الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه الثامن: تحقيق السيد الخوئي (قده) في المسألة الثالثة:

تقدم الكلام في الوجه الثالث الذي ذُكر لبيان وجه ما ذهب إليه المشهور وتقدمت المناقشة فيه أيضاً، والكلام الآن للسيد الخوئي (ره) فيما أفاده من التحقيق.

قال: بأن التحقيق عدم شمول حديث لا ضرر للمقام، ومقامنا كما هو معلوم فيما لو دار الأمر بينما إذا تصرف المالك في ملكه ووقع الضرر على جاره وإذا لم يتصرف في ملكه يقع الضرر عليه هو، فدار الأمر بين ضرر المالك عند تصرفه في ملكه وبين ضرر الجار، أو فيما لو لم ينتفع المالك من عدم التصرف، إذا تصرف تصل له المنفعة ويقع الضرر على الجار وإذا لم يتصرف فتذهب عنه هذه المنفعة فيدور الأمر بين عدم انتفاعه وبين ضرر الجار، هل أن لا ضرر تشمل المقام أو لا؟

السيد الخوئي (ره) قال: التحقيق عدم شمول حديث لا ضرر للمقام، لأن لا ضرر ولا ضرار يوجد فيها فقرتان، مقتضى الفقرة الأولى لا ضرر، عدم حرمة التصرف لكونها ضرراً على المالك، على حسب الفرض إذا لم يحفر البئر يقع الضرر عليه، مقتضى لا ضرر هنا يرفع، يعني هل يحرم عليه التصرف لأنه ضرر على الغير، نقول: بما أن عدم التصرف ضرر عليه فهنا ترتفع حرمة التصرف، فالنتيجة عدم حرمة التصرف.

ومقتضى الفقرة الثانية لا ضرار، هي حرمة الإضرار بالغير على حسب ما تقدم بيانه منه، أن لا ضرر بمعنى حرمة الإضرار، فإذاً يتعارض الصدر مع الذيل من الرواية، فالصدر يقتضي عدم حرمة التصرف وبما أن هذا التصرف إضرار بالغير فالفقرة الثانية تقتصي حرمة هذا التصرف، فيتعارضان، فلا يمكن العمل على طبق إحداهما دون الأخرى لأنه ترجيح بلا مرجح، فالنتيجة أنه نذهب إلى العموم إن وجد وإلا إلى الأصل العملي، وبما أنه لم يوجد عموم فالأصل العملي هو البراءة عن حرمة التصرف، هذا وجه أول.

وجه آخر: عبر عنه (إن شئت قلت)، وهو: أن حديث لا ضرر حديث امتناني لا يشمل المقام لا صدراً ولا ذيلاً، في الوجه الأول صور المقام على أن لا ضرر يشمل ولكنه يتعارض، يعني لو خلي ونفسه لشمل المقام ولكنه يعارضه آخر، الآن هنا يقول: لا صدراً ولا ذيلاً لا تشمل المقام، والسبب في ذلك أن لا ضرر على حسب ما تقدم حديث امتناني، والحكم الامتناني لا يلاحظ فيه شخص دون آخر، لا بد أن يكون امتنانياً للجميع، عليه: فحديث لا ضرر لا يشمل المقام، لأن الضرر المتوجه إلى المكلف نفسه، يعني لو ترك حفر البئر في ملكه يقع عليه الضرر، فيفترض بما أنه امتنان عليه أن ننفي الحرمة عنه، ونفي الحرمة عن المكلف المالك يقتضي أن يتوجه الضرر إلى الجار، فكان هذا امتنان على المالك وخلاف الامتنان على الجار، وإذا عكسنا يكون امتناناً على الجار دون المالك، فلا بد أن يكون الامتنان على الجميع فلا يمكن التمسك به، لا بالفقرة الأولى ولا بالفقرة الثانية، فالنتيجة أن لا ضرر لا تشمل المقام، وهذا الكلام لا يختص فقط بالضرر حسب الصورة الرابعة، بل يشمل حتى عدم الانتفاع، بمعنى أنه إذا دار الأمر بين أن لا ينتفع المالك أو يتضرر الجار فعدم منفعة المالك إذا لم يحفر البئر هنا حتى لا يضر الجار، السيد الخوئي يقول بحسب ما ذكرنا في الوجه الثاني يشمل حتى المقام، لأنه فوات المنفعة تكون بخلاف الامتنان، فلا ضرر بما أنه امتناني لا يمكن التمسك بها حتى في فرض فوات المنفعة عن المالك، وإن لم يكن ضررياً ولكنه خلاف الامتنان.

