الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه الثامن: الوجه الثاني:

انتهينا من الكلام فيما ذُكر من الوجه الأول إلى جواز ارتكاب ما يستلزم منه الضرر على الجار، فإذا كان يلزم من فعله في ملكه كحفره البئر في ملكه الضرر على الجار وترك الحفر يستلزم الضرر على نفسه أو يستلزم عدم النفع له، قلنا ما يظهر من كلمات المتقدمين بقاعدة الناس مسلطون على أموالهم، وقد ناقشنا هذه الرواية إن كانت رواية وإن كانت قاعدة فلا تدل على المطلوب.

الوجه الثاني:

الذي ذكره الشيخ الأنصاري (ره) فلقد تعرض لكلا الوجهين، يقول: بأن منع المالك عن تصرفه في ملكه يستلزم منه الحرج، فيُنفى بلا حرج، فدليله مركب من صغرى وكبرى، الصغرى أن منع المالك عن التصرف في ملكه حرجي، هذه الدار داري ومع ذلك يقال لي لا تحفر فيها بئراً أو غيره، هذا حرج، أما الكبرى: إن دليل نفي الحرج ينطبق عليه، هذا أيضاً لوحده غير كافي ويحتاج إلى مقدمة أخرى وهي أن دليل نفي الحرج حاكم على دليل نفي الضرر، لأنه يقال للشيخ بأن منعه من التصرف حرجي عليه ولكن تصرفه ضرري على الجار فينتفي بلا ضرر، فتريد أن تنفي الحرج بلا حرج أيضاً هذا ضرر فينتفى بلا ضرر، فيقول: بأن دليل نفي الحرج حاكم على أدلة نفي الضرر، هذه كبرى أيضاً، في الصغرى والكبرى الأولى ننقح صغرى وهي أن منع المالك عن التصرف في ملكه حرجي فينفى بدليل لا حرج، ثم كبرى هكذا نقول: ودليل نفي الحرج حاكم على دليل نفي الضرر، النتيجة بأنه يجوز له التصرف، فلا ضرر لا تأتي لأنها محكومة ولا حرج حاكم ينفي المنع من التصرف فالنتيجة يجوز له التصرف.

وبيّن أيضاً هذه الجهة دليل نفي الحرج حاكم على دليل نفي الضرر كما أنه حاكم على الأدلة المثبتة للأحكام، الوضوء إذا كان حرجياً ينتفي بلا حرج والغسل كذلك وهكذا.

هذا الكلام من الشيخ وقع موقع المناقشة فناقشه المحقق النائيني (ره) والسيد الخوئي (ره) ويتفقان في بعض المناقشات ويختلفان في بعضها، فمثلاً: المحقق النائيني (ره) يقول: بأن الحرج المنفي في قاعدة لا حرج هو الحرج البدني الجسدي أو الجوارحي بتعبير آخر، يعني الذي يقع على الجوارح ويستلزم منه الحرج هذا هو المنفي، أما الحرج الجوانحي فلا يدل الدليل عليه، هنا منعه من التصرف في ملكه يستلزم حرجاً جوانحياً ولا يستلزم حرجاً جوارحياً فعليه لا يكون منفياً بقاعدة لا حرج، فلا حرج أجنبية عن المقام، هذا حاصل الإشكال.

لكن هذا الإشكال واضح الدفع، باعتبار أن لا حرج مطلقة وتشمل بإطلاقها أو بعمومها إذا استفدنا العموم تشمل الحرج الجوارحي والجوانحي، إذا كان المكلف يقع في حرج شديد بحيث ينطبق عليه الحرج المنفي حرج شديد لا يُتحمل عادة ولو كان جوانحياً إلا أنه منفي يعني يصدق عليه أنه حرج وأنه يقع في مشقة شديدة لا تتحمل عادة، حتى لو لم يكن لها ربط بالجوارح، بل ربما يُدعى مجرد دعوى أن الحرج إن لم يكن كله فأغلبه نفسياً، ربما يكون ناشئاً من الأمور الجسدية لكن الحرج نفسي، والضرر هو جسدي عادة في العرض أو في المال وإن كان يمكن في الأمور المعنوية أن يصدق الضرر أيضاً.

