الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه الثامن: ما أفاده السيد الخوئي (ره):

كان الكلام في تعارض الضررين، وقلنا بأن المسائل المذكورة ثلاث، وتقدم الكلام في المسألة الأولى بفروعها، وهي ما إذا توجه الضرران إلى شخص واحد ودار الأمر بين ارتكاب أحدهما.

والمسألة الثانية: ما إذا كان هناك ضرر واحد يتوجه إلى شخصين، بحيث يكون هذا الضرر من أحدهما، وهنا أيضاً ذكرنا أنه ثلاثة فروع في المسألة، والفرع الثالث: ما إذا كان هذا الضرر ناشئ من أمر سماوي خارج عنهما، والمثال: أنه لو دخل رأس حيوان شخص في قدر شخص آخر، من غير أن يكون السبب أحد المالكين ولا شخص ثالث وإنما أمر سماوي، هنا قلنا إن المشهور ذهب إلى اختيار أقل الضررين وأن يتحمل الضرر صاحب الأكثر، بمعنى أنه في مثل المثال: نفترض أن قيمة الحيوان أكثر من قيمة القدر فيُكسر القدر باعتبار أنه أقل الضررين وصاحب الحيوان يتحمل قيمة القدر.

وهذا لا وجه له، بأن تكون الدعوى أمرين: الأمر الأول: أن يرتكب الضرر الأقل، والأمر الثاني: أن يتحمل صاحب القيمة الأكثر قيمة الأقل، يعني هو يضمن الأقل، هذا لا دليل عليه، وما ذكر من الدليل لا يفيد في كلا الأمرين بحيث أنه هما نسبتهما إلى الله نسبة واحدة والضرر المتوجه إليهما كأنه متوجه لشخص واحد، وما تقدم الكلام فيه، هذا لا يفيد أن يتحمل القيمة صاحب المال الأكثر.

هنا ذكر السيد الخوئي (ره) أن الصحيح أن يقال: إنه عندنا أوجه على طبق الاحتمالات ولكل منها حكم.

الاحتمال الأول: أن يتراضى المالكان بإتلاف أحد المالين بخصوصه، ولو بتحملهما معاً للضرر على نحو الشركة، بأن يُكسر القدر وأن يتحملا الضرر بحيث يكون على كل واحد نصف الضرر، على هذا الوجه لا إشكال، باعتبار أن الناس مسلطون على أموالهم وهما كلاهما تراضيا على ذلك، وهذا في حال كون المالين متساويين وأما مع التفاوت في القيمة فلا وسياتي الكلام فيه.

الاحتمال الثاني: أن لا يتراضيا على ذلك، كل واحد يريد ملكه ولم يتراضيا على إتلاف أحد المالين، هنا يرفع الأمر إلى الحاكم الشرعي وهو له إتلاف أيهما شاء إذا كانا متساويين في الضرر، أما لو كان أحدهما أغلى من الآخر هذا سيأتي الوجه فيه أنه ليس له الخيار فيهما بل يختار الأقل فيهما، أو بمقتضى المصلحة الداعية في المقام ولا يكون حكمه جزافياً، وإذا أتلف أحدهما يقسم الضرر بينهما وذلك لقاعدة العدل والإنصاف وهي قاعدة عقلائية لم يوجد في الشرع قاعدة بهذا العنوان، لا وجه لتحمل أحدهما لكل الضرر.

هذه القاعدة العقلائية لها مؤيد شرعي، من جملة المؤيدات ما يُذكر في تلف الدرهم عند الودعي، لو فرض أن شخصاً أودع عند شخص درهمين وأودع آخر عند نفس الشخص درهم، صار الودعي عنده ثلاثة دراهم، تلف أحد الدرهمين من غير تفريط أو إفراط بل بسبب سماوي، لا نعلم بأن التالف في الواقع هو درهم صاحب الدرهم أو درهم صاحب الدرهمين؟ هنا يُعطى لصاحب الدرهمين درهم ونصف ويعطى لصاحب الدرهم نصف درهم، معنى ذلك أن التلف قُسِّم عليهما، مع أنه في الواقع التالف هو درهم واحد غير منصّف، وهذا الحكم لا يستقيم إلا على قاعدة العدل والإنصاف.

النتيجة: أنه إذا لم يتراضيا على أمر واحد وكان الضرران متساويين هنا يرجعا إلى الحاكم الشرعي وهو يكون مخيراً بين إتلاف أحدهما ويقسم الضرر بينهما.

