الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه السابع: مناقشة الصغرى:

لازال الكلام في الصغرى للأحكام العدمية، كما قلنا سابقاً بأن السيد الخوئي (ره) قال بصحة التمسك بلا ضرر في كبرى الأحكام العدمية، يعني كما تكون حاكمة على الأحكام الوجودية تكون حاكمة على الأحكام العدمية، ولكن هذه الكبرى لا صغرى لها لأننا لم نجد مورداً من هذا القبيل في الشريعة، وبينا ما ذكره في قضية الإنفاق بالنسبة إلى الزوجة، وذكرنا ما أفاده السيد الروحاني (ره) في المنتقى.

السيد الصدر (ره) عنده تعليق على كلام السيد الخوئي (ره) في هذا المورد، وما يهمنا من كلامه نقطتان:

النقطة الأولى: في مناقشته للسيد الخوئي (ره) أن لا ضرر عندما لا نريد أن نتمسك بها في الزوجية، نقول عدم الطلاق يترتب عليه الضرر، ولا يترتب عليه الضرر إذا لاحظنا الضرر المادي، وأما إذا لا حظنا الأضرار غير المادية فيترتب الضرر على عدم ولابة الزوجة على طلاق نفسها من زوجها.

عندنا ضرر مادي وضرر غير مادي، سوء الحالة التي تنشأ من عدم ولاية الزوجة على نفسها في الطلاق هذا من أوضح مصاديق الضرر، والذي يكون رفع الضرر عنها بولايتها على طلاق نفسها، يقول ما لفظه: (وهذا الاعتراض مبني على اختصاص تطبيق القاعدة على الضرر المادي أي النقص في المال، وأما بناء على ما تقدم من أن للضرر مصاديق أخرى اعتبارية فمن الواضح أن سوء الحالة التي تنشأ من عدم ولاية الزوجة على طلاق نفسها من زوجها الذي لا ينفق عليها من أوضح مصاديق الضرر والذي يكون رفع الضرر عنها بولايتها على طلاق نفسها والانفكاك عن مثل هذه الزوجية)

هذا الإشكال محصله: أننا إذا لاحظنا غير الأضرار المادية نلاحظ أن سوء الحالة التي تعيشها الزوجة وبسبب عدم وجود الولاية عندها على طلاق نفسها في حال عدم الإنفاق عليها يقول هذا من أوضح مصاديق الضرر.

هذا الإشكال يرد عليه: أن كلام السيد الصدر (ره) ومن خلال كلمات أخرى له، يقول: بأن البحث عندما أثبت الضرر ناشئ من عدم جعل طلاق نفسها أثبته فيما لو تعذر عليه الإنفاق، لا ما لو امتنع عن الإنفاق، عندنا حالتان في عدم الإنفاق على الزوجة، تارة ينشئ عدم الإنفاق من ضعف حالة الزوج المادية وتارة أخرى يكون عنده ولا يُنفق ويمتنع عن الإنفاق، هذه النقطة تفيدنا في مناقشته، قال فيما بعد في جملة كلام له: (هذا إذا كان الزوج غير قادر على الإنفاق للإعسار وأما إذا كان قادراً عليه ولكنه لا ينفق عصياناً وتمرداً فهنا يمكن التمسك بفقرة لا ضرار) يعني لا يمكن التمسك بنفس لا ضرر، وبحسب التقريب الذي هو أفاده في هذه الجملة.

فما أردت قوله فعلاً: كلام السيد الخوئي (ره) ناظر إلى لا ضرر، لأن لا ضرار لها معنى آخر لا تفيدنا في المقام، بالنسبة إلى الإنفاق هو يجب عليه الإنفاق، التمسك الذي أراده بالنسبة إلى لا ضرر، لا ضرر عندما تشمل الأحكام العدمية هل يمكن تطبيقها على محل البحث؟ السيد الخوئي يقول: لا، السيد الصدر (ره) يقول: نعم يمكن التمسك بها لأنها تقع في الضرر من جهة سوء الحالة التي تنشأ من عدم ولايتها على الطلاق.

