الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه السابع: تتمة المناقشة:

كان الكلام في الكبرى، وهي أنه هل أن لا ضرر تشمل الأحكام العدمية أو لا تشملها؟ وتبين مما تقدم أن الأحكام العدمية التي يظهر من كلامهم فيها أنه هو عدم وجود حكم من طرف الشارع في الموضوع، وهذا المعنى قلنا بأن الضرر الموجود لا ينتسب إلى الشارع ولا يسند له، وليس من جهة أن الأحكام العدمية غير موجودة أو لا يمكن جعلها، وإنما من جهة الاستناد فلا ضرر يشترط فيها أن تنفي الحكم الضرري أو الموضوع للحكم الضرري، تنفي المستند إلى الشارع، أما غير المستند إلى الشارع فلا تنفيه.

عدم الحكم يعني عدم المانع لرفع الضرر، وعدم المانع لرفع الضرر لا يستند الضرر فيه إلى الشارع، كما قلنا عرفاً عدم إيجاد المانع من تأثير المقتضي لا يستند إلى من لم يجعل المانع، كما قلنا لو أن شخصاً أرسل كلبه على آخر وهناك طرف ثالث يستطيع منع الكلب عن الهجوم ولم يمنعه، هل بمجرد عدم منعه يستند الضرر الواقع على الطرف الثاني له، أو لا، الاستناد إلى من أرسل الكلب؟

المقتضي يعني من يتسبب بحصول الأثر هو الذي يستند إليه أما عدم جعل المانع لا يستند إليه، يقول له: أنت أدخلت عليه الضرر لأنك لم تضع المانع، لا يقال هكذا، وهذا ما ذكرناه سابقاً.

الآن الكلام في الصغرى، المحقق النائيني (ره) لم يقبل بالصغرى، يعني هو ناقش في الكبرى وناقش في الصغرى، السيد الخوئي (ره) قبل الكبرى ولكنه ناقش في الصغرى، قال الصغرى غير تامة، والكبرى تامة باعتبار أن عدم الجعل في المورد القابل للجعل هو جعل للعدم، فبالتالي ينتسب الأثر إلى الشارع، ولكنه ناقش من حيث الصغرى، فقال: بأن الصغرى غير تامة، يعني لا يوجد عندنا حكم بالعدم يستلزم منه الضرر في الشريعة الإسلامية، وناقش في المثالين المذكورين أولاً، عندنا مثال عدم جعل الضمان وعدم جعل الطلاق.

عدم جعل الضمان في فرض أن شخصاً أمسك بآخر وحبسه ففر عبده أو حيوانه أو طيره، إذا لم نحكم على هذا الحابس بالضمان يستلزم الضرر على المحبوس، فإذاً الذي تسبب في الضرر هو الحابس، هكذا مُثِّل له، السيد الخوئي (ره) يقول: الضرر هنا ناشئ من الحابس نفسه، وليس من الشارع.

المثال الثاني: هو من امتنع عن الإنفاق على الزوجة، هنا إذا لم يجعل الشارع جواز الطلاق للزوجة أو للحاكم الشرعي في هذا المورد فهذا يستلزم منه الضرر على الزوجة.

السيد الخوئي (ره) في المناقشة لهذين الفرعين عنده مناقشتان، مناقشة من حيث المقتضي ومناقشة من حيث المانع، يعني أنه يقول إن هذا الضرر ليس ضرراً من قبل الشارع أساساً.

أما من حيث المقتضي: يقول: بأن المتسبب في الضرر هو الحابس لا الشارع، والمتسبب في الضرر هو الزوج عندما امتنع من الإنفاق لا الشارع، ولا ضرر لا يتدارك بها الضرر وإنما يُنفى بها الحكم الضرري، بمعنى أن الحابس عندما حبس المحبوس هو تسبب في ضرر المحبوس وطار طيره وفر حيوانه أو عبده، هذا الضرر حاصل فعلاً، لا ضرر تقول: لا ضرر في أصل التشريع من قبل الشارع، هل يتدارك بها هذا الضرر الواقع؟ يقول: لا، لا ضرر لا يتدارك بها ما حصل من الضرر، هنا فعلاً وقع ضرر من قبل الحابس ولا ضرر لا يتدارك بها الضرر، لو بواسطة لا ضرر قلنا الشارع حكم بالضمان أو بالإنفاق هنا تداركنا الضرر، وهي فقط تنفي الحكم الضرري، بالنسبة إلى الضمان، لو جعل الشارع الضمان بمقتضى لا ضرر كانت لا ضرر يتدارك بها الضرر الواقع من قبل الحابس، بينما لا ضرر لا يتدارك بها الضرر، وكذلك بالنسبة للإنفاق، يقول: نحن عندما نلاحظ هذه القضية عندنا فيها ثلاثة أمور، عندنا امتناع الزوج عن الإنفاق وعندنا الزوجية وعندنا جعل الطلاق بيد الزوج، هذه ثلاثة أمور، عندما نأتي إلى هذه الأمور نلاحظ هكذا.

