الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة الإلزام:

الطائفة الثالثة من الروايات:

البحث في الرواية الأولى:

ذكرنا فيما سبق رواية جعفر بن محمد بن عبيد الله عن أبيه قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تزويج المطلقات ثلاثاَ، فقال: إن طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم وطلاقهم يحل لكم، لأنكم لا ترون الثلاث شيئاً وهم يوجبونها)

وقلنا بأن هذه الرواية الكلام في سندها، يوجد لها طريقان، الطريق الأول هو الذي ذكرناه للشيخ الطوسي (ره) والطريق الثاني للشيخ الصدوق (ره)، وبحثنا سنداً في طريق الشيخ الصدوق وطريقه كان هكذا الموجود في العلل: حدثنا محمد بن ماجيلويه رحمه الله عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن جعفر بن محمد الأشعري عن أبيه.

وذكرنا بالنسبة إلى محمد بن ماجيلويه يمكن توثيقه، إما من جهة ترضي الشيخ الصدوق عنه كما هو الأقوى في ذلك، وأما من جهة تصحيح العلامة لبعض الروايات التي كان هو في طريقها، وتصحيح العلامة وإن كان يعتبر من توثيقات المتأخرين، إلا أنه باعتبار يمكن أن نقبلها وبحثه مفصلاً في محله إن شاء الله.

أما محمد بن يحيى هذا لا إشكال في وثاقته، وأحمد بن محمد بن عيسى لا إشكال في وثاقته، الكلام في محمد بن جعفر بن محمد الأشعري، هو قال عن جعفر بن محمد الأشعري عن أبيه، الكلام في هذين الراويين، والكلام الآن في سند الشيخ الصدوق، الآن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه يشترك في السندان ولكن يختلفان كما سنلاحظ، الآن الشيخ الصدوق يقول: عن جعفر بن محمد الأشعري.

جعفر بن محمد الأشعري لا يوجد له توثيق، إلا ما ذكره الوحيد البهبهاني (ره) كما نقل عنه الشيخ البلاغي (ره)، قال: بأن الوحيد البهبهاني قال في تعليقته: (روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم يستثن روايته من رجاله، وفيه دليل على ارتضائه وحسن حاله بل مشعر بوثاقته، مضافاً إلى كونه كثير الرواية وقد أكثروا من الرواية عنه)

طبعاً هذا الوجه الذي أفاده الوحيد البهبهاني يشير إلى بحث مفصل في الرجال وهو مستثنيات كتاب نوادر الحكمة، فكتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى حدّث الشيخ الصدوق عن أستاذه محمد بن الحسن بن الوليد فكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني بعض الروايات أو بعض الرواة، فمن لم يستثنه ابن الوليد اعتبر ثقة، ومن استثناه فيعتبر ضعيف أو لا تقبل روايته، فصار هناك بحث في مستثنيات أو عدم المستثنيات، بعضهم قد يعبر استثناه القميون أو لم يستثنهم، ولكن الدقيق هو استثناء محمد بن الحسن بن الوليد فقط وليس من كل القميين، وابن الوليد يعتبر من الأكابر في علم الحديث والرجال والشيخ الصدوق يعتمد عليه اعتماداً كلياً كما هو يصرح بذلك.

المهم أن هذه الجهة إذا ثبتت عندنا أن مستثنيات كتاب نوادر الحكمة لا تقبل روايتهم ومن لم يستثنهم تقبل روايته، فهنا يشير الوحيد البهبهاني أنه روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم يستثني روايته من رجاله، طبعاً هنا الكلام في الواقع مجمل، يعني روى عنه في كتابه النوادر أو روى عنه مطلقاً؟ القاعدة على فرض قبولها هي ما استثناه ابن الوليد من كتاب النوادر، لا من مطلق مرويات محمد بن أحمد بن يحيى، هنا التعبير مجمل ولكن لعله يشير إلى هذه الجهة، بما أنه ممن روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى يعني روى عنه في كتاب النوادر ولم يستثنه ابن الوليد وهذا يدل على وثاقته، وهذا يبتني على تمامية الكبرى.

