفي الآن یعني قبل موته نجزم سابقاً بأنَّه کان کافراً الآن بعد موته شککنا هل أسلم أو لا زال علی الکفر؛ إذا قلنا بأنَّ الاسلام شرط فلابدّ من إحراز الشرط ولا نحرز لهذا الشرط فلا تتمّ شرائط الإرث، أما إذا قلنا بأنَّ الکفر مانع؛ فالمقتضي للإرث وهو الولدية موجودة ونشکّ في وجود المانع فعند الشکّ في وجود المانع نجري قاعدة المقتضي والمانع ویؤثر المقتضي أثره ونحکم بإرث هذا الولد من والده.

فعرفنا أنَّ الیقین یتعلق بالمقتضي ونشکّ في وجود المانع؛ في الرواية نجزم بتحقق المقتضي – وهو الیقین من الوضوء- والآن یشکّ في المانع – وهو النوم – فهنا الرواية تتحدث عن قاعدة المقتضي حیث أنَّ المقتضي موجود وهو العلم بتحقق الوضوء وشکّ في وجود المانع. فإذن علی هذا الفهم تکون الرواية أجنبية عن باب الاستصحاب.

[ الجواب لهذا الوجه ]

هذا القول یمکن الإجابة عنه: ما هو الفارق بین قاعدة الاستصحاب و قاعدة المقتضي والمانع؟

في الاستصحاب: یشترط أن یکون المتعلَّق واحداً ؛ أي متعلَّق الیقین ومتعلَّق الشکّ واحد ، وإنما الاختلاف بینهما في الحدوث والبقاء فبالنسبة إلی طهارة الثوب مثلاً ؛ علی یقین من طهارة الثوب یوم الجمعة في یوم السبت یشکّ: هل الثوب لازال طاهراً أو ارتفعت طهارته وتنجس؟ المتعلَّق في الیقین والشکّ واحد حیث أنَّ متعلق الیقین طهارة الثوب ومتعلق الشکّ طهارة الثوب ولکن الزمان أختلف ، متعلق الیقین طهارة الثوب في الزمن السابق – یوم الجمعة- متعلق الشکّ طهارة الثوب في یوم السبت فالزمان اختلف.

وأما في قاعدة المقتضي والمانع : الیقین یتعلق بشئ والشکّ یتعلق بشئ آخر فالمثال الفقهي الذي ذکرناه – علی فرض أنَّه یندرج علی ضمن قاعدة المقتضي والمانع- أنَّ الیقین تعلق بکونه ولداً والشکّ تعلق بکونه کافراً حین موت أبیه، فمتعلق الیقین غیر متعلق الشکّ. فمَن یدعي ویقول المقتضي متیقن نشکّ في وجود المانع إذن یؤثر أثره.

إذن قاعدة المقتضي والمانع تختلف جوهریاً عن الاستصحاب.

علیه نطبق هذا الاختلاف علی المورد؛ هل مورد الرواية یندرج في ضمن قاعدة المقتضي والمانع أو ضمن قاعدة الاستصحاب؟ في الوضوء « فإنَّه علی یقین من وضوءه» هناک إختلاف في الطهارة ولیس في الوضوء، في الطهارة التي أخرت شرطاً في الصلاة مثلا، هل هي الغسلات والمسحات؛ یعني أفعال الوضوء هي التي تسمّی طهارة، أو الحال الحادثة من الغسلات والمسحات والنتيجة الحاصلة بعد الغسلات والمسحات، هناک خلاف بین الفقهاء في ذلک.

علی القول بأنَّ الطهارة هي المعنی الثانية یعني هي النتيجة الحاصلة من الغسلات والمسحات، وکان المقصود من « فإنَّه علی یقین من وضوءه» هو هذه الحالة ؛ فهذه الحالة واحدة تعلَّق بها الیقین؛ فبعد أن توضأ وأتی بالغسلات والمسحات تحققت هذه الحالة وتعلق بها الیقین. والآن لمّا حرّک إلی جنبه شئ وهو لم یعلم، وشکّ في الانتقاض هذه الحالة ؛ متعلق الیقین هو هذه الحالة ومتعلق الشکّ ایضاً هذه الحالة؛ إذن متعلق الیقین و الشکّ واحد حیث أنَّ متعلق الیقین حدوث هذه الحالة المعنوية التي نسميها الطهارة، ومتعلق الشکّ بقاء هذه الحالة المعنوية التي نسمیها الطهارة.