الأمر الأول: بالنسبة لامتناع الزوج على الإنفاق هذا هو سبب منشأ الضرر والشارع لم يجعله، الشارع ألزمه بالإنفاق على الزوجة، هو لم ينفق، فالضرر ليس من طرف الشارع بالنسبة إلى هذا الأمر.

الأمر الثاني: الزوجية، الشارع جعل الزوجية وجعله للزوجية ومع رضا وقبول الزوجة لا ضرر فيه، وها واضح.

الأمر الثالث: جعل الطلاق بيد الزوج، وهو في نفسه لا ضرر فيه على الزوجة في حد نفسه لا ضرر فيه.

إذاً النتيجة أن الضرر لم يقع من الشارع في مثل هذه القضية فعليه: لا ينفى لا ضرر، ولو أردنا أن نثبت جواز الطلاق بيد الزوجة في هذه القضية لكان معنى ذلك أن لا ضرر يتدارك بها الضرر الواقع، فالضرر الواقع من طرف الزوج الآن يتدارك به بواسطة لا ضرر وقلنا لا ضرر لا يتدارك بها الضرر الواقع وإنما تنفي الحكم الضرري، هذا كله من حيث المقتضي.

ثم يقول: مضافاً إلى ذلك أنه من حيث المانع أيضاً لا يمكن التمسك بلا ضرر في المقام، يعني لو سلمنا بأن لا ضرر تشمل الضمان ولكن هنا مانع، بيان هذا المانع: يقول: بأن الحابس الآن عندما نحكم عليه بالضمان يلزم منه حكم بالضمان لأن الضمان أمر ضرري فيه إتلاف أو فيه أخذ من المال ونقص منه، هذا ضرر أيضاً، وإذا لم نحكم عليه بالضمان يكون ضرراً على المحبوس، إذاً عندنا ضرران: ضرر يتوجه على المحبوس إذا لم يحكم الشارع بالضمان، وضرر بتوجه على الحابس إذا حكم الشارع بالضمان.

في مثل هذا نقول: لا ضرر عندما نريد أن ننفي بها عدم الحكم يعني نثبت في الواقع الضمان تتعارض مع الضرر المتوجه في المحبوس، هناك ضرر وهنا ضرر ولما نريد أن نتمسك بلا ضرر في هذه تتعارض مع التمسك بلا ضرر في الثانية، وهكذا الحال بالنسبة إلى المثال الثاني، مثال الإنفاق، لو حكمنا بجواز الطلاق بيد الزوجة أو الحاكم الشرعي لكان ذلك ضرر على الزوج، ولو لم نحكم بهذا الطلاق لكان ضرراً على الزوجة، فيتعارض لا ضرر في الموردين، طبعاً سيأتي بحث فيما بعد في تعارض الضررين، هنا لوجود التعارض لا يمكن أن نجري قاعدة لا ضرر.

فالنتيجة: أن ما ذُكر من عدم جعل الحكم هو حكم بالعدم يستلزم منه الضرر غير ثابت وغير تام.

هذا الكلام من السيد الخوئي (ره) وقع موقع الإشكال عند الأعلام المتأخرين عليه، بحيث أنه يمكن جريان لا ضرر بعد تسليم الكبرى، يمكن تطبيق لا ضرر على المورد، فمثلاً: السيد الروحاني (ره) يقول: إنه هنا يمكن أن نتصور حكماً جعلياً ولكنه مأخوذ من حكمين أساساً، يعني استفدناه من حكمين، يقول: وأما مسألة الزوجة تحت الضيق مع غياب الزوج أو امتناعه عن الطلاق فالحكم المستلزم للضرر فيها وجودي لا سلبي عدمي، فإن الموجب لوقوع الزوجة في الضيق بعد المفروغية عن عدم زوال العلقة الزوجية بغير الطلاق هو حصر حق الطلاق بالزوج وهو أمر ثبوتي منتزع من جعل حق الطلاق للزوج وعدم جعله لغيره، وقد بينه الشارع بمثل الطلاق بيد من أخذ بالساق، ومثله وإن لم يكن حكماً مجعولاً إلا أنه لما كان منتزعاً من الحكمين المجعولين أمكن نفيه شرعاً بحديث لا ضرر، فنلاحظ هنا أن السيد الروحاني (ره) أراد أن يطبق لا ضرر في المورد، طبعاً بعد ما سلمنا بالكبرى، من خلال هذه الجهة لما وقعت الزوجة في الضيق لعدم إنفاق الزوج هنا الموجب للوقوع في الضيق هو حصر حق الطلاق بالزوج وهو أمر وجودي عرفناه من جهة أن العلقة الزوجية لا ترتفع بغير الطلاق، ونضيف للتوضيح: نقول: ما عدا الموارد الخاصة الذي للزوج أو للزوجة فيها الخيار، موارد الفسخ موارد خاصة، الآن لا نتكلم في هذه الموارد الخاصة التي دل عليها الدليل الخاص أنه لها أن تفسخ، فهناك بلا طلاق، الكلام في غير هذه الموارد كما في موردنا، فعندنا حكم وهو أن العلقة الزوجية لا تزول ولا تزال إلا بالطلاق هذه جهة، ومن جهة أخرى أن الشارع جعل الطلاق بيد الزوج، الطلاق بيد من أخذ بالساق، نفهم من ذلك وننتزع منه حصر حق الطلاق بالزوج وهو أمر وجودي، إذاً يمكن أن يسند إلى الشارع هذا الضرر لو لم يحكم بجواز الطلاق بيد الزوجة أو الحاكم الشرعي في هذا المورد، وبما أن الشارع حصر حق الطلاق بيد الزوج تسبب في الضرر من هذه الجهة، أن الزوج يمتنع عن الإنفاق، بل حتى لو كان معذوراً ولم يكن قادراً على الإنفاق كان غائباً مثلاً، الشارع هنا حكم بالإنفاق على الزوج ولكن الزوج إما ممتنع عن الإنفاق وإما غير قادر على الإنفاق، من هذه الجهة الآن الشارع في هذا الظرف حكم وحصر الطلاق بيد الزوج، هنا تقع الزوجة في الضيق والضرر، فوقعت بالضرر بعد أن حكم الشارع بحصر الطلاق في الزوج، هذا الحصر انتزاعي ولكن منتزع من حكمين شرعيين، من أن العقلة الزوجية لا تزول إلا بالطلاق ومن أن الطلاق بيد من أخذ بالساق وهو الزوج، هذا انتزعنا الحصر من هذا، وهو منشأ الضرر، السيد الروحاني لم يكن بصدد مناقشة السيد الخوئي (ره)،

