الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه الثامن: المناقشة في الكبرى:

الكلام في الكبرى التي ناقش فيها المحقق النائيني (ره) عندما استدل الشيخ (ره) بلا حرج، وناقش الكبرى: بأنه لا وجه لتقديم قاعدة لا حرج على قاعدة لا ضرر، كما يظهر من كلمات الشيخ أن دليل نفي الحرج حاكم على أدلة نفي الضرر، هذا النفي من المحقق النائيني وقع موقع الإشكال من المحقق السيد الروحاني (ره) ولكن هو في الواقع كتأييد لكلام الشيخ وبيانه بصورة أخرى.

على حسب التسلسل الذي ذكرناه أن الشيخ يقول: دليل نفي الحرج حاكم على أدلة نفي الضرر، والمحقق النائيني ينفي الحكومة، يقول: دليل نفي الحرج في عرض أدلة نفي الضرر، كلاهما ناظران إلى الأحكام الأولية، فيحكمان على الأحكام الأولية ويقيدان أدلة الأدلة الأولية، بحيث يكون الحكم الأول لا يشمل حالة الضرر والحرج.

السيد الروحاني (ره) عنده بيان جيد ولكن هو في واقعه لا يقول بالحكومة، ولكن من قبيل التأييد لكلام الشيخ الأنصاري، يقول بأنه: يمكننا التصوير بحيث يكون نتيجته نتيجة الحكومة وليس بحكومة، يعني أن أدلة نفي الحرج مقدمة على أدلة نفي الضرر في النتيجة، فتكون النتيجة نتيجة الحكومة.

يعطي قاعدة: وهي أنه إذا كان أحد الدليلين من حيث الموضوع يشمل موارد الموضوع الآخر والآخر من حيث السعة والعموم لا يشمل موارد الدليل الأول فهنا يمكن أن نقدم الدليل الأول وتكون النتيجة نتيجة الحكومة، وبين ذلك بمثال ولكن هذا المثال لا ينطبق على ما نحن فيه بالتمام، ولكن كتوضيح لأصل الفكرة، المثال هو: لو فرضنا أنه سُئل المولى أنه هل يجب إكرام زيد العالم الفاسق، هو عالم فاسق وهذا مورد السؤال، هل يجب إكرام زيد، فصدر من المولى أنه أكرم كل عالم بنحو العموم، ثم صدر دليل آخر منه يقول: العالم الفاسق ليس بعالم، هذا في حد نفسه حاكم على أكرم كل عالم، يعني لو فرضنا صدر بدون سؤال يقول أكرم كل عالم وصدر دليل آخر يقول العالم الفاسق ليس بعالم، نقول الثاني حاكم على الأول، فالنتيجة أكرم كل عالم غير الفاسق، هذا واضح.

نفس المثال ولكن نفترض أن الدليل الأول صدر في جواب على سؤال، هل نكرم زيداً؟ الذي هو عالم فاسق، فصدر أكرم كل عالم، هذا ما يذكرونه ومحقق عندهم بأن مورد العام يكون العام نصاً فيه، العام نص في مورده، ولكنه ظاهر في غيره، أكرم كل عالم ظهوره في الجميع، ولكن بالنسبة إلى مورده الذي فيه يعتبر هو نص فيه، إخراج المورد من تحت ما هو نص فيه مستهجن لا يمكن قبوله، لا يمكن أن نقول بأن أكرم كل عالم لا يشمل مورده الذي ورد فيه حتى لو بالتخصيص، بعبارة أخرى أن المخصص لا يخصص نفس المورد، يخصص الوارد، أنه ليس المقصود كل العلماء، ولكن هل نخرج نفس المورد الذي ورد فيه النص. نقول لا يخرج.

إذاً على هذا دليل العالم الفاسق ليس بعالم هذا الدليل الحاكم وهو ناظر إلى الدليل المحكوم وهو أكرم كل عالم، وحاكم عليه إلا في هذا المورد لا يشمله ولا يدخل تحته، بل نتمسك بالدليل الأول فيجب إكرام نفس المورد، وما عداه يحكم عليه، هذا المثال أوضحه بالذي ذكرناه، يقول: فإن النصوصية بنظر العرف تُقدم على جهة النظر، فعلى هذا المثال لو كان أكرم كل عالم نصاً في زيد الفاسق العالم لأنه مورده، العموم ورد فيه مثلاً ثم ورد أن العالم الفاسق فإنه لا يشمل زيداً، وإن كان ناظراً إلى دليل أكرم كل عالم، والنظر إليه يوجب تقديمه عليه بحسب العرف، لكن لكونه نصاً في ذلك الفرد فالنصوصية تكون مقدمة على كون الحاكم ناظراً.

