الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة الإلزام:

الطائفة الثانية من الروايات:

الرواية الثالثة:

كان الكلام في الطائفة الثانية من الصنف الأول، وهي التي فيها مادة الإلزام من دون أن يكون فيها هيئة الإلزام، بمعنى أن فيها لزوم لا إلزام، وذكرنا الرواية التي تقول: (من كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم) ونقلنا أيضاً من هذه الطائفة روايتين.

الرواية الأولى التي رواها الشيخ وبينا أن في سندها الحسن أو الحسين بن أحمد المالكي وعبد الله بن طاووس وكلاهما لم تثبت وثاقتهما، وإن حاول غير واحد إثبات الوثاقة ولكن لم تظهر الوثاقة.

والرواية الثانية رواها الشيخ الصدوق بعنوان قال: وتقدم الكلام فيها.

في الوسائل بعد أن نقل هذا المقطع من الرواية التي ذكرها الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق ذكرها لوحدها (من كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم) صاحب الوسائل الحر العاملي (ره) بعد أن نقل هذه الرواية قال: محمد بن علي بن الحسين في عيون الأخبار ومعاني الأخبار والعلل عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن جعفر بن محمد الأشعري عن أبيه عن الرضا عليه السلام: مثله.

ولكن بعد التتبع لم نرَ أن الشيخ الصدوق نقل هذا المقطع لوحده كرواية مستقلة في كتاب العيون وال في كتاب معاني الأخبار ولا في كتاب العلل، والله العالم، فالذي يظهر أن السند ذكره صاحب الوسائل في المقام اشتباهاً، وإنما هذا السند لإحدى الروايات التي سيأتي ذكرها بعد روايتين في الطائفة الثالثة هذا السند بنفسه ذكره الشيخ الصدوق في الفقيه وفي العيون وفي العلل، فالظاهر أن الإتيان بهذا السند في هذا المورد لا يخلو من اشتباه، ومن أحب أن يتابع في الوسائل الطبعة الجديدة المجلد 22 الصفحة 75، تعليق على الحديث العاشر، فمن ينظر هناك يلاحظ أن هذه الرواية هناك يذكر السند بعدها، ولهذا بعض الفضلاء المعاصرين وقع في هذا الاشتباه أيضاً نقل هذه الرواية عن الوسائل بهذا السند، فإنه عندما تعرض إلى قاعدة الإلزام وأدلتها ذكر من جملتها ما رواه الشيخ الصدوق عن محمد بن علي ماجيلويه، (من كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم) ولكن هذه الرواية بهذا السند لم نرها إنما الموجود عند الشيخ الصدوق هو المرسل.

الرواية الثالثة:

هي ما رواه الشيخ الصدوق (محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم عن جماعة من أصحابنا عن محمد بن سعيد الأموي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق ثلاثاً في مقعد واحد، قال: فقال: أما أنا فأراه قد لزمه وأما أبي فكان يرى ذلك واحدة)

أيضاً نفس البحوث السابقة من ناحية السند والدلالة:

أما من ناحية السند: فعندنا مشكلتان فيها، الأولى: قوله عن جماعة من أصحابنا، فربما يقال إنها مرسلة من هذه الجهة.

ويمكن أن يجاب عن ذلك أن هذا التعبير يشمل جماعة من علماء الشيعة يكونون ثلاثة فما فوق ويكون الراوي عن جماعة وكلهم ضعاف هذا لا يخلو عن بعد، فيمكن لمن يقرأ هذا السند أن يحصل عنده اطمئنان أن يكون أحدهم ثقة، فهذه الجهة يمكن دفعها.

لكن الإشكال الأهم، في محمد بن سعيد الأموي، أو محمد بن سعد الأموي، في التهذيب قال محمد بن سعيد وفي الاستبصار قال محمد بن سعد الأموي، المهم سواء أكان ابن سعد أو ابن سعيد كلاهما لم يوثقا في كتب الرجال، فمحمد بن سعيد أو سعد الأموي مجهول غير معلوم حاله ومن هو.

فالرواية إذاً من هذه الجهة تكون ضعيفة السند ولا يمكن الاعتماد عليها.

وهنا قال المحدث البحراني (ره) تعليقاً على هذه الرواية، (أقول: إن ما أفتى به عليه السلام من لزوم الطلاق وأنه يكون بائناً إنما خرج مخرج التقية ويؤيده أن الراوي أموي والذي نقله عن أبيه هو الموافق للأخبار المذكورة) فقال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق ثلاثاً في مقعد واحد، قال: فقال: أما أنا فأراه قد لزمه وأما أبي فكان يرى ذلك واحدة) فصاحب الحدائق الظاهر أن ما أفتى به الإمام الصادق عليه السلام إنما خرج مخرج التقية، ويؤيد التقية أن الراوي أموي، ولعل هذه الرواية كانت في زمان بني أمية.