نقول للسيد الخوئي بعد تسليمك للكبرى وأن لا ضرر تشمل الأحكام العدمية، وهنا بهذا التقريب ليس حكماً عدمياً أساساً، وهذا الأوضح في الإشكال، أن مثال الزوجة الذي ذكرناه ليس حكماً عدمياً، فهذا المثال أدخل في الحكم الوجودي، يعني جُعل حكماً وجودياً وليس حكماً عدمياً، فمن جهة لا يكون إشكالاً على السيد الخوئي لأن السيد الخوئي إنما نفاه لأنه ليس من موارد جعل الحكم العدمي، وبما أنه جعل الحكم وجودياً فلا يكون إشكالاً على السيد الخوئي ولكن يُجعل إشكالاً على نفس المثال، يعني السيد قال إن لا ضرر لا تشمل هذا المورد وإن كان عدم الشمول من جهة كون عدم الجعل من طرف الشارع للحكم الضرري، يعني الشارع هنا لم يتسبب في الضرر لأنه لم يجعل الطلاق، بهذا التصوير الذي قرره السيد الروحاني (ره) يكون الضرر ناشئاً من حكم وجودي وهو منتزع في مسألة الزوج فمسألة الإنفاق ندخلها في الأحكام الوجودية وليس في الأحكام العدمية.

نلخص الكلام ليتضح أكثر: نقول: أن السيد الخوئي سلَّم بالكبرى بأن لا ضرر تشمل الأحكام العدمية، ولكن ناقش في الصغرى وقال لا يوجد عندنا حكم عدمي يستلزم الضرر، ينشأ منه الضرر، وبالنسبة إلى مثال الزوجة قال بأن الضرر ناشئ من عدم إنفاق الزوج ليس من عدم حكم الشارع بجواز الطلاق، على حسب الأمور الثلاثة التي ذكرناها.

المناقشة التي الآن نذكرها من طرف السيد الروحاني (ره) فإنه جعل مثال الزوجة التي امتنع زوجها عن الإنفاق جعل الحكم الضرري فيها حكم وجودي وليس حكماً عدمياً، الضرر ناشئ من حكم الشارع بحصر الطلاق بيد الزوج وهو حكم وجودي ليس ناشئ من عدم جواز الطلاق للزوجة أو للحاكم الشرعي، وهذا منتزع من حكمين آخرين جعلهما الشارع، هما أن العلقة الزوجية لا تزول إلا بالطلاق، ومن جهة أخرى قال الطلاق بيد من أخذ بالساق يعني الزوج، من هذين ننتزع حصر الطلاق بيد الزوج وهو الذي نشأ منه الضرر.

فإذاً أخرج المثال من الأساس عن كون الضرر الناشئ فيه ناشئ عن حكم عدمي.

نقول: بهذه النكتة فالنقاش مع السيد الخوئي في المثال ولكنه ليس نقاشاً للسيد الخوئي في أصل دعواه، السيد الخوئي طبق هذه الدعوى الحكم العدمي لا ينشأ منه الضرر طبقه على مسألة الإنفاق وأساساً الضرر لم ينشأ من الحكم، المناقشة تكون أنه هذا المثال أساساً نستطيع أن نخرجه من أن الضرر ناشئ من عدم الجعل إلى أن الضرر ناشئ من جعل حكم وجودي، هذا ما ذُكر وللحديث بقية أيضاً يأتي الكلام فيه.