إذا اتضحت الفكرة، يقول نظير ذلك ما نحن فيه، عندنا عمومان عموم دليل نفي الضرر لا ضرر، هذا العموم يشمل جميع موارده ليس بنحو التصريح وإنما من باب حذف المتعلق، لا ضرر ولا ضرار حُذف المتعلق استفدنا لجميع الأحكام، أو من باب عدم البيان في مورد البيان، فنقول: بأن المقصود هو جميع الأحكام، إذاً هو ظاهر في جميع الأحكام ولكن ليس بالنص، أما عموم دليل نفي الحرج لجميع الأحكام، فهو بالنص وبالتصريح، لأن الدليل قوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) هنا تصريح، الدين اسم لمجموع الأحكام والقواعد، فالأحكام التي جعلت من قبل الشارع لم يجعل فيها الحرج، أيضاً القواعد، فعليه: الآن عندما نريد أن نطبق ما ذكرناه ولكن ليس بحذافيره من قبيل الأول ولكن نظيره.

عندما نطبق نقول: بأن لا ضرر في مقامنا تشمل جميع الموارد ومن جملتها هذا المورد الذي نحن فيه، أن منع المكلف المالك عن التصرف في ملكه ضرري يشمل هذا المورد، ولكن شمول لا ضرر لهذا المورد ليس بالتصريح وإنما من جهة العموم أو الإطلاق الموجود فيه، أما لا حرج فهي تنصيص لجميع الموارد وهو يشمل هذا المورد الذي يكون ضررياً، عندما نمنع المكلف المالك من التصرف في ملكه هذا المنع حرجي يشمل هذا المورد، هناك جواز التصرف ضرري على الآخر، هنا المنع حرجي، لا ضرر تشمل هذا المورد وهو مورد الجواز بالظهور بمقتضى الإطلاق، أما بالنسبة إلى لا حرج فهي تشمل المورد بنحو التنصيص، إذا دار الأمر بينهما هل تشمله لا ضرر بهذا الإطلاق أو تشمله لا حرج بهذا التنصيص، فلا شك أن لا حرج مقدمة لأنها تدل على المور بالتنصيص، فإذا كانت مقدمة فتكون النتيجة نتيجة الحكومة، المحقق النائيني يقول: لا توجد حكومة الشيخ الأنصاري يقول: لحكومة أدلة نفي الحرج على أدلة نفي الضرر، فالمحقق النائيني يقول: لا حكومة بينهما لأن الحكومة قوامها النظر وكلتا القاعتين ناظرتان إلى الأدلة الأولية، فلا ضرر لا تنظر إلى لا حرج ولا حرج لا تنظر إلى لا ضرر، فلا تكون هناك حكومة.

السيد الروحاني (ره) يقول: بأن لا حرج في هذا المورد تُقدم على لا ضرر من جهة صراحتها في هذا المورد، وأما لا ضرر فهي ظاهرة فيه من جهة عدم ذكر المتعلق أو من جهة عدم البيان في مقام البيان، فلا حرج أقوى ظهوراً في المورد من لا ضرر فتقدم عليها.

فالنتيجة تكون نتيجة الحكومة، فيتأيد كلام الشيخ ولكن بهذا الطريق.

فالحاصل أن المحقق الروحاني يقول في آخر كلامه: (ولا يخفى ان عموم دليل الحرج أقوى فيكون مقدماً ويلتزم بعدم شمول دليل لا ضرر لموارد الحرج ونتيجة ذلك حكومة قاعدة لا حرج على قاعدة لا ضرر) يعني وإن كان هو عبر بالحكومة ولكن نتيجته نتيجة الحكومة، إذا قلنا إن الحكومة قوامها بالنظر ولا حرج غير ناظرة إلى لا ضرر، فيكون نتيجة الحكومة وهي التقديم.