فالذي نقله عن أبيه عليه السلام هو الموافق للروايات المعروفة، فالطلاق ثلاثاً لا يفيد البينونة وإنما هو يقع وحداً، هذا ما احتمله صاحب الحدائق (ره)، فمن جهة المتن والدلالة أيضاً لا تدل على محل البحث.

ولكن يمكن أن يقال: يُحتمل الحمل على التقية ويحتمل حمله على الإلزام لكونه يرى صحة طلاق الثلاث كما هو مفاد الروايات السابقة أيضاً، هنا قال (أما أنا فأراه قد لزمه) فيمكن أن يأتي الاحتمال الثاني، وتفيد الإلزام.

ولكن لا يخلو هذا الاحتمال هذا التأمل، نعم لو لم ينقل الإمام عن أبيه لكان الاحتمال وارد، فتعبير أما أنا فأراه لزمه وأما أبي كان يرى ذلك واحدة، فأفتى بما يوافق التقية لأنه قولهم عليهم السلام واحد ولا اختلاف في قوليهما، فالمهم أن الرواية حملها على التقية أوضح وأظهر فلا تدل على المقام.

الطائفتين السابقتين فيها إما لفظ إلزام أو لفظ لزوم، فإن اعتبرناهما طائفة واحدة وهي ما فيه مادة اللزوم، وإن اعتبرناها طائفتين بالتفريق بين الإلزام واللزوم، فنقول أيضاً هذه الروايات الواردة في هذا المضمون أو ما فيه هذ المضمون.

الطائفة الثالثة من الصنف الأول:

الصنف الأول هو الذي يتكلم عن الطلاق، والطلاق ثلاثاً، والطائفة الأولى ما فيه الإلزام مادة وهيئة والطائفة الثانية ما فيه مادة اللزوم.

الآن الطائفة الثالثة:

وفيها روايات

الرواية الأولى: ذات طريقين، الطريق الأول ما نقله الشيخ الصدوق في الفقيه وفي العيون وفي العلل وهذه التي وقع الاشتباه فيها مع السابقة، الفقيه قال مرسلاً: (قال عليه السلام: إياكم والمطلقات ثلاثاً في مجلس واحد فإنهن ذوات أزواج) فنلاحظ أن المتن ليس فيه الإلزام لا مادة ولا هيئة، هذا في الفقيه المجلد 3 صفحة 406، رقم 4418.

قال في نفس المجلد والصفحة، وفي خبر آخر (قال عليه السلام: إن طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم، وطلاقهم يحل لكم، لأنكم لا ترون الثلاثة شيئاً وهم يوجبونها).

طبعاً الآن كلتاهما مرسلتان ولكن واحدة بعنوان قال: والأخرى وفي خبر آخر قال، واحتمال أنه بمعنى روي.

أما في علل الشرائع، فهناك ذكر السند وذكر هذه الرواية، (حدثنا محمد بن ماجيلويه رحمه الله عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن جعفر محمد الأشعري عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تزويج المطلقات ثلاثاَ، فقال: إن طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم وطلاقهم يحل لكم، لأنكم لا ترون الثلاث شيئاً وهم يوجبونها) فالمتن نفس المتن الموجود في من لا يحضره الفقيه.

هذه الرواية بهذا الطريق في السند أيضاً كلام،

الأول: شيخ الشيخ الصدوق، محمد بن ماجيلويه، هنا عبر عنه محمد بن ماجيلويه رحمه الله، وهو لا يوجد فيه توثيق صريح بالوثاقة، فعندهم في الرجال بحث هل ترحم الشيخ الصدوق يفيد الوثاقة أم لا يفيدها؟ وبحث آخر ترضي الشيخ الصدوق هل يفيد الوثاقة أم لا؟

بعض الأعلام قالوا نعم إن ترحمه أو ترضيه من علامات التوثيق، فلهذا يعتبر مجمد بن ماجيلويه ثقة من هذه الجهة.

وآخرون كالسيد الخوئي (ره) ذهب إلى أن ترحمه أو ترضيه عن مشايخه لا يدل على الوثاقة، فلهذا لا يوثق محمد بن ماجيلويه.

ولكن الذي يظهر على ما في بالي أنه مختار الشيخ الوحيد حفظه الله، يفصل بين ترحم الشيخ الصدوق وترضيه، فربما يترحم على مشايخه سواء كانوا ثقاة أو لا، فلا نستفيد التوثيق، وباعتبار أن الترحم عنوان دعاء بالرحمة فيمكن أن يطلق على غير الثقة، أما الترضي فيقول بأن الترضي مثل الإشارة في الآية الكريمة (رضي الله عنهم) يدل على الوثاقة فيمكن الاعتماد على محمد بن ماجيلويه.