وأما بالنسبة إلى والده، وهو غير واضح من هو، لذلك قال البلاغي فإن كان أبوه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري فهو شيخ القميين ووجه الأشعريين، وإلا فلم يُذكر، فهنا غير واضح، فالنتيجة أنه لم يثبت من هو أبوه حتى لو صح جعفر بن محمد وكان ثقة على هذا الوجه الذي ذكرناه إلا أن أباه مجهول لا نعلم من هو فيكون طريق الشيخ الصدوق إلى هذه الرواية غير تامة.

أما طريق الشيخ الطوسي (ره) فهو الذي قرأناه، محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري عن أحمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن عبيد الله عن أبيه، إذا لاحظنا السند نجد أنه نفسه إلا أنه في سند الشيخ في الأخير أحمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن عبيد الله عن أبيه، إذا لاحظنا بقية السند نجده نفسه، ولكن جعفر بن محمد بن عبيد الله في طريق الشيخ غير جعفر بن محمد في طريق الشيخ الصدوق، لأن الشيخ في الاستبصار قال: عن جعفر بن محمد بن عبيد الله العلوي، هناك الشيخ الصدوق صرّح جعفر بن محمد الأشعري، إذاً هذا يفترق عن ذاك، وإن كان نفس الاسم ونفس السند، هل هذا فيه مجال للتأمل أن هناك اشتباه من أحدهما؟ على مقتضى الظاهر نقول فعلاً هذا طريق آخر غير طريق الصدوق.

الكلام أيضاً هنا في محمد بن عبيد الله الأب وأيضاً في جعفر بن محمد، فالكلام في كليهما.

بالنسبة إلى الأب محمد بن عبيد الله العلوي، فيمكن القول بوثاقته على مبنى وثاقة من يروي عنهم أحد المشايخ الثلاثة، لأنه روى عنه البزنطي، وعلى ما قربناه في بعض البحوث الرجالية السابقة أن من يروي عنه أحد المشايخ الثلاثة في الأحكام الشرعية الإلزامية وما يرتبط بها فهو من الثقاة، وهذا بحثناه في محله، فلا نقول بنحو الإطلاق بوثاقة كل من روى عنه الثلاثة، السيد الخوئي ينفيه على الإطلاق، فهو يقول: بما أننا وجدناهم يروون عن غير الثقاة فإذا لم نعلم من هو هذا فلا نثبت وثاقته بذلك، ولعله أيضاً الشيخ الوحيد حفظه الله يميل إلى هذا الرأي.

وهناك من قال بالوثاقة مطلقاً لمن يروي عنه المشايخ الثلاثة، ولكن الذي قربناه في محله وهو التفصيل، لأنه قد ينقل عن راوي في باب المستحبات أو التاريخ أو غيره هذا لا يدل على الوثاقة، لأن هذه الروايات في نفسها لا تتوقف فيها على وثاقة الراوي، فربما يروي هؤلاء المشايخ الثلاثة عن غير الثقاة في هذه الأبواب، أما إذا كان في المسائل الشرعية والإلزامية فهنا التثبت له مجاله فما يُنقل أنهم لا يروون إلا عن ثقة يمكن أن نحمله على خصوص الأحكام الإلزامية، وهذا شواهده وتفصليه في محله.

عليه: نقول: يمكن ثبوت وثاقة بن عبيد الله العلوي باعتبار أنه روى عنه البزنطي.

أما بالنسبة إلى الولد جعفر بن محمد بن عبيد الله العلوي، فهو لا يوجد فيه توثيق صريح، ولكن يمكن القول بوثاقته أيضاً من جهة على مبنى من يروى وثاقة رواة كتاب كامل الزيارات كما هو مبني السيد الخوئي (ره) السابق قبل الأخير، وهو ما يذهب إليه سماحة السيد المرجع الكبير محمد سعيد الحكيم حفظه الله، عليه: جعفر بن محمد بن عبيد الله من رواة كامل الزيارات فتثبت وثاقته على هذا المبنى.