إذن لا نتصوّر علی هذا المبنی، المورد یندرج علی تحت قاعدة المقتضي والمانع لأنَّ هناک لابدّ من أمرین تعلق الیقین بأحدهما وتعلق الشکّ بالآخر، بینما هنا تعلق الیقین والشکّ بشئ واحد وإنما اختلف من حیث الحدوث البقاء.

علی المبنی الآخر وهو الذي یستند إلیه صاحب هذا القول ؛ هو أنَّ الوضوء أمر متصرم عبارة عن الغسلات والمسحات ولیس أمراً ثابتاً، بل الوضوء أمر متصرم، بما أنَّه أمر متصرم، الآن صار الیقین بصدور هذا الامر المتصرم الذي هو مقتضٍ للطهارة، نفس هذه الحرکات مقتض للطهارة، ثمّ شکّ في وجود المانع من الطهارة وهو النوم، إذن یصوّر المقتضي بهذا التصویر: أنَّ المقتضي متیقن وهو أفعال الوضوء والمانع – النوم- مشکوک فیه؛ فالامام علیه السلام قال :« فإنَّه علی یقین من وضوءه» .

والجواب: أولاً: أنَّ المتعلق في المقام واحد وهذا یتناسب مع الاستصحاب ؛ لأنَّ الوضوء هو حالة مستمرة بحیث أتی هذه الافعال ولم یصدر منه ما یرفعها، بقرینة صدر الرواية حیث ورد :« الرجال ینام وهو علی وضوءٍ» قطعاً لا یقصد من هذا القول هو في حال غسل الوجه والیدین وإنما المقصود منه هذه الحالة المعنوية ولم یصدر منه شئ رافع، إذن المقصود من الوضوء هنا هو هذه الحالة المستمرة التي کان علی یقین بها، فیشکّ في بقاءها لأنَّه شکّ في النوم، والنوم سببٌ لإرتفعها وهو یشکّ في الطهارة والوضوء ومنشأ الشکّ هو السبب والنوم. فمتعلق الیقین هو الوضوء المستمر الذي یصحّ أن یقال عنه « الرجل ینام وعلی وضوء» ومتعلق الشکّ هو هذا نفسه: الوضوء المستمر هل ارتفع أم لم ینتقض. إذن متعلق الیقین والشکّ واحد، فیخرج عن باب المقتضي والمانع.

ثانیاً: التعبیر بالنقض في:«فإنَّه علی یقین من وضوءه ولا ینقض الیقین ابداً بالشک» قرینة علی اتحاد المتعلق، إذا کان متعلق الیقین هو المقتضي ومتعلق الشکّ هو المانع، الشکّ لا یرتبط بمتعلق الیقین حتی یقال لا ینقض الیقین، یعني الیقین تعلق بشئ و لازال یقینه به، والشکّ تعلق بشئ آخر. کما في المثال الفقهي الذي ذکرناه : حیث أنَّ الیقین تعلق بأنَّ هذا ولد المیت والشکّ تعلق بأنَّه کافر أو لیس بکافر، فتعلق الشکّ بالکفر لا یرتبط بالولدية حتی یقال « ینقض» بل النقض لابدّ أن یکون في شئ واحد، فالنقض تعلق بنفس ما تعلق به الیقین یعني بالشئ المحکم الذي تعلق الیقین هو یتعلق به النقض. فإذن الرواية تقول: « فلا تنقض الیقین أبداً بالشک» یعني الشئ الواحد الذي تعلق به الیقین لا تنقضه بالشک؛ فمعنی هذا لابدّ أن یتعلق بشئ واحد.

علی هذا نقول: بأنَّ قاعدة المقتضي والمانع لا مجال لها في الرواية؛ لأنَّ المستفاد من الرواية هو کون متعلق الیقین والشکّ واحداً وهذا ما یتناسب مع الاستصحاب حیث متعلقهما فیه واحد ولا یتناسب مع قاعدة المقتضي والمانع؛ لإشتراط أن یتعلق الیقین بالمقتضي ویتعلق الشکّ بالمانع. وهذا الوجه لا یصحّ في المقام.