الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/11/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة الإلزام:

مدرك القاعدة: الرواية الثالثة:

الكلام في قاعدة الإلزام وفي الدليل الثاني وهو الروايات، وتقدم الكلام حول الروايتين الأوليتين المتضمنتين بالأصل الذي اشتقت منه قاعدة الإلزام وهي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، أو ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم، الآن الكلام في الرواية الثالثة.

الرواية الثالثة: رواها الشيخ الطوسي (ره)، (علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن الوليد والعباس بن عامر عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً، قال: إن كان مستخفاً بالطلاق ألزمته ذلك) ورواها الشيخ في التهذيب والاستبصار باختلاف يسير.

الكلام في هذه الرواية يقع في مقامين، في السند والدلالة:

أما من حيث السند: فالرواية معتبرة، وذلك: لأن طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال صحيح في الفهرست، أما بالنسبة إلى علي بن الحسن بن فضال فهو من الثقاة ومن الأجلاء ومن الفقهاء الثقاة، وقيل بأنه فطحي وقيل بأنه رجع عن ذلك، والفطحية ينبغي أن يكون لهم بحث مستقل، لا بأس بالإشارة إليه، وهو أن الفطحية هم الذين قالوا بإمامة عبد الله بن الإمام الصادق عليه السلام، يعني بعد أن استشهد الإمام الصادق عليه السلام تصدى إلى الإمامة ابنه عبد الله الأفطح ولهذا نسبت إليه الفطحية وقيل أن نسبة الفطحية إلى عبد الله بن فطيح، فقالوا بإمامته، وآخرون التزموا بإمامة الإمام الكاظم عليه السلام، هؤلاء الفطحية على ما يبدو وربما يستظهر من بعض المرويات أنهم رجعوا، يعني أن قسماً من الذين قالوا بإمامة عبد الله الأفطح رجعوا إلى إمامة الإمام الكاظم عليه السلام، واستمروا على ذلك، وربما نستفيد بأنهم كلهم أو أغلب هؤلاء، وخصوصاً من لهم شأن ومعرفة رجعوا وخصوصاً أن عبد الله الأفطح لم يستمر طويلاً بعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام، ربما في بعض المرويات أنه بقي سبعين يوماً فرجعوا عن ذلك.

المهم أن من جملة هؤلاء المنقول عنهم علي بن فضال، وهو لم يعاصر الإمام الصادق عليه السلام ثم من بعد الإمام الكاظم عليه السلام ولكن باعتبار أن أباه وقسم من طائفته كانوا فطحية فهو على ذلك على ما قيل، ويحتمل أيضاً في حقه هو أنه لم يكن فطحياً وإنما باعتبار أن أهله أو قسم من أهله فكأنه عرف بين الناس بالفطحية وكان يخفي ذلك يعني يخفي أنه لم يكن فطحياً كما يظهر من بعض الروايات الواردة في حقه أنه في حالة الاحتضار لقن الأئمة ولما وصل الملقن إلى الإمام الصادق عليه السلام قال الملقن عبد الله الأفطح فسكت كرر علليه الملقن ثم سكت، ثم قال علي بن الحسن بن فضال، لم نجد له ذكراً في الكتب، وهذا بحث في الفطحية وهل علي بن الحسن من هم أو لا؟ ولكن هو في حد نفسه ثقة جليل وهو من فقهاء الرواة ومن فقهاء أصحابنا يعتبر، وجمل المدح في حقه قوية، هناك عبارة عند النجاشي بهذا المضمون بأنه لم يُعثر له على زلّة في الحديث.

الراوي الآخر هو محمد بن الوليد وهو وإن كان مشتركاً بين الثقة وغيره إلا أنه يمكن لنا تمييزه وأنه المقصود منه هنا الخزاز الثقة وذلك من جهة روايته عن يونس بن يعقوب، محمد بن الوليد الذي يروي عن يونس بن يعقوب هو الخزاز والخزاز ثقة، ولكن أيضاً معه في الطبقة العباس بن عامر، لأنه عن محمد بن الوليد والعباس بن عامر وهو ثقة، عن يونس بن يعقوب أيضاً من الثقاة والأجلاء ومن أصحاب الإمام الرضا عليه السلام والإمام الكاظم عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام، في النجاشي يقول عنه: أمه منية بنت عمار ابن أبي معاوية الدهني أخت معاوية بن عمار اختص بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام وكان توكل لأبي الحسن عليه السلام ومات في المدينة في أيام الرضا عليه السلام فتولى أمره وكان حظيّاً عندهم موثقاً وكان قد قال بعبد الله ورجع) هنا ينص عليه أنه كان فطحياً ورجع، ولكن كان محظياً عن الإمام الصادق والكاظم والإمام الرضا عليهم السلام، واعتنى به الإمام الرضا عليه السلام بعد وفاته لما توفي في المدينة أمر الإمام عليه السلام بتجهيزه وهيأ أموره، فمثلاً عندنا في رواية ولكنها عنه ولكن باعتبار أنه ثقة لا بأس بها.

