الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[ نبذة ممّا تقدّم]

کان الکلام في الاشکال الوارد علی الاصوليين من تقدیمهم الاصل السببی علی الاصل المسببي وحکومة الاصل السببي علی الاصل المسببي بینما نلاحظ في هذه الرواية الشریفة أنَّ الامام علیه السلام عمل وبيّن جریان الاصل المسببي مع التمکن لجریان الاصل السببي؛ فالاصل السببي هو عدم تحقق النوم وأصالة عدم حصول النوم، والاصل المسببي هو أصالة البقاء علی الوضوء، وبینّا الجهة السببية ونضیف هنا: بأنَّ الاصل الجاري في عدم النوم هو اصل جار في الموضوع، والاصل الجاري في بقاء الوضوء اصلٌ في الحکم والاصل الموضوعي بالنسبة الی الاصل الحکمي یکون اصلاً سببیاً ویکون مقدماً علیه وذکرنا بعض الاجوبة في هذا الاشکال والمناقشة فیها.

[ جواب الشیخ الوحيد الخراساني في الاشکال]

من جملة تلک الاجوبة ما ذکره الشیخ الاستاذ حفظه الله وأعتبره هو الحقّ في الجواب و بیّن ذلک بأنَّ في الاصل السببي والمسببي توجد عندنا نتيجتان؛ النتيجة الاولی هي نتيجة علمية والثانية نتيجة عملية یعني أثر علمي وأثر عملي.

النتيجة العلمية؛ مثلاً الفقیه عندما یرید أن یفتي بالطهارة إذا یرید أن یجري استصحاب الطهارة لا تجري قاعدة الطهارة لعدم وصول النوبة لها؛ هذا أثر علمي إذ الفقیه في مقام الفتوی یمرّ بمراحل في الاستدلال و یقدّم الادلة بعضها علی بعض، إذا وجد الدلیل اللفظي ووجدت الأمارة لا ینتقل إلی الاصل العملي لأنَّ موضوع الاصل العملي عند فقدان الامارة، ومع وجود الدلیل اللفظي لا تصل النوبة إلی الاصل العملي ؛ وهنا استصحاب الطهارة وقاعدة الطهارة من حیث الاثر النهائي واحد، ولکن في مقام الفتوی عندما یرید أن یفتي یقول هنا نستصحب الطهارة؛ یعني نقول نحکم بالطهارة لأجل الاستصحاب لا نقول نحکم بالطهارة لأجل قاعدة الطهارة مع وجود أصل الاستصحاب. فهذا أعتبره أثراً علمیاً.

والنتيجة العملية: إذا کان المورد هو مورد استصحاب الطهارة ومورد قاعدة الطهارة یکون العمل واحداً، یعني إذا أعلم بطهارة الثوب سابقاً والآن شککت لأنَّه رأیت قطرة دم ولکن هل هي وقعت علی الثوب أو علی جانبه، وحیث أنَّ الحالة السابقة هي الطهارة أستصحب الطهارة، وإذا أجریت أصالة الطهارة – ولا الاستصحاب- نری أن الاثر واحد ولا فرق في النتيجة ؛ یعني أحکم بطهارة الثوب و یجوز لي أن أصلي فیه.

نعم، لو فرضنا أنَّ الاستصحاب في المورد منع منه مانع، هنا تصل النوبة إلی اصالة الطهارة بدون مانع؛ مثلاً أنَّ هذا الثوب مرّت علیه حالتان حالة الطهارة وحالة النجاسة، والآن أشکّ هل هو طاهر أو نجس؛ للشکّ في التقدّم والتأخر؛ من الواضح هنا لا أستطیع أن أجری الاستصحاب لأنَّه یعارضه استصحاب النجاسة أو لعدم المقتضي – علی خلاف بین الاصولیین في المبنی-، فبعد ذلک یمکن إجراء قاعدة الطهارة لأنَّه فعلاً أشکّ في طهارته و نجاسته و « کلّ شئ لک طاهر حتی تعلم أنَّه نجس».

علیه؛ نقول في الاصل الحاکم و المحکوم عندنا حالتان:

الحالة الاولی: أن یکون متخالفین؛ مثلاً استصحاب طهارة الماء نتيجته الحکم بطهارة الثوب المغسول به و استصحاب نجاسة الثوب – لأنَّه کان نجساً و شککنا في طهارته ونستصحب نجاسته- یعني الحکم بنجاسة الثوب؛ فهنا متخالفین في الحکم. ففي مثل هذا المورد إن لم نأخذ بالاصل الحاکم – الاصل الجاري في السبب- یلزم منه عدم العمل بالوظفية الشرعية ویلزم منه ایضاً نقض الغرض الشرعي عملاً؛ یعني الآن عملتُ باستصحاب نجاسة الثوب ویفترض لا یوجد عندي إلاّ هذا الثوب فکیف أصلي؟ إذا أعمل بأصالة الطهارة فأصلي فیه وإذا لم أعمل بها – وعلی مبنی مَن یقول الصلاة عاریاً لفاقد الثوب الطاهر – هنا ینقض الغرض الشرعي ولم أعمل بالوظیفة الشرعية. فإذا کانا متخالفین فعدم الأخذ بالدلیل الحاکم والأخذ بالدلیل المحکوم یلزم منه عدم العمل بالوظيفة الشرعية ونقض الغرض الشرعي.

