الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[ الفرق بین قاعدة الیقین والاستصحاب ]

من القواعد التي تحتاج الی بیان التفریق بینها وبین قاعدة الاستصحاب هي قاعدة الیقین. و هي تشترک مع قاعده الاستصحاب في انَّ المتعلق واحد؛ بمعنی انَّ الیقین في الاستصحاب یتعلق علی شئ حصل سابقاً، کما لو علمتُ بطهارة الثوب، فهنا الیقین تعلق بطهارة الثوب صباحاً والشک تعلق ایضا بنفس ما تعلق به الیقین یعني الشک تعلق بطهارة الثوب ولکن الشک تعلق بطهارة الثوب بقاءً بمعنی انَّ الیقینَ یقینٌ بحدوث طهارة الثوب والشک شکٌ في بقاء طهارة الثوب اما بالنسبة الی قاعدة الیقین، المتعلق وان کان واحداً -بمعنی انَّ الیقین في قاعدة الیقین ایضاً تعلق بطهارة الثوب والشک ایضاً في طهارة الثوب- ولکن الفرق انَّ الشک تعلق بطهارة الثوب في زمان الیقین.

مثلاً: انَّ الیقین تعلق بطهارة الثوب صباحاً، وشکّ في الظهر هل کان طاهراً في الصباح او لا؟، یعني لیس شکاً في بقاء تلک الطهارة، وإنما أشک هل الثوب صباحاً کان طاهراً ام لا، فالشکّ کما قیل هو شکٌ سارٍ أي: سری الشک الی نفس الیقین بحیث زال الیقین واقعاً في الصباح.

وأما في الاستصحاب الیقین لازال موجوداً ولکن الیقین یتعلق في وقت الصباح، یعني انا الان في الظهر علی یقین من طهارة الثوب صباحاً، هذا لازال موجوداً ولکن الشک هل لازال باقیاً علی الطهارة او لا. فزمان ما تعلق به الیقین غیر زمان ما تعلق به الشک. وأما في قاعدة الیقین الزمان هو نفسه، الشک تعلق بطهارة الثوب في الصباح الذي کان متعلقاً بالیقین، لهذا یقال «شکٌ ساري»، أي: سری الشک الی الیقین وأزاله.

وهذا له أمثلة کثیرة؛ مثلاً: کنتُ علی یقین بعدالة زید في یوم الجمعة، ویوم السبت شککتُ في بقاء عدالته الی یوم السبت، فهذا یکون مورد الاستصحاب، یعني لازلت کنتُ متیقناً أنَّ زیداً في یوم السبت کان عادلاً، ولکن لظهور بعض الأمور علیه یوم السبت ،شککت في عدالته یوم السبت.

وأما في قاعدة الیقین کنتُ علی یقین بعدالته یوم الجمعة وفي یوم السبت شککتُ في عدالته في یوم الجمعة هنا سری الشک إلی الیقین السابق.

من هنا اتضح الفرق بینهما.

لکن هنا لوجود الیقین السابق والشک اللاحق، بعض الاعلام أدرج قاعدة الیقین في ضمن أدلة الاستصحاب یعني «لاتنقض الیقین بالشک» کما تشمل الاستصحاب – الشک في البقاء – ایضاً تشمل قاعدة الیقین، فهذا ما سیأتي بحثه فیما بعد ان شاءالله تعالی .

[ کلام السید الشهید الصدر في المقام ]

هنا في هذا المقام ذکر السید الشهید الصدر قدس سره[1] نقطة لابئس بذکرها:

قال قدس سره:« و اما قاعدة اليقين فقد ذكروا ان فرقها عن الاستصحاب ان الأخير متقوم بالشك في البقاء بعد القطع بالحدوث ( مثلاً نقطع بعدالة زید یوم الجمعة و نشک في بقاءها یوم السبت) و اما قاعدة اليقين فيسري الشك فيها إلى نفس ما تعلق به اليقين أي المتيقن السابق و يصيره مشكوكا( ایضا کما قلنا، کان علی یقین بعدالة زید یوم الجمعة في یوم السبت شک في عدالة زید یوم الجمعة).»