عن يونس بن يعقوب قال دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فقلت له جُعلت فداك إن أباك كان يرق عليّ فيرحمني فإن رأيت أن تنزلني بتلك المنزلة فعلت فقال لي يا يونس إني دخلت على أبي وبين يديه هيس أو هريسة فقال لي: أدن يا بني وكل من هذا هذا بعث به إلينا يونس إنه من شيعتنا القدماء فنحن له حافظون) وأيضاً في رواية عن أبي النظر قال سمعت علي بن الحسن يقول: مات يونس ابن يعقوب بالمدينة فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه وأمر مواليه وموالي أبيه وجده أن يحضره جنازته وقال لهم: هذا مولى لأبي عبد الله عليه السلام وكان يسكن العراق وقال لهم: احفروا له في البقيع فإن قال لكم أهل المدينة إنه عراقي لا ندفنه بالبقيع لا ندفنه في البقيع فقولوا لهم: هذا مولى لأبي عبد الله عليه السلام وكان يسكن العراق فإن منعتمونا أن ندفنه في البقيع منعناكم أن تدفنوا مواليكم في البقيع، فدُفن في البقيع، ووجّه أبو الحسن علي بن موسى عليه السلام إلى محمد بن الحباب فكان مصاحباً له في السفر وكان رجلاً من أهل الكوفة صل عليه أنت)

الغرض من قراءة هذه الرواية في هذا اليوم المبارك مولد الإمام الرضا عليه السلام الغرض أن ننبه مضافاً إلى بيان منزلة الراوي إلى اهتمام الإمام الرضا عليه السلام بأحد شيعته، وهذا من عطفه الإمام الرؤوف عليه السلام على شيعته، فهنا أولاً بعث الإمام بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه وأمر مواليه وموالي أبيه وجده أن يحضروا جنازته، وأيضاً اهتم بأن يُدفن في البقيع، ومن خلال هذه الرواية يبدو أن أهل المدينة لا يقبلون بمن كان خارجاً عن المدينة أن يُدفن في البقيع ولهذا الإمام قال لهم فإن قال لكم أهل المدينة إنه عراقي لا ندفنه في البقيع فقولوا لهم هذا مولى لأبي عبد الله عليه السلام وكان يسكن العراق، فإن منعتمونا أن ندفنه في البقيع منعناكم أن تدفنوا مواليكم في البقيع، هذا يدل على اهتمام الإمام بخلص شيعته ونرجو أن تكون رأفته على جميع شيعته وعلى أن نكون نحن أيضاً من أولئك الشيعة الذي يعتني بهم الإمام عليه السلام، فعندنا روايات تشير إلى رأفة الإمام الرضا عليه السلام فما دمنا في يوم المولد نذكر هذا.

فمن جملة خصائص الإمام الرضا عليه السلام إضافة إلى رأفته بشيعته رأفته بزائريه، يعني هذا المضمون من زارني زرته في ثلاثة مواطن في القبر وعند الصراط أو عند تطاير الكتب يذكر ثلاثة مواطن من مواطن الآخرة، فالذي يظهر والله العالم أن هذه المواطن هي أشد المواطن التي يواجهها الإنسان ما بعد الموت في منازل الآخرة أول ما يوضع الإنسان في قبره تكون هذه من المواطن الشديدة من مواطن الوحشة والفزع والرعب بالنسبة له، أول يوم من أيام الآخرة، في هذا الموطن حيث الظلمة وحيث الوحشة هناك يظهر له نور الإمام الرضا عليه السلام يزوره إذا زاره الإمام الرضا عليه السلام ترتفع عنه الوحشة والإمام بمنزلته عند الله تعالى يغدق على هذا العبد بعطفه ورأفته ويوسع له في قبره إلى آخر هذه الأمور، ومن جملتها عند تطاير الكتب، المهم أنها مواطن شديدة وعدم علم الإنسان بما يصير به الإمام عليه السلام يخلصه من هذا، نسأل الله أن يجعلنا من خلص شيعته وزائريه، وبالنسبة إلى زيارته فالروايات الواردة فيها حدّث ولا حرج، يعني تكفي هذه الرواية التي كان يكررها كثيراً سماحة الشيخ الوحيد (حفظه الله) التي بهذا المضمون زيارة الإمام الرضا عليه السلام تعدل ألف حجة مبرورة، يعني لو عاش الإنسان ألف سنة وحج ألف حجة وتكون حجيته مبرورة زيارة من الإمام الرضا عليه السلام تعدل هذه الألف، هذا يدل على مقام عظيم عند الله سبحانه وتعالى.