ولا ضرر تفيد الامتنان وهذا يستفاد من خلال لسانها ويؤيده ما ورد في بعض الروايات التي في آخرها في الإسلام، وكونها امتنانية مفروغ منه عند الأعلام، ولكن كونه واسعاً على الأمة كلها أو على خصوص الشخص الذي سيجرى في حقه، الذي سيجرى في حقه يكون امتنانياً عليه وأما غيره فلا، فلو احتاج شخص لبيع كتابه ولكنه سيتضرر من هذا البيع ولا يحكم الشارع بنفي الضرر هنا لأنه يكون على خلاف الامتنان لأنه يحتاج لبيعه لأمر مهم فالشارع يحكم بلزوم البيع، بخلاف ما لو كان مغبوناً هنا الشارع لا يحكم بلزوم البيع لأن الحكم باللزوم على خلاف الامتنان، فالامتنان يراعى ولكن على حسب الضرر، فلما نقول أنه امتناني على الوجه الثاني أيضاً في فوات المنفعة يلاحظ فيه المالك فيكون على خلاف الامتنان.

الخلاصة: أنه هنا وجهان رتب عليهما السيد الخوئي:

الوجه الأول: أنه هناك تعارض بين الفقرة الأولى وبين الفقرة الثانية من الحديث لا ضرر ولا ضرار، فمقتضى الأولى لا ضرر هو أنه لا يحرم عليه التصرف في ملكه ومقتضى الثانية لا ضرار يحرم عليه التصرف، فيتعارضان فلا يمكن التمسك بلا ضرر ولا ضرار في المقام.

الوجه الثاني: أن لا ضرر حكم امتناني فلا بد أن تلاحظ جهة الامتنان، جريان لا ضرر برفع الحرمة بخلاف الامتنان على الجار وجريانها ما نتيجته الحرمة عليه يكون خلاف الامتنان بحقه سواء كان عدم النفع أو الضرر.

النتيجة: أن ننتقل إلى الحكم الآخر، عادة إذا تعارض دليلان أو أصلان يتساقطان فننتقل إلى العموم الفوقاني إن وجد وإن لم يوجد ننتقل إلى الأصل.

هنا السيد الخوئي (ره) في أول كلامه قال: لا بد من الرجوع إلى غيره فإن كان هناك عموم أو إطلاق دل على جواز تصرف المالك في ملكه حتى في مثل المقام يؤخذ به ويحكم بجواز التصرف، وهذا العموم الفوقاني الذي صوره بعض الأعلام بأنه الناس مسلطون على أموالهم، وإن لم نقبل به لأنه حديث ضعيف أو عقلاءً لا يجرون العقلاء هذه القاعدة مع وجود الضرر على غيره، و\فنرجع إلى الأصل العملي نجري فيه البراءة فيحكم بجواز التصرف.

النتيجة التي ذكرها هنا ذكرها مذيلة للانتفاع، ثم قال: وبما ذكرناه ظهر الحكم فيما إذا كان التصرف في مال الغير موجباً للضرر على الغير التي هي الصورة الرابعة، التي بين الكلام فيها سابقاً، وتركه موجباً للضرر على المتصرف، التصرف يوجب الضرر على الغير وترك التصرف يوجب الضرر على المتصرف، فيجري فيه الكلام السابق من عدم جواز الرجوع إلى حديث لا ضرر، إلى هنا الأمر واضح، ثم علل لكونه وارداً مورد الامتنان فيرجع إلى عموم حرمة التصرف في مال الغير، هنا يظهر أن السيد الخوئي عنده تفصيل بين الصورة الثالثة وهي فوات الانتفاع فهنا يقول التصرف في ملكه يوجب الضرر على الغير وعدم التصرف يوجب فوات المنفعة فلا ضرر نرفع اليد عنها فننتقل إلى العموم الفوقاني وهو غير موجود فنذهب إلى أصل براءة الذمة من حرمة الصرف، هذا في تقرير المصباح، في الضرر يقول نرجع إلى عموم حرمة التصرف، الآن لا يمكن التمسك بلا ضرر فننتقل إلى العموم الفوقاني هناك لم يبين فقط قال ننتقل للعموم وإلا فيرجع إلى الأصل والنتيجة الجواز للتصرف، هنا قال: فيرجع إلى عموم حرمة التصرف في مال الغير كقوله صلى الله عليه وآله لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ويحكم بحرمة التصرف، فبمقتضى هذا الكلام أنه في حالة فوات المنفعة يرجع إلى أصالة البراءة عن حرمة التصرف، فيحكم بجواز التصرف، في حالة الضرر أيضاً لا يمكن التمسك بلا ضرر ولا ضرار فلا بد أن نرجع إلى العموم الفوقاني وهو عموم حرمة التصرف في مال الغير فالحكم هو حرمة التصرف.

بينما لو دققنا في أن التصرف مفروض في الحالتين يعني في حالة فوات الانتفاع يقول ويحكم بجواز التصرف، إذا كان عندنا عموم فوقاني لحرمة الصرف في مال الغير نطبقه في المقامين لماذا نطبقه في حالة الضرر ولا نطبقه في حالة الانتفاع، فهل هذا نوع من التنافي أو الاضطراب؟ إن شاء الله تعالى سيأتي توضيحه.