أما لو كان أحدهما أقل قيمة من الآخر، فهنا ليس للحاكم إلا إتلاف أقلهما قيمة، وإلا فإن إتلاف صاحب القيمة الأعلى يكون زيادة في الضرر، وهذه الزيادة بلا موجب، وحكم الحاكم لا بد أن يقوم على مصلحة الطرفين.

أما لو ثبت أهمية أحدهما على الآخر ليس فقط من جهة ارتفاع القيمة، وإنما من قبيل لو صار رأس العبد في القدر بسبب سماوي هنا قطعاً العبد أهم من القدر حتى لو كانت قيمة القدر أكبر من قيمة العبد كما لو كان القدر من الذهب، لكن نعلم شرعاً أن العبد أهم من القدر فهنا نتلف القدر، إذاً فإذا ثبتت الأهمية في أحد الطرفين في نظر الشارع نتلف الآخر غير الأهم ويقسم الضرر بينهما.

بل حتى لو كان بفعل العبد نفسه، لو أدخل العبد رأسه في القدر والقر غالي جداً هنا أيضاً نخلص رأس العبد ونتلف القدر، غايته أن الضمان يكون على صاحب العبد، ولو كان بفعل الغير يكون الضمان على الغير.

المسألة الثالثة: وهي الأهم وعُقد التنبيه لأجل هذه المسألة والتقسيم السابق لتمييز هذه المسألة لعدم التشابك بينها، ومن عنون التنبيه بأنها التعارض بين قاعدة لا ضرر وقاعدة السلطنة هو ناظر إلى هذه المسألة.

وهذه المسألة: ما لو دار الأمر بين تضرر شخص والإضرار بغيره، إما أن يتحمل هو الضرر أو لا يتحمله ولكنه يضر غيره، ولكن من جهة التصرف في ملكه، المثال الذ يُذكر فيها: ما لو حفر في داره بئراً أو بالوعة وكان ذل موجباً لدخول الضرر على جاره، هنا من قال بالتعارض بين القاعدتين يقول: عندنا قاعدة لا ضرر تقتضي أن لا يحفر البئر في ملكه لأنه موجب لضرر الجار، ومن جهة أخرى نقول هذا تقييد في سلطنته على ماله فالناس مسلطون على أموالهم، وهو حفر البئر في ملكه وليس في مال جاره، فهنا دار الأمر بينهما، فإذا قلنا بتقديم قاعدة لا ضرر معناه أنه لا يجوز له حفر البئر في ملكه، وإذا قلنا بتقديم قاعدة السلطنة فمعناه يجوز أن يحفر البئر في مالكه وإن تضرر الجار.

ومن عنونها بدوران الأمر بين الضررين، فإما أن لا يحفر البئر فهذا ضرر عليه، وإما أن لا يتحمل هو الضرر فيتوجه الضرر إلى جاره.

هذه المسألة يقتضي البحث فيها أيضاً أن تذكر عدة صور في المقام.

الصورة الأولى: أن يكون المالك بتصرفه قاصداً لإضرار جاره، ومن دون أن يكون منفعة له ولا أن يكون في تركه ضرر، لا توجد منفعة من حفر البئر هنا ولا عدم حفره للبئر يقتضي الضرر له ولكن حفر البئر يسبب ضرر جاره.

الصورة الثانية: أن يكون الداعي لحفر البئر مجرد العبث ولا يقصد الإضرار، وحصل الإضرار للجار.

الصورة الثالثة: أن يكون التصرف بداعي المنفعة، حفر البئر فيه منفعة له وعدم الحفر ليس فيه مضرة له ولكن فيه فوت للمنفعة، وفيه ضرر على جاره.

الصورة الرابعة: أن يكون حفر البئر لدفع الضرر عن نفسه لتحرزه عن الضرر، بأن يكون ترك الحفر ضرراً، وفي حفره ضرر على جاره، فهنا دار الأمر بين أن يتحمل هو الضرر أو أن يضر جاره.

الصورة الأولى والثانية الأمر فيهما واضح، هو يقصد الإضرار نقول له لا يجوز لك الإضرار.

الكلام المهم في الصورتين الأخيرتين، هنا ما هو المقدم؟ المنسوب إلى المشهور جواز التصرف في ماله وعدم الضمان للضر في الصورتين الأخيرتين، البحث المهم في هاتين المسألتين وهذا ما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.