ثمّ قال: « و هذا الفرق ( بین قاعدة الیقین والاستصحاب) صحيح و ان كان ينبغي تمحيصه بان الاستصحاب لا يتقوم بالشك في البقاء بل بالشك في شي‌ء فرغ عن ثبوته»

اتضح من خلال ذکر تعاریف السابقة من أنَّ الاستصحاب هو "ابقاء ماکان"، وعرفنا انَّ الشک في البقاء اعتبر مقوماً في الاستصحاب یعني یقین سابق وشک لاحق وهذا الشک یکون الشک في البقاء، السید الشهید هنا یقول هذا غیر تامّ؛ یعني صحیح انَّ الشک في البقاء هو الاستصحاب لکن لیس مقوماً للاستصحاب، المقوم للاستحصاب هو «الشک في شئ فرغ عن ثبوته»، مثلاً: شئ تیقنتُ بثبوته الآن أشک فیه، لا اشک في بقائه بل أشک فیه، هذا هو المقوم، یعني یقین سابق وشک لاحق ولکن لیس بالضرورة الاّ ان یکون الشک فی البقاء.

ثمّ قال: « و ثمرته تظهر فيما إذا علمنا إجمالا بحدوث شي‌ء اما الآن أو قبل ساعة و على تقدير حدوثه قبل ساعة يحتمل بقاؤه فانه هنا يجري الاستصحاب رغم ان الشك في البقاء ليس فعليا على كل تقدير، لأنه شك في ثبوت شي‌ء فرغ عن ثبوته و هو يكفي لصدق نقض اليقين بالشك»

توضیح ما افاده: مثلاً علمتُ بالطهاره فعلاً ولکن إما ان تکون هذه الطهارة حادثة قبل ساعة واحتمل انتقاضها واحتمل بقائها وإما ان تکون هي حادثة فعلاً، في مثل هذا المورد یقول نجري الاستصحاب، مع انّ الشک هنا لیس شکاً في البقاء؛ أنا لا أشک في بقاء الطهارة فعلاً وانما الشک في البقاء لیس فعلیاً والشک في البقاء علی تقدیر ان تکون الطهارة حادثة قبل ساعة، فالآن أشک في بقائها فاستصحب البقاء علی تقدیر الآخر أنها حادثة فعلاً، هنا لیس عندي شک في البقاء – التعبیر بالبقاء مختص بشئ الذي کان حادثاً من السابق- هنا التقدیر الثاني حدث فعلاً إما ان تکون الطهارة حدثت قبل ساعة علی هذا التقدیر أشک في بقائها استصحب البقاء وإما علی تقدیر حدثت فعلاً فلیس عندي شک في البقاء، في مثل هذا المورد نجري الاستصحاب، لأنَّه شک في ثبوت شئ فرغ عن ثبوته؛ شکٌّ في ثبوت الطهارة بعد الفراغ عن ثبوتها، هذا العنوان یتحقق فیجري الاستصحاب فلم یتحقق الشک في البقاء، هذا ما یظهر من کلامه قدس سره.

[ تأمل فیما أفاده السيد الصدر ]