إن تمت هذه الدعوى فواضح الإشكال على المحقق النائيني وإن لم تتم فلا أقل نقول أن الحرج يشمل الجوارحي والجوانحي، فينفى بلا حرج، وربما يطبقه الفقهاء في كتبهم، مثلاً: لو كان شخص في بيئة غير ملتزمة لو خرج بدون حلق اللحية فسوف يقع في حرج شديد بحيث أنه يكون سخرية أمام الناس فيقع في حرج شديد، وهو في مورد لا يمكنه التخلص من ذلك، فهنا الحرج جوانحي، فينفى بلا حرج.

فنقول: بأن الحرج المنفي يشمل الجوارحي والجوانحي، فإذا سلمنا بوجود الحرج من خلال منع المالك من التصرف في ملكه وإن كان جوانحياً ننفيه بلا حرج، فلا يمكن الالتزام بالإشكال.

من الإشكالات المتفقة بين المحقق النائيني والسيد الخوئي (ره) هو النقاش في الصغرى، تقول: منع المالك من التصرف في ملكه حرج عليه فينفى بدليل لا حرج، هذه الصغرى ليست على إطلاقها يعني لا نقول هناك ملازمة بين المنع من التصرف في ملكه وبين الحرج حتى نجعل هذه صغرى في الدليل، المنع ليس دائماً حرجياً، نعم ربما يكون أحياناً حرجياً، فلا يمكن تقديمه على لا ضرر، لأن الحرج المنفي هو الذي لا يتحمل عادة وليس مطلق الحرج، وإلا لنفيت كل الأحكام الشرعية لأن الأحكام فيها كلفة، وهذا لا قائل به، فالمنفي هو الحرج الخاص الذي يوقع في مشقة شديدة لا تتحمل عادة، هذا النوع من الحرج لا ملازمة بينه وبين المنع من التصرف، فليس كل منع فهو موقع في المشقة الشديدة، فالصغرى التي أفادها الشيخ غير تامة.

ويناقش أيضاً من جهة الكبرى وهو إشكال متفق، وهو أنه لا وجه لحكومة أدلة الحرج على أدلة نفي الضرر باعتبار أن قوام الحكومة هو بالنظر يعني أن يكون الدليل الحاكم ناظراً إلى الدليل المحكوم، هنا أدلة نفي الحرج ليست ناظرة إلى لا ضرر ولا ضرار وكما أن لا ضرر ليس ناظراً إلى دليل لا حرج، بل كلتاهما دليلان ثانويان ناظران إلى الأدلة الأولية للأحكام، فعندنا دليل الوضوء وهو أولي وهو تارة يكون ضررياً فينفى بلا ضرر وتارة يكون حرجياً حرجاً شديداً فنفيه لا حرج، فكلاهما ناظرتان إلى أدلة الأحكام الأولية لا إلى الأدلة الثانوية، فأساس الحكومة غير متصورة.

هناك أيضاً إشكال آخر ذكره المحقق النائيني ولم يذكره السيد الخوئي (ره) وهو أن لا حرج ناظرة إلى الأحكام الوجودية ولا تنفي الأحكام العدمية، يعني لا حرج مفادها كمفاد لا ضرر كما تقدم معنا، وما نحن فيه الآن تقول بأن لا ضرر لما نريد أن نطبقها هنا نقول: جواز تصرف المالك في ملكه ضرري على الجار فينفى بلا ضرر، فنقول لا يجوز، الآن لما تأتي إلى لا حرج فهي تنفي عدم السلطة يعني عدم سلطنة المالك على ملكه حرجي، وهذا لا ينفى بلا حرج لأنه عدمي، ولا حرج ناظرة إلى الأحكام الوجودية.

هذا الوجه أيضاً يمكن أن يناقش: بأن الحرج هو عدم سلطنته على ملكه أو منعه من التصرف، فنقول: حرمة تصرف المالك في ملكه حرجي فهذا حكم وجودي فلماذا قلتم عدم سلطنة المالك على ملكه حتى يكون عدمياً، بل هو وجودي كما قلنا، فإذا منعنا من الصغرى فهذا صحيح لأنه ليس كل منع حرجياً، أما لما نريد أن نقول إنها ناظرة إلى الحكام الوجودية أن ما نحن فيه عدمي فلا، لأن ما نحن فيه وجودي وليس عدمياً فينفى بلا حرج، فلهذا لم يذكره السيد الخوئي (ره) بل ناقش في الصغرى والكبرى فقط.

والمناقشة في الكبرى محل كلام سيأتي إن شاء الله تعالى.