أما من لا يرى هذا المبنى، فيمكن توثيقه من جهة أن الشيخ النجاشي في عدة موارد لما ينقل طريقه إلى بعض الكتب ينقل عن شيخه أبو الحسين محمد بن عثمان عن جعفر بن محمد ويعبر عنه بالشريف الصالح، مثلاً: في ترجمة الحسن بن علي بن أبي المغيرة، قال: وله كتاب مفرد أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان قال: حدثنا جعفر بن محمد الشريف الصالح، فعبر عنه بالشريف الصالح، وهذه العبارة نستفيد منها الوثاقة، وهكذا في ترجمة حذيفة بن منصور وترجمة داوود بن سرحان نفس الكلام، إذاً هذا الوصف يستفاد منه الوثاقة.

ولكن الكلام في أستاذ النجاشي وشيخه بأنه هذه الصفة لم تكن من نفس النجاشي وإنما هي من أستاذه، وأستاذه أنه لم يرد في حقه توثيق ولكن عندنا قاعدة أيضاً محل بحث وهي مشايخ الشيخ النجاشي هناك قول بوثاقتهم، لأنه في بعض الكلمات الصادرة منه يستظهر منها أنه لا يروي إلا عن ثقة، وهذا بحث مفصل، بحثناه في بعض البحوث.

فالسيد الخوئي (ره) يرى أنهم من الثقاة، وعلى هذا المبنى نستطيع توثيق جعفر بن محمد بن عبيد الله حتى لو لم نقل بوثاقة رواة كامل الزيارات.

ولكن التأمل في إطلاق القول بوثاقة مشايخ الشيخ النجاشي، وبحثه في محله، والنتيجة طريق الشيخ الطوسي لا يخلو من التأمل وإن كان يمكن القول بقبولها ولكن على تأمل.

وأما جهة المتن:

فرواية الشيخ تختلف بنحو من الأنحاء عن رواية الشيخ الصدوق، فالشيخ الطوسي قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تزويج المطلقات ثلاثاَ، فقال: إن طلاقكم لا يحل لغيركم وطلاقهم يحل لكم، لأنكم لا ترون الثلاث شيئاً وهم يوجبونها)

الشيخ الصدوق قال: (إن طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم وطلاقهم يحل لكم) فهنا الفرق كلمة (الثلاث) وإن كان السؤال عن المطلقات ثلاثاً، ولكن الشيخ الصدوق صرح بكلمة الثلاث.

أما من ناحية الدلالة:

نقول: بأن الرواية بحسب ظاهرها تدل على أن المؤمن العارف إذا طلق زوجته بالطلاق الثلاث فطلاقه لا يحل للعامة لعدم رؤية الإمامية صحة هذا الطلاق، فطلاقه ليس بشيء لا يعتبر بائناً، وأما طلاق العامي ثلاثاً فمطلقته تحل للمؤمن لأنه يرى صحة طلاقه ثلاثاً.

فالرواية بحسب هذا الظاهر هي تطبيق لقاعدة الإلزام في باب الطلاق، فالإمام طبق قاعدة الإلزام عليهم في باب الطلاق، فقوله يحل لكم لأنهم يرون صحته هذا تطبيق لقاعدة الإلزام، ولكنه في باب الطلاق، فنقتصر على هذا المقدار، إلا أن نستفيد ما احتمل سابقاً من أنهم عليهم السلام يفتون بأصول عندهم والأصل هو قاعدة الإلزام طبقه الإمام عليه السلام على هذا المورد، فيمكن من هذه الجهة التعدية عن باب الطلاق، ويؤيد ذلك نفس التعليل، لأنكم لا ترون الثلاث شيئاً.