بل في بعض الروايات لما يُسأل الإمام الجواد عليه السلام عن أيهما أفضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام أو زيارة الإمام الرضا عليه السلام مع ما لزيارة الإمام الحسين عليه السلام من الفضل الكبير العظيم، ولكن في رواية وعلى ما أذكر أنها معتبرة السند، قال: زيارة أبي أفضل لأنه لا يزوره إلا الخاصة من الشيعة، وأذكر أني سألت الشيخ الوحيد حفظه الله عن هذه الرواية في نقطتين، نقطة جهة الفضل بالنسبة نلاحظ أن هناك روايات في خصوص بعض الأيام لزيارة الإمام الحسين عليه السلام في النصف من شعبان أو النصف من رجب أو العيدين أو عرفة، هذه ورد فيها فضل كبير وبين هذه الرواية، فالذي قال به الشيخ الوحيد حفظه الله: أنه عندما نلاحظ الإطلاق الزيارة من حيث هي المطلقة غير المختصة ببعض الأيام للإمام الحسين عليه السلام وزيارة الإمام الرضا عليه السلام المطلقة غير المختصة بأيام، المقارنة بين هاتين زيارة الإمام الرضا عليه السلام تكون أفضل، أما التي يكون فيها ثواب خاص المخصوصة تكون زيارة الإمام الحسين أفضل، وعلى كل حال هذا المقدار يدل على شان كبير للإمام الرضا عليه السلام، في الرواية أنه تعليل لأنه لا يزوره إلا الخاصة، فقال: الذي أذكر من جوابه بأن الإمام الحسين عليه السلام يقول به الشيعة بفرقهم يعني الإمامية يرون إمامة الإمام الحسين عليه السلام والواقفية والزيدية والإسماعيلية فهؤلاء ربما وقفوا على الإمام الباقر أو الإمام الصادق والواقفية لم يقولوا بإمامة الإمام الرضا عليه السلام، فيزور الإمام الحسين كل هؤلاء، أما الإمام الرضا فلا يزوره إلا من يقول بإمامته، فالذين قالوا بإمامة الإمام الرضا عليه السلام استمروا على القول بالأئمة الاثني عشر فيكون زواره هم الخواص من هذه الجهة.

على كل حال هذا ما أردنا أن نشير إليه بالمناسبة، ونرجع إلى البحث.

فالراوي الآخر يونس بن يعقوب وهو من الثقاة وأيضاً عبد الأعلى بن أعين أيضاً من الفقهاء الثقاة كما يذكر الشيخ المفيد في رسالته العددية، هناك عبر عنه وعن غيره أنه من الفقهاء الثقاة، فالرواية من حيث السند تكون معتبرة ولا إشكال فيها سنداً.

وأما من حيث الدلالة:

فالدلالة أيضاً فهي واضحة من جهة ودالة على القاعدة، إذ عبرت الرواية هكذا: (: سألته عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً، قال: إن كان مستخفاً بالطلاق ألزمتُهُ ذلك) هنا التعبير (إن كان مستخفاً بالطلاق) يظهر منه والله العالم أنه إن كان من العامة ألزمته ذلك، يعني إن كان من العامة فهو يعتقد بأن الطلاق يقع ثلاثاً وهذا هو رأيه الفقهي فألزمته ذلك يعني إشارة إلى قاعدة الإلزام، كما في التعبير ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم وإن لم تصح سنداً ولكن هذا التعبير بنفس مضمون التعبير في هذه الرواية، فالمراد الذي يبدو ويظهر أنه إن كان من العامة فألزمته ذلك.

وهذا المعنى يستفاد من بعض الأعلام السابقين، تعرضوا إلى هذه الجهة، فمثلاً نلاحظ أن الشيخ البلاغي (ره) وهو من الأعلام الكبار وعلمائنا المتقدمين ومن أساتذة السيد الخوئي (ره) فسّر بهذا التفسير تقريباً أو قريب منه، عبارته هكذا، يقول في رسالته في قاعدة الإلزام: (فإن الظاهر من قوله عليه السلام مستخفاً بالصلاة هو كونه يدين بخفة الطلاق على خلاف ما هو معتبر فيه من الشروط في ذاته) يفسر ما معناه بخفة الطلاق يعني من حيث الشروط على خلاف ما هو معتبر من الشروط في الطلاق وفي خصوص الثلاث مما هو معروف عند العامة، ونحن نشترط في الطلاق عدة شروط منها أن يكون في طهر لم يواقعها فيه وغيره، وأيضاً بالنسبة إلى وقوع الطلاق ثلاثاً ليس كما يراه العامة، فتعبير الإمام عليه السلام (إن كان مستخفاً بالطلاق) يفسره الشيخ البلاغي (ره) كما ذكرنا، ويضيف (وفي وقوع الثلاث كما هو عند الجمهور، لا من يستخف به في إكثاره له جامعاً للشروط) يعني ليس المقصود في إكثاره من الطلاق مع كونه جامعاً للشروط، أو يتساهل في أمره على خلاف مذهبه، يعني يطلق على خلاف مذهبه متساهلاً، ليس هذا هو المقصود، يقول: (ولهذا عد الحديث جماعة من أدلة المقام).

أيضاً غيره استفاد هذا المعنى كما يظهر من آخرين أيضاً ولعل من جملتهم أيضاً صاحب جامع المدارك السيد الخونساري (ره) عنده قريب من هذا التعبير.

المستفاد من الرواية أنه إن كان من العامة الذي هو مستخف بشأن الطلاق ومن حيث الشروط ألزمته ذلك فيناسب هذا المعنى لقاعدة الإلزام، فالرواية نقول إنها تامة من حيث السند والدلالة ولكن في الحديث بقية.