نحن نقول له: هذا الكلام الذي ذكرته يفترض أن يكون - لو كان تاماً في نفسه – ناظراً إلى الإثنين، يعني إلى حالة عدم الإنفاق مع القدرة عليه ومع الامتناع عن الإنفاق، وفي حالة عدم الإنفاق مع العسر، الزوجة إذا لم ينفق عليها زوجها تقع في سوء الحالة، سواء كان عدم الإنفاق لعسره أو لامتناعه، فهو من أوضح مصاديق الضرر في الإثنين، لماذا في مورد دون مورد، الآن لما نلاحظ الزوجة إذا كان زوجها فقير جداً ولا يستطيع الإنفاق عليها وهي ترى نفسها لازالت شابة وجميلة بحيث لو تطلقت منه الكثير يتمناها من الأغنياء، هل هذه المرأة تعيش في سوء حالة أو لا؟ فنلاحظ سوء الحالة في الإثنين في حالة الامتناع عن الإنفاق وفي حالة العسر، وهي تنشأ من عدم ولايتها على طلاق نفسها، فالتفريق بين الحالتين في نفسه يكشف ارتكازاً بأن سوء الحالة لا تدخل في هذا الضرر المعني والذي يمكن أن يرفع بلا ضرر، يعني نفس التفريق يكشف عن وجود ارتكاز حتى عند السيد (ره) لأن سوء الحالة ليست من أوضح مصاديق الضرر ولو كانت كذلك لكانت في الإثنين، هذا أولاً.

ثانياً: إذا اعتبرنا سوء الحالة التي تنشأ من عدم ولاية الزوجة على طلاق نفسها من أوضح مصاديق الضرر والذي يكون رفعه بولايتها على طلاق نفسها، أيضاً يفترض أن نعمم كما يقال العلة تعمم وتخصص، فنعمم الأمر لغير حالة الإنفاق، مدار البحث الآن فعلاً لو امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته، والروايات التي ستأتي في هذا، والمسألة التي محل بحث الفقهاء هي أنه إذا امتنع الزوج عن الإنفاق بعد تخييره بين الطلاق والإنفاق وإعطائه مهلة ومدة فيما بعد الحاكم الشرعي هو يطلق، هذه المسألة خاصة في حالة الامتناع عن الإنفاق، بينما إذا اعتبرنا ما أفاده السيد (ره) ينبغي أن نعمم، يعني لو فرضنا تعيش هذه المرأة سوء الحالة وهي تنشأ من عدم ولايتها على طلاق نفسها من جهة غير الإنفاق مثلاً من جهة أن أخلاق زوجها غير جيدة، ربما هنا سوء حالتها تفوق ما يصيبها من الامتناع عن الإنفاق، ربما لو لم ينفق ولكنه يعاملها معاملة حسنة فهو أحسن لحالتها، هذا أمر وجداني، فلا أظن أنه يلتزم بأنه لا ضرر تشمل هذه الحالة ويكون الطلاق بيد الحاكم، فطلاق الحاكم عندنا فيه حالتان فقط وبشروط معينة، وفي غير هاتين الحالتين لا يمكن الطلاق بيد الحاكم، نعم من يرى ولاية الفقيه المطلقة يمكن ذلك، فالحاصل أنما أفاده في رد الإشكال لا يلتزم به في موارد أخرى، فهذا الإشكال لا يمكن الأخذ به.

النقطة الثانية التي أفادها: وهي اعتبرها جواباً عن التطبيق، أنه لا يمكن تطبيق القاعدة على مورد الإنفاق، هذا الجواب نفس مؤدى ما ذكره السيد الروحاني (ره)، يعني نرجع الحكم إلى أمر وجودي، ونتمسك بلا ضرر، ليتضح ذلك نذكر هذه للربط وذكرناه سابقاً، أن السيد الخوئي (ره) يقول: عندما يمتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته فهنا يلزم ضرر وهذا الضرر من أين نشأ؟ عندنا امتناع الزوج عن الإنفاق وهذا يحصل منه الضرر ولكن هذا يستند إلى الزوج، وعندنا الزوجية حكم جعلي وضعي هذا لا ينشأ منه الضرر، عندنا جعل الطلاق بيد الزوج هذا أيضاً لا ينشأ منه الضرر، إذاً الضرر نشأ من عدم الإنفاق، السيد الصدر (ره) بعد أن أفاد بأنه يوجد عندنا ضرر ولكن الضرر لم ينشأ من عدم جواز الطلاق وإنما نشأ من الزوجية، يعني بقاء الزوجية، أصل الحكم بالزوجية لا ضرر فيه ولكن بقاء الزوجية في هذه الحالة هو الذي يستلزم الضرر، وذلك بعد أن نلاحظ أن العلقة الزوجية لا تنفك إلا بالطلاق، طبعاً بالنسبة لغير الموارد التي فيها فسخ، ومن جهة أخرى جعل الطلاق بيد الزوج فنقول بقاء الزوجية هو الذي يستتبع الضرر، وبقاء الزوجية حكم وجودي وليس حكماً عدمياً فعدم تطبيق لا ضرر على المورد لأن هذا المورد ليس من الموارد العدمية، ولا بأس بقراءة عبارته (قده)، يقول: (بأنه لا يرتبط بعموم القاعدة للأحكام العدمية بل يتجه على كل تقدير، إذ لو كان عدم الطلاق ضررياً كما هو المفروض كان معناه ضررية بقاء الزوجية وهي حكم وجودي، وحيث إن الإجماع والضرورة الفقهية قد دلا على أن الزوجية لا تنقطع إلا بالطلاق فيدل لا ضرر بالملازمة على ثبوت الطلاق بيد طرف الزوجة إما نفسها أو ليها وهو الحاكم الشرعي الذي هو القدر المتيقن)