على كل حال ما أفاده لتأييد كلام الشيخ متين، بحسب ظاهر الحال، فتبقى المناقشة للمحقق النائيني على الشيخ، والصحيح في المناقشة هي المناقشة الصغروية، نقول: صغرى لا يوجد عندنا حرج مطلق، فلا يوجد ملازمة بين المنع وبين الحرج، حتى نقل على نحو الإطلاق في الحرج، فننفي أساساً الحرج، فلا يأتي التمسك بقاعدة لا حرج، فيمكن القول بأن هذا المورد لا يخلو حاله إما أن يكون مشمولاً لقاعدة نفي الحرج أو لقاعدة لا ضرر بينهما تعارض، شمول لا حرج للمورد يتعارض مع شمول لا ضرر للمورد، أيهما المقدم؟ نقدم لا حرج لأنها أقوى ظهوراً، بما أن العموم الموجود وضعي ولا ضرر الإطلاق الموجود إطلاقي فالعموم يكون مقدماً وأقوى ظهوراً من الإطلاق في المورد.

الوجه الثالث لجواز تصرف المالك:

يقول: إن تصرف المالك في ملكه لا يخلو من وجود حكم شرعي فيه مجعول من قبل الشارع، إما جواز التصرف في ملكه وإن استلزم الضرر على الجار، أو الحرمة، هذا الموجود في الواقع يستلزم منه الضرر فيكون محكوماً إلى لا ضرر، بمعنى إذا فرضنا أن الحكم المجعول من قبل الشارع هو جواز التصرف في ملكه، وهو يستلزم منه الضرر على الجار فيأتي لا ضرر، فنقدم لا ضرر، وإن كان في الواقع الحكم المجعول هو حرمة التصرف فهو يستلزم منها الضرر على المالك نفسه، لأنه إذا لم يحفر في مكانه البئر يتضرر، فبما أنه ضرري تأتي فيه لا ضرر، إذاً في الواقع لا يخلو الحال في المقام إما أن يكون الحكم المجول فيه هو الجواز وإما هو الحرمة، فعليه: أحدهما خارج عن دليل لا ضرر، ولا ضرر مقدمة عليه، ولا ترجيح لأحدهما، فإن كان المجعول الجواز تأتي لا ضرر وإن كان المجعول الحرمة تأتي لا ضرر، ويخرج المورد عنها ولا مرجح لأحدهما، النتيجة يكون لا ضرر مجمل ووارد في المقام، ولكن هل هو وارد على الجواز أو على الحرمة؟ لا نعلم، فصار لا ضرر مجملاً بالنسبة إليهما، فلا يمكن التمسك به لأنه مجمل فلا نتمسك بلا ضرر لشيء منهما.

النتيجة أن لا ضرر لا يمكن التمسك بها فتسقط، فنرجع إلى العموم الفوقاني إن وجد، وبحسب الفرض غير موجود، لأنه بحسب الفرض الناس مسلطون هذا منتفي فنرجع إلى أصالة البراءة عن الحرمة، فيجوز له التصرف، فالنتيجة: يجوز له التصرف وإن أدى إلى تضرر الجار.

أورد عليه السيد الخوئي (ره) بحسب ما تقدم في مبناه أن لا ضرر إنما تنفي الأحكام التي ينشأ منها الضرر، فعليه إنما تجري في الأحكام الإلزامية، لا ضرر ناظرة إلى الأحكام التي ينشأ منها الضرر هذه قاعدة مسلمة، عليه: الأحكام التي ينشأ منها الضرر بأنها لا تشمل الأحكام الترخيصية، لأن الأحكام الترخيصية لم ينشأ الضرر من الشارع وإنما من المكلف نفسه، بخلاف الأحكام الإلزامية، فلو ألزم شرعاً فالضرر ينشأ من حكم الشارع، وهذا أوضحناه سابقاً.

وبيانه ملخصاً: أن الحكم إذا كان إلزامياً وهذا يلزم منه الضرر فنسند الضرر إلى الشارع، فالوضوء واجب وهو ضرري فأنا إذا التزمت بالوضوء وأصابني الضرر فالسبب هو الشارع، وبما أنه يسند إلى الشارع فلا ضرر تنفيه، لأن الشارع يقول: لم نجعل حكماً ضررياً، أما إذا كان هناك حكم ترخيصي يجوز الفعل ويجوز الترك فالمكلف بإمكانه ألا يفعل فإذا فعل ما يوجب ضرره فالضرر نشأ منه، فلا يسند إلى الشارع فلا تنطبق عليه لا ضرر، فإذا قلتم إما الجواز أو الحرمة الجواز لا ضرر لا تخرجه وبالنسبة إلى الحرمة تخرجها، فيكون خارجاً عن لا ضرر، فيعطي عكس المطلوب الذي أراده المشهور.

فإذاً هذا الوجه غير تام أيضاً، وهناك وجه آخر يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.