هذا ما يمكن أن يستظهر من هذه الرواية، فلو صحت الرواية من حيث السند نقول هي تامة من حيث الدلالة بالتقريب الذي ذكرناه.

هذا ولكن بعض أعاظم المعاصرين أيده الله وحفظه، احتمل احتمالاً آخر في الرواية، وملخصه: أن هذه الرواية مفادها قاعدة أخرى وقانون آخر وهو قانون الاحترام المتبادل فيما لو كان المجتمع مبتني على التعايش السلمي، فلهذا قال: (والحلية في المورد من الممكن أن تكون على أساس قانون آخر غير قانون الإلزام وهذا القانون هو قانون الاحترام المتبادل فيما إذا كان بناء المجتمع المتشكل من الأديان والمذاهب المختلفة على التعايش السلمي، فإن ذلك يستدعي احترام كل من الأطراف قانون الآخر، فمن الممكن أن يكون هذا الحكم من أجل تغاير الفرق وامتياز بعضها عن بعض الذي وصل إلى الكمال في زمان الإمام الرضا عليه السلام) بمعنى أنه في زمانه استقرت المذاهب، فكان في السابق مذاهب كثيرة، وبعد ذلك استقرت على أربعة مذاهب بسبب الحركة السياسية التي سببها المنصور لما ألزم بفقه مالك، فيما بعد خلفاء بني العباس ثبتوا المذاهب الأربعة، وفي زمان الإمام الرضا عليه السلام كأنه تثبتت هذه المذاهب عندهم، فيقول هذه الرواية يمكن أن تحمل على هذا المعنى قانون احترام الآخرين لأجل التعايش السلمي هم يرون صحة الطلاق ثلاثاً لهذا نحترم ما هم عليه ونعمل على طبقه بالنسبة لهم.

في هذا الوجه لعل هناك شواهد يذكرها مثلاً: في رواية شاهد على أصل الدعوى، الرواية في الفقيه، (سأل العلاء بن رزين أبا عبد الله عليه السلام عن جمهور الناس فقال: هم اليوم أهل هدنه ترد ضالتهم وتؤدى أمانتهم وتحقن دماؤهم وتجوز مناكحتهم وموارثتهم على هذا الحال) يقول: والرواية صريحة في لزوم احترام أموالهم ودمائهم وأنكحتهم إلى غير ذلك في زمان الهدنة، ولعل لازم ذلك ... إلى آخره.

نقول: هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر الرواية، وسبب بعده، نقول: إن قانون الاحترام يكفي أن يُمضى بالنسبة لهم، وعلى حسب مذهبهم، بما أنهم يرون ذلك هم وشأنهم نحترم رأيهم، ونحن نتعامل معهم أن هذه زوجته وهذه مطلقته فلو أحدهم طلق زوجته بالثلاث وبانت منه في نظرهم وتزوجها الآخر منهم نحن نعتبرها زوجته، هذا قانون الاحترام، ولكن قانون الاحترام لا يسوّغ لنا أن نتزوج هذه المطلقة التي نرى أنها لم تبن من زوجها، فهنا تعبير الإمام عليه السلام إن طلاقكم لا يحل لغيركم وطلاقهم يحل لكم، فهنا يجوز الزواج منهم ، هل قانون الاحترام يسوّغ أنه يجوز لنا أيضاً إذا لم يكن من باب الإلزام فقط من جهة قانون الاحترام؟

التعايش السلمي يكفي فيه أن نقول له طلاقك صحيح على مذهبك وهي زوجة فلان، كما يقال: لكم دينكم ولي دين، أما هذه الرواية أباحت الزواج منهم، فجواز الأخذ منهم بالنسبة للمؤمن لا يرتبط بالاحترام، فحمل الرواية على قاعدة الاحترام لا يخلو بعده، فالرواية إلى الآن نستفيد منها ما استظهرناه.