في هذا الکلام لعله نتأمل و نضعه بین ایدیکم للتأمل: وهو : أنَّ الفرض الذي فرضه :" علمتُ إجمالاً بحدوث شئ -طبقناه علی الطهارة- إما الان حدثت الطهارة او قبل ساعة وعلی تقدیر حدوثه قبل ساعة یحتمل بقائها، والاستصحاب یتقوم بالیقین والشک -بغض النظر الان عن الحدوث و البقاء، هذا لا اشکال فیه حتی عند السید قدس سره؛ فالاستصحاب یتقوم بالیقین والشک، بمفاد: لاتنقض الیقین بالشک- نسئل: هل فعلاً عنده شک في الطهارة؟ بمقتضی کلامک انه لیس عنده شک في الطهارة، الشک في حدوث الطهارة، متی تحقق؟ هل حدثت الطهارة قبل ساعة او حدثت الان؟ حصل علم اجمالي بوجود الطهارة ولکن هل الطهارة التي حدثت من قبل ساعة فعلمُک مبني علی الاستصحاب، لأنک تشک في البقاء، او انَّ الطهارة حدثت فعلاً فعلمک بالطهارة یقین بنفسه. اذن نستطیع ان نقول بأنَّ فعلا لایوجد عندک شک في الطهارة، انت عندک یقین بالطهارة ولکن هذا الیقین بالطهارة ناشئ من علمک الوجداني بالطهارة او هو علمک المبني علی الاستصحاب -علی تقدیر ان تکون الطهارة حادثة قبل ساعة، فأنت هناک علی یقین سابق وشک لاحق- فانت تجری الاستصحاب في طرف الذي فیه یقین بالحدوث وشک في البقاء .

اذن ما افاده هنا لا یخلو من تأمل.

ثم قال : « نعم لو كان الشي‌ء اما ثابتا في الزمن الأول فقط أو في الزمن الثاني لم يمكن إجراء الاستصحاب لإثبات وجوده في الزمن الثاني لأن هذا الشك يرى عرفا مقوما للعلم الإجمالي»

اذا تردد الأمر إما الطهارة ثابتة في قبل ساعة او لا، هي ثابتة الان؛ هنا لیس مورداً للاستصحاب بل حصل هنا علم اجمالي، فحصل العلم الاجمالي بحدوث طهارة في وقتٍ ما، ولکن لا یعلم انها حدثت في الزمان السابق -یعني الان غیر موجودة-، او حدثت الان -وفي زمان السابق غیر موجودة- هنا لا یجري الاستصحاب هنا مقوم لعلم الاجمالي.

الان هذه النقطة الثانية لیست تحت نظرنا فعلاً، بل الکلام في الجهة الاولی التي کانت محل تأمل.

هذا من جهة التفریق بین قاعدة الیقین والاستصحاب.

 

[ ثمرة التفریق بین قاعدتي الیقین والاستصحاب]

ثمّ إنَّه نقول هل هناک ثمرة أو أثر لهذا الاختلاف بین قاعدتین؟ نعم یوجد بعض الآثار.

مثلاً لو تیقن بطهارة الثوب یوم الجمعه ثمّ تیقن بوقوع النجاسة علی الثوب یوم السبت، ثمّ في یوم الاحد شکّ في وقوع النجاسة یوم السبت.

عندنا ثلاثة أزمنة:

الزمان الاول: یوم الجمعة، تیقن بطهارة الثوب یوم الجمعة.

الزمان الثاني: یوم السبت؛ تیقن بوقوع النجاسة علی الثوب یوم السبت، یعني یفترض أنَّ الیقین السابق یوم الجمعة ارتفع بیقین، صار یوم السبت یقین بوقوع النجاسة علی الثوب.

الزمان الثالث: یوم الأحد؛ في یوم الأحد شک في وقوع النجاسة یوم السبت.

نجري قاعدة الیقین: تیقن یوم السبت بوقوع النجاسة علی الثوب في یوم الاحد شک في وقوع النجاسة علی الثوب، مثلاً یقول هل وقعت النجاسة علی الثوب او وقعت النجاسة علی الفرش؟ وأنا کنتُ متوهماً وأعتقد أنَّ النجاسة وقعت علی الثوب. فهنا تجري قاعدة الیقین .

الان لو اردنا أن نطبق القاعدتین، -یعني نجري قاعدة الیقین وقاعدة الاستصحاب-، فنقول: قاعدة الیقین في المقام تقتضي الحکم بالنجاسة یوم الاحد لأنَّ یوم السبت تیقنت بوقوع النجاسة علی الثوب، یوم الاحد شککت في وقوع النجاسة علی الثوب یوم السبت، اذا قلنا بجریان قاعدة الیقین وقلنا لا تنقض الیقین بالشک یشملها یعني الان یوم الاحد أحکم بنجاسة الثوب بأني کنت علی یقین یوم السبت من وقوع النجاسة والشک الان وان کان ساریاً لا عبرة به. فالنتیجة هي الحکم بنجاسة الثوب .