الحالة الثانية: أما اذا کانا متوافقین؛ مثل ما تقدم المثال فیه : أصالة الطهارة و استصحاب الطهارة ؛ أنا عملتُ بأصالة الطهارة وصلیتُ في هذا الثوب ونفس هذه النتيجة تأتي إذا کنت أعمل باستصحاب الطهارة. في هذه الحالة العمل بالاصل المحکوم والتمسک به، مع وجود الدلیل الحاکم لا یلزم منه نقض الحکم الشرعي عملاً، ولا یلزم منه مخالفة الوظيفة الشرعية عملاً لأنَّ أثرهما واحد.

ویؤید ذلک رواية مسعدة بن صدقة التي عادة تذکر في بحث البرائة حیث قال علیه السلام فیها: «... حتی تستقین أو تقوم البینة» في هذه الرواية نلاحظ التمسک بالاصل المحکوم لأنَّه لو أمکن التمسک بقاعدة الید لا تصل النوبة إلی الاصل العملي والقاعدة مقدمة علی الاصل العملي وبالنسبة إلیه هي حاکمة علیه. ایضاً لو دار الامر بین الاستصحاب وقاعدة الحلّ ؛ فالاستصحاب مقدم علی قاعدة الحلّ وحاکم علیه.

لکن نلاحظ في أمثلة رواية مسعدة بن صدقة : یشتري الثوب ولعّله سرقة، هذا المورد ینبغي أن یتمسک بقاعدة الید ؛ یعني أنا ذهبتُ إلی السوق رأیتُ هذا الثوب عند البائع لو شککت في أنَّه یملکه أو لا یملکه؛ فأتمسکّ بقاعدة الید حیث أنها علامة وأمارة علی الملکية، بینما نلاحظ أنَّ الامام علیه السلام في الرواية لم یتمسک بقاعدة الید وإنما أجری قاعدة الحلّ. ایضاً في المثال الآخر في الرواية في المرأة التي نشکّ أنها أخته من الرضاعة؛ هنا أجری الامام علیه السلام قاعدة الحلّ مع أنَّ المورد مورد أصالة عدم الانتساب واستصحاب العدمي. لماذا؟

لأنَّه لا یوجد في المقام مخالفة عملية للوظيفة الشرعية ولا یلزم من إجراء الاصل المحکوم نقض للغرض الشرعي؛ ولکنّ الحَل في کلّ ذلک – في رواية مسعدة وفي رواية زرارة وکلّ ما یوجد اشکال تقدیم الاصل المسببي علی السببي- أنَّ السبب هو: من حیث الاثر العملي یتحد مع الاصل المسببي یعني إنما أجری الامام علیه السلام الاصل المسببي مع امکان إجراء الاصل السببي لکون الاثر واحداً في الاثنين فلا فرق بین أن یجري الاصل السببي أو أن یجري الاصل المسببي.

هذا ما أفاده الشیخ الاستاذ حفظه الله و بيّناه بشرحه و توضیحه.

[ ملاحظة فیما أفاده الشیخ الوحيد الخراساني]

ولکن هذا الجواب لا یجدي حسب ما قدمه الشیخ الاستاذ في مناقشة الوجه السابق، یعني أنَّ هذا الوجه بهذا التفصیل هو یرجع إلی الجواب السابق، ولیس شیئاً آخر ، في الجواب السابق قال بأنَّ قاعدة تقدیم الاصل السببي علی الاصل المسببي إنما تجري فيما إذا کان أصلان متخالفین – هذا ملخص الجواب السابق- وأما اذا کان اصلان متوافقین فلا محذور؛ فلا نقدّم الاصل السببي علی الاصل المسببي هذا الکلام الذي ذکرناه مع هذه التفاصیل هو یرجع في النتيجة إلی الجواب السابق، ولیس جواباً آخر. والاشکال الوارد علی الجواب السابق هو بعینه یرد علی هذا الجواب.

توضیحه: أنَّ الاصل السببي عندما یجري، یرفع موضوع الاصل المسببي ولا موضوع له بعد، وهذا الحکم حکمٌ عقلي لا یختص به مورد دون مورد؛ فینتفي موضوع الاصل المسببي بعد جریان الاصل السببي، فالمثال الذي ذکرناه سابقاً یتضح الحال فیه: عندما أجرینا استصحاب طهارة الثوب فلا شکّ عندي في نجاسة الثوب أو طهارته بل هنا أحکم بطهارة الثوب مباشرة ، الاستصحاب موضوعه الشکّ ، فبعد أن غسل هذا الثوب النجس بماء محکوم بالطهارة لا شکّ في نجاسته وطهارته وارتفع الموضوع – شکّ-، هکذا الحال فیما لو کانت الحالة السابقة للماء هي النجاسة، هذا الماء کان نجساً الآن وقع المطر لا أعلم أنَّ المطر وقع علی هذا الحوض أو لا، فأشکّ في الطهارة، استصحب نجاسة الماء؛ لما استصحبت نجاسة الماء غسلتُ الثوب النجس بهذا الماء المحکوم بالنجاسة، الآن هل حصل عندي شکّ في طهارة الثوب و نجاسته؟ لا شکّ عندي فرفع الموضوع تعبداً . ارتفاع الموضوع یقتضي عدم جریان الاصل وهذه قضیة عقلية فالنتيجة: موضوع الاستصحاب هو الشک ومجرد شمول أدلة الاستصحاب للاصل السببي یرتفع الشکّ المأخوذ موضوعاً في الاصل المسببي بالتعبد الشرعي ومع انتفاء الموضوع ینتفي المحکوم والحکم بالضرورة بلا فرق أن یکونا متوافقین أو أن یکونا متخالفین.

إذن هذا التفصیل الذي ذکره الشیخ الاستاذ حفظه الله فیه نظرٌ. فهذا الکلام لا یرفع الاشکال.