إذاً هنا نتمسك بلا ضرر في حكم وجودي لا حكم عدمي لأن بقاء الزوجية حكم وجودي وهو سبب الضرر، بخلاف ما عبر السيد الخوئي فإنه قال نفس الزوجية وليس بقاء الزوجية.

لماذا لا تنفصل الزوجية أو لها الخيار يقول: (وحيث إن الإجماع والضرورة الفقهية قد دلا على أن الزوجية لا تنقطع إلا بالطلاق فيدل لا ضرر بالملازمة على ثبوت الطلاق بيد طرف الزوجة) ثم قال ما ذكرناه سابقاً (هذا إذا كان الزوج غير قادر على الإنفاق للإعسار وأما إذا كان قادراً عليه ولكنه لا ينفق عصياناً وتمرداً فهنا يمكن التمسك بفقرة لا ضرار، بالتقريب المتقدم شرحه إذا لم يمكن إجباره على الاتفاق يثبت الحكم بالطلاق للحاكم الشرعي على الأقل) لا ضرار هناك بحث في معناها وما اخترناه غير ما اختاره السيد، ولكنها لا تشمل صورة الامتناع، وقلنا بأنه يدل ارتكازاً على أنه ليس ناشئاً من بقاء الزوجية.

حاصل الكلام: بأن البحث في النقطة الأخيرة، هل أن لا ضرر تشمل الأحكام العدمية أو لا؟ ثم أن حالة امتناع الزوج عن الإنفاق من مصاديق التمسك بلا ضرر في الأحكام العدمية أو لا؟ الذي يظهر من السيد اليزدي التمسك والمستفاد من الميرزا النائيني عدم صحة ذلك والمستفاد من السيد الخوئي عدم صحة ذلك في الصغرى المستفاد من السيد الصدر والسيد الروحاني التمسك بلا ضرر ولكن ليس من جهة تطبيق شمول القاعدة للأحكام العدمية، بل إن هذا المورد من الأحكام الوجودية، فيبقى كلام السيد الخوئي على قوته أنه عدم وجود حكم عدمي يستلزم منه الضرر، غاية ما أفاده العلمان أنه يمكن التمسك بللا ضرر فيه ولكن من جهة أنه حكم وجودي والسيد الخوئي لا يناقش من هذه الجهة بل ناقش بأنه لا يوجد حكم عدمي فقال إنه لا يوجد صغرى لكبرى عدم شمول لا ضرر للأحكام العدمية، وناقش في المثال، هما قالا بأن هذا المثال حكم وجودي لا عدمي.

وعلى كل تقدير هذا البحث في التمسك بلا ضرر في خصوص هذا المورد لعله من التطويل بلا طائل لأنه عندنا روايات خاصة في المقام ويمكن التمسك بها، فهل هذا من موارد لا ضرر أو لا؟ وأنه حكم وجودي أو عدمي؟ لا حاجة لهذا البحث إلا من جهة فنية أو من جهة عدم تمامية الأدلة.

فعندنا في باب النفقات الباب الأول الحديث الأول، عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن ربعي والفضيل بن يسار جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، قال إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلا فرق بينهما.

أو الحديث الثاني: عن أبي بصير المرادي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعهما ما يقيم صلبها كان حق على الإمام أن يفرق بينهما.

فعندنا مثل هذه الروايات فلهذا تمسك غير واحد من الفقهاء بهذه الروايات في موردها وهو مورد عدم الإنفاق.