اما لو أجرینا قاعدة الاستصحاب، فأنا یوم الجمعة علی یقین من طهارة الثوب، یوم السبت علی یقین من تنجس الثوب، ولکن یوم الاحد زال هذا الیقین فانا الان فعلاً في واقعي أشک هل الطهارة التي کنتُ اتیقن بوجودها یوم الجمعة هل لازالت موجودةً، لأنَّ في الواقع یوم السبت لم تقع النجاسة علیها وإنما وقعت علی الفرش، أو طهارة الثوب ارتفعت لوقوع النجاسة علیه یوم السبت، فأنا فعلاً شاک، قاعدة الاستصحاب تقول: کنتُ علی یقین فشککتُ، أنا علی یقین بالطهارة یوم الجمعة، الان یوم الاحد فعلاً أشک هل تنجس الثوب یوم السبت ام لا یعني بقیت الطهارة او ارتفعت ؟ هنا استصحب بقاء الطهارة.

اذن هنا أثر هذا الاختلاف یعني لو قلنا بحجية قاعدة الاستصحاب وبحجية قاعدة الیقین في نفس الوقت: مقتضی قاعدة الاستصحاب؛ الحکم بطهارة الثوب ومقتضی قاعدة الیقین الحکم بنجاسة الثوب فیقع التعارض فنحتاج إلی الحل.

اما اذا قلنا بانَّ قاعدة الیقین اساسا لا تجري، فهنا الامر سهل، مثلاً کنتُ علی یقین سابق یوم الجمعة بالطهارة، الان یوم الاحد أشک في بقاء الطهارة، استصحب بقاء الطهارة و انتهی الموضوع.

هذا تمام الکلام المهم في بیان الفرق بین الاستصحاب والقواعد الثلاث.

[ أقسام الاستصحاب ]

یذکر في هذا المقام کالمقدمة «اقسام الاستصحاب»، و اقسام الاستصحاب ستبحث فیما بعد، مثلاً عندنا استصحاب عدمي عندنا استصحاب وجودي، عندنا استصحاب استقبالي: مثلاً انا فعلا اتیقن بالشئ وأشک في بقائه في المستقبل یعني مثلا الان المکلف علی یده جبیرة ولو اراد ان یتوضا، یتوضا بوضوء الجبیرة ولکن الی آخر الوقت یحتمل أن لا یحتاج إلی هذه الجبیرة فإذن یشک في البقاء فهل یستصحب استصحاب استقبالي او لا؟ فیأتي البحث عنه.

تارة الشک یکون في المقتضي و تارة في المانع، و هذا غیر قاعدة الشک في المقتضي والمانع، یعني انَّ ما علم حدوثه هل فیه قابلية البقاء او لیست فیه قابلية البقاء فإذا کان فیه قابلية البقاء فهنا نجري الاستصحاب اذا لم یکن فیه قابلية البقاء لا نجري الاستصحاب کما اختاره الشیخ الانصاري رحمه الله، مثلاً العقد المنقطع، لیس فیه قابلیة البقاء کالعقد الدائم حیث لیس في العقد المنقطع قابلية البقاء بل هو مدة محدودة و ینتهي بنفسه، اما القعد الدائم فیه قابلية البقاء ولکن یحتاج إلی رافع إذا حصل الطلاق ارتفع اذا لم یحصل الطلاق باقي، هنا یفصل بین الشک في المقتضي والشک في الرافع.

عدة من هذه الاقسام تأتي في ضمن مباحث الاستصحاب و البقية تأتي في التنبیهات؛ فلا حاجة الان الی ذکر هذه الاقسام.

سیأتي الکلام إن شاءالله تعالی في أدلة الاستصحاب.

 


[1] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص15.