ونؤكد هذا بأن الترضي عرفاً يختلف عن الترحم، فالترحم يكون معنى أعم من كونه ثقة أو غير ثقة وربما فاسق ولكن بما أنه إمامي وتذكره تترحم عليه، وأما الترضي فالعرف يفهم أن لهذا الشخص منزلة كبيرة، عادة لا يقال هذا التعبير لأي شخص حتى لو كان فاسقاً، بل لا يقال إلا للأشخاص المهمين أو العلماء، فإذا لاحظنا أنه يفرق في التعبيرات فيظهر منه أنه مشى في هذه التعابير على ما هو المتعارف.

ويستفاد منه أنه أكثر من ثقة، بل له وزنه وقيمته ومقامه، فلهذا يستفاد الوثاقة، وخصوصاً في مثل بن ماجيلويه، التعبير أنه أكثر الصدوق الترضي عنه، ففي معجم الرجال عبر هكذا، فمع إكثار الترضي هذا يؤكد المعنى بأنه يمكن أن نعتبره ثقة، ولعل من هذه الجهة نلاحظ بعض الأعلام كالشيخ البلاغي (ره) في رسالته لما جاء له قال: لقد أكثر الصدوق للرواية عنه مترحماً ومترضياً، والإكثار هذا بحث آخر في التوثيق.

وإضافة إلى هذا أضاف الشيخ البلاغي وجهاً آخر لتوثيقه، وهو قوله: (والعلامة في الخلاصة قال بصحة طريق الصدوق إلى إسماعيل بن رباح الكوفي وفيه محمد بن علي ماجيلويه) هذا التعبير منه يشير إلى أن العلامة عندما صحح هذا الطريق وفي الطريق بن ماجيلويه إذاً هو يوثقه، لذلك صحح الطريق، ونقل الميرزا في منهج المقال (أن مشايخنا تابعوا العلامة على ذلك) هذا الوجه يحتاج إلى بحث آخر.

حاصله: توثيق المتأخرين كالعلامة وابن طاووس ومن بعدهم، هل يمكن الاعتماد على توثيقهم أم لا؟ هذا بحث طويل بعضهم قبلها وبعضهم لم يقبلها، نقول: في بعض الأوجه نعم يمكن الاعتماد على توثيقات العلامة، وله وجه في ذلك الآن فعلاً نشير إليه إشارة.

حاصل الإشارة: هو أن العلامة كانت عنده كتب كثيرة وصلت إليه من الأصحاب كثير منها لم يصل إلينا وصل إلينا بعضها كالنجاشي والكشي وغيره، وبعضها لم يصل ككتاب ابن عقدة لم يصل إلينا وكتاب ابن فضال لم يصل إلينا ووصلت للعلامة يداً بيد، فربما عندما وثق شخصاً لم يُذكر توثيقه في الكتب التي عندنا ربما اعتمد على الكتب التي وصلت إليه فقط، كما يظهر أنه يعتمد على كتب العقيقي مثلاً، إذا احتملنا هذه الجهة وأنه وثقه استناداً إلى ما عنده من الكتب التي وصلته من الاصحاب يداً بيد، على هذا يكون توثيق العامة عن حس لا عن حدس، وهذا الاحتمال كافي ولا نحتاج إلى القطع بكونه عن حس، وهذا بحث يُذكر في علم الرجال.

على كل حال هذا الوجه الذي ذكره البلاغي (ره) له وجه في التوثيق.

ثم نقل الشيخ البلاغي (ره) عن الوحيد البهبهاني في تعليقته قال: (والمصنف في رجاله المتوسط قال: ماجيلويه يلقب به محمد بن علي بن محمد بن أبي القاسم عبد الله أو عبيد الله وجده محمد بن أبي القاسم وهما ثقتان) فالوحيد البهبهاني صرح بالتوثيق، ولكن هذا الوجه الثالث للتوثيق لا يمكن الاعتماد عليه لأن الوحيد البهبهاني من متأخري المتأخرين، يعني لا نحتمل بأن توثيقه كان عن حس، وإنما كان عن حدس بحسب هو رأيه واجتهاده عندما تابع في ابن ماجيلويه رأى وثاقته، وهذا الوجه لا يمكن الركون إليه.

الخلاصة: أن محمد بن علي ماجيلويه يمكن إثبات وثاقته من جهة الترضي، وهناك جهات تذكر لوثاقته ككونه من مشايخ الإجازة أو كونه ترحم عليه الشيخ أو توثيق العلامة، الجهة الثانية وهي الترضي يمكن الاعتماد عليها وإثبات وثاقته به ويؤيد بتصحيح العلامة لطريق الشيخ الصدوق وهو فيه، فالقول بوثاقته يفيد في هذا المقام ومقامات أخرى.

أما بقية السند فيأتي الكلام عنا إن